عندما غزا الإنجليز السودان (1898م) وضعوا النظم الإدارية الجديدة لإدارة السودان وعملوا على تقسيمه إلى مديريات وجعلوا على كل مديرية مدير من الإنجليز وقسموا المديرية إلى مراكز وجعلوا على كل مركز مفتش إنجليزي وقسموا المراكز إلى أقسام وجعلوا على كل قسم مأمور من المصريين. ولقد رفعت بريطانيا بأفذاذها في الإدارة من أمثال كرومر وجيمس روبرتسون ولوقارد وهرولد مايكمال وونجت وذلك لوضع النظم الإدارية الجديدة في السودان وكان هؤلاء خبرة في العمل الإداري في مختلف المستعمرات البريطانية. الشاهد في الموضوع أن الإدارة البريطانية هي أساس الحكم المحلي في السودان حيث كان التنظيم الإداري غاية في الروعة حيث يمتلك الإداريون في الإدارة الجديدة الشخصية الاعتبارية التي هي أساس الإدارة المحلية. واستمرت الإدارة البريطانية في إصلاح أحوال الحكم المحلي في السودان حيث أصدرت العديد من القوانين في الإدارة المحلية وآخرها هو قانون مارشال (1951م) وهو قانون الحكومات المحلية (1951م) ولقد كان هذا القانون ناجحاً إلى حد كبير، وفوق ذلك عملت الإدارة البريطانية على تعيين الضباط الإداريين في السودان من خريجي جامعة إكسفورد وكبردج ممن درسوا القانون والإدارة والمساحة ثم عملت على تدريبهم لإدارة المقاطعات المحلية وأخذ التجربة والخبرة وجاء هؤلاء إلى السودان وعملوا في بقاعه المختلفة ومعظمهم من الإنجليز ونجحوا نجاحاً منقطع النظير من أمثال السير بل قوين. ولقد استمرت حكومة الاستقلال وما بعدها من حكومات سواء كانت عسكرية شمولية أو ديمقراطية على هذا النحو وبذلك القانون الذي قام مارشال بإصداره (1951م) حتى تم تعديله (1960م) بما يسمى بقانون الحريات (لجنة أبو رنات). وعندما جاء نظام مايو رأت حكومة مايو أن تسلم السلطة للجماهير وانتدبت الدكتور جعفر محمد علي بخيت وكان وقتها محاضراً في جامعة الخرطوم على أن يعكف على وضع قانون جديد للحكم الشعبي المحلي وكان نتاج ذلك إصدار قانون (1971م) المشهور واستمر هذا القانون حتى وضع تحت التقييم (1978م) وبموجب ذلك صدرت قوانين (1980م 1981م) قانون (البيئة والسلطات). وقصدت من هذه المقدمة أن أشرح مسار الحكم المحلي في السودان. حيث إنه من المفهوم والمعلوم معنى الإدارة المحلية التي هي أصلاً هي تقديم خدمات للمواطنين من تعليم وصحة ومياه شرب وكهرباء وحفظ للأمن والنظام العام وتنظيم الأسواق والإشراف على المباني وفوق ذلك منوط بها التنمية والتحديث والإعمار. الشاهد في الموضوع أن الإدارة المحلية قد غُيِّبت تماماً في ظل القوانين التي صدرت في الولايات فإذا أخذنا ولاية الجزيرة كمثال نجد قانون (2005م) الولائي قد أضر بالعمل في الإدارة المحلية حيث جرد الضباط الإداريين من كافة الصلاحيات وأن الضابط الإداري هو جوهر الإدارة المحلية فلذلك ظل الضباط الإداريين في المحليات دون أعباء كثيرة ولم تتوفر لهم حتى المعينات للعمل الإداري. ولقد كان المدير التنفيذي في السابق مدير المديرية كلها ويفرض كافة صلاحياته وسلطاته وهي في المقام الأول وظيفة مدنية وليست دستورية. ولقد نجح هذا النظام في السودان وحقق كثيراً من الإنجازات. إن أساس الإدارة المحلية هو إصدار الأوامر المحلية التي تنظم حياة الناس في المحلية وإن الضابط الإداري هو الذي يقوم بتنفيذ الأوامر المحلية التي هي أساساً هيبة الدولة ومحل احترامها فإن فقدت الإدارة المحلية وفشلت آلية المحلية في تنفيذ الأوامر المحلية فشل سلطان الدولة لأن الدولة تقوم في الأساس الأول والأخير على الحكم المحلي وإن نجحت الدولة في ذلك صلحت الحياة للناس وإن فشلت فشلت الدولة في إدارة أمور الناس وبالتالي تحقق الفوضى وعدم النظام. ويرفض الأهالي الالتزام برفع المستحقات الواجبة عليهم من ضرائب وعوائد وعشور وقطعان لأن المواطن يريد أن يلتمس خدمات مباشرة ونظير ذلك يدفع ما عليه من التزامات وإلاّ كان فهم المواطن لهذه الأموال التي تحصل فهماً آخر لا يمكن أن نزيله عن ذهنه مهما كان الشرح والتحليل وتوضيح الفهم. إن الإدارة المحلية في السودان منوط بها وزارة الحكم المحلي أي وزارة الحكم اللامركزي التي مطلوب منها أن تعكف على وضع قانون جديد يكون صالحاً للإدارة المحلية في السودان وإعادة الهيبة إليها من جديد وإن هيبة الدولة في هيبة القانون وتنفيذ الأوامر المحلية. وهنالك أعداد غفيرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والدراسة لهذا المجال فعلى الوزارة أن تجمع هؤلاء لوضع قانون جديد للحكم المحلي في السودان ألاّ فعلت الأخ وزير الحكم اللامركزي وما توفيقي إلاّ بالله والسلام.