دخل أمر استفتاء أبيي مرحلة متقدمة من الشد والجذب، بين طرفي القضية بالدولتين «جنوب السودان» و«جمهورية السودان»، إثر التصريحات الجازمة لحكومة الجنوب بإجرائه في موعده الذي حددته وأصرت عليه في أكتوبر القادم سواء أوافقت عليه حكومة السودان الطرف الثاني في الاستفتاء أم لم توافق، رغم أن القانون الدستوري لاستفتاء المنطقة حسب قرار لاهاي الذي احتكم إليه الجانبان حكومتا الخرطوموجوبا بحسب بعض المختصين في القانون الدولي الذين استطلعتهم «الإنتباهة» يلزمهما بضرورة أن يشمل أطراف النزاع في المنطقة من القبائل التي تقيم بها. وتسكن أبيي قبيلة المسيرية الشمالية بجانب دينكا نوك. وتصر حكومة جوبا ومن شايعها من أبناء دينكا نوك في الحركة الشعبية على ضرورة قيام الاستفتاء في أكتوبر القادم، الشهر الذي هو بمثابة شهر الهجرة «جنوبا وشمالاً» لقبيلة المسيرية الرعوية التي تعتمد في حياتها على رعاية الأبقار والماشية، مما يحتِّم عليها أن تكون خلال هذا الشهر في حالة ترحال بحثاً عن الكلأ وابتعاداً عن الأمراض الخريفية التي تصيب أبقارهم، خاصة أن أبيي منطقة سكنية بالنسبة لهم أكثر من كونها رعوية حيث الهجرة جنوباً، لينتهز أبناء دينكا نوك في الحركة الشعبية والذين يصرون على تبعية هذه المنطقة لدولة الجنوب، رغم اعترافهم الصريح بحق المسيرية فيها يصرون على قيام الاستفتاء في الشهر المزعوم لقيام الاستفتاء. وهدَّد لوكا أبيونق القيادي بالحركة الشعبية بدولة الجنوب بأنه في حال تمسُّك الخرطوم بموقفها الرافض لقيام الاستفتاء في أكتوبر المقبل فإنه يحق لدينكا نوك رفع قضية لمحكمة العدل الدولية ضد السودان. الأمر الذي فتح الباب واسعًا للسيناريوهات المحتمَلة حول إمكانية إلزام السودان بنتائج الاستفتاء من دون إشراك المسيرية فيه أو عكسه تماماً، وحول هذا يقول الخبير في القانون الدولي الدكتور شيخ الدين شدو ل«الإنتباهة» إنه ليس لدى دينكا نوك ولا لحكومة الجنوب حق قانوني في أن الاستفتاء يمكن أن يقوم بقبيلة دينكا نوك فقط دون بقية القبائل السودانية التي تقيم في المنطقة، لافتاً إلى أن المنطقة منعرجة وفيها مناطق وعرة تم فيها تداخل قبلي، إضافة إلى قبائل المسيرية الرحل ودينكا نوك. وقال إن الكثير من الجهات قامت بإغفال قرار التحكيم في أبيي حيث إن المشكلة أساساً كانت في الحدود 1956م - 1906م، وإنه تم الاتفاق على أن تكون هناك عشرة كيلومترات بعيدة من التمرد حتى تضمن السلامة وعدم الاحتكاك بين الدولتين. وقال إن الخروقات في ذلك دائماً تُرتكب من قِبل الجنوبيين وإن المسيرية من حقهم التمسك بحقهم في المنطقة في الوقت الذي أعلنوا فيه أنهم لن يتخلوا عنها ومستمسكون بشماليتها، ويضيف شدو، أنه بحسب قرار الجنوبيين أنفسهم الذين تدفعهم دولة الجنوب دفعًا للتربص بأبيي يعترفون بأن أبيي منطقة تتبع لشمال السودان. ويقول حول ما إذا كانت نتائج الاستفتاء بدون قبيلة المسيرية ملزمةً لحكومة السودان أم لا، إن نتائجه غير ملزمة من ناحية دولية، وذلك لأن نتائجه بالصورة الراهنة معروفة، غير أن المجتمع الدولي نفسه لا يعترف بنتائج استفتاء قام من طرف واحد وهناك أطراف أخرى يحق لها المشاركة فيه، فالمسيرية جزء أصيل في الاستفتاء إضافة إلى أن الاستفتاء نفسه يحتاج للمزيد من الخطوات كالطعن وحق الاستئناف وغيره من خطوات التحكيم المعروفة وفقاً لمقررات مفوضيته المكونة وفق لائحة تمَّت إجازتها مسبقاً لهذا الغرض. ولكن الدكتور السماني الوسيلة الدبلوماسي المعروف والسفير بالخارجية السودانية يؤكد ل«الإنتباهة» أن قيام الاستفتاء في حد ذاته غير قانوني وأن الموقف الرسمي لكل السودانيين يجب أن يكون الرفض، بحسب قوله. وقال مستغرباً: كيف يشكو دينكا نوك الحكومة وهم أساساً ليسوا بأصحاب حق في المنطقة وليس لهم مستندات تُلزم السودان بقبول الاستفتاء، وحول إمكانية المحكمة الدولية من اتخاذ قرار ضد السودان حال رفضه قيام الاستفتاء قال الوسيلة إن القرار الدولي الذي صدر بشأن الاستفتاء ينص على قبيلتي المسيرية ودينكا نوك وغياب أحدهم لا يعطي الآخر الشرعية لذلك فإنه يرى بعدم مقدرة المحكمة الدولية قانونياً على إصدار ما يُلزم السودان بقبول النتائج أياً كانت. في الوقت نفسه يرى شدو أن الأفضل لمشكلة أبيي من ناحية الحلول أن تتبع الأطراف ما يسمى «بالتوفيق» وهو موجود في القانون ومعترف به في الوقت الذي عجز فيه التحكيم عن حل الإشكالية القائمة بين الطرفين في تبعية المنطقة، ويضيف أن الأنسب للحل هو التوفيق، بحسب رأيه، لأن فيه تتم التنازلات بينما التحكيم فإنه يقوم على الشروط، وقال إن أبيي بوصفها الراهن قنبلة موقوتة ،لأن المسيرية لن يتنازلوا عن حقهم؛ وفي ذلك يمكن أن يقفوا ضد حكومة السودان إذا ما هي أعلنت عن تنازل في القضية، وقال إن المشكلة تكمن في الالتزام بالقرار وإن الجنوب ككل ليس فيه قانون وإنما يقوم على قوات متمردة لا تعترف بالمحاكم، لذلك فإنه ينادي بوساطة طرف محايد لحل الإشكاليات القائمة بشأن أبيي بين الطرفين والتي بدورها تستلزم أيضاً تنازلات الطرفين. ويتفق د. بركات موسى الحواتي، مع الخبير القانوني شدو فيما ذهب إليه من أن الجنوبيين في الغالب الأعم يتجاوزون ما تم الاتفاق عليه دستورياً بشهادة كل العالم، إضافة إلى تجاوزاتهم بشأن العلاقات الثنائية وما يمكن أن يحدث للمنطقة باستفحال أمر الحرب فيها. بيد أنه رد على لوكا بيونق بأن لا الدستور العالمي ولا القانون الدولي يمكن أن يُلزم السودان باستفتاء قام من طرف واحد، وأضاف أن بالدستور الانتقالي لاستفتاء أبيي وبعض المواد فيه تؤكد تأكيداً ظاهراً بأحقية المسيرية في الاستفتاء، وقال إن المسألة واضحة وهي مربوطة بنيفاشا التي تحولت لدستور انتقالي لسنة 2005م وهي بدورها تشير إلى أحقية المسيرية في الاستفتاء بشأن تحديد تبعية المنطقة، وقال إن ما ذهب إليه لوكا مجرد أحاديث سياسية لا تخدم قضية المنطقة بشيء وإنما تزيدها إشعالاً.