لا يراودني أدنى شك في أن مولانا أحمد محمد هارون والي ولاية شمال كردفان الحالي، قد أثبت فعلاً أنه رجل دولة، يعرف كيف يدير شؤون الحكم الولائي.. وهو صاحب نهج متميز في إدارة شؤون المواطنين في الولاية التي يتولى أمرها، وإن جاز الوصف، يمكن أن نطلق على نهجه المتميز هذا، مصطلح «المشاركة للجميع إلا من أبى».. عندما كان مولانا والياً لولاية جنوب كردفان، كون سيادته مجلساً سماه مجلس حكماء ولاية جنوب كردفان، يتكون من أكثر من مائة قيادي من قيادات جنوب كردفان من مختلف ألوان الطيف السياسي، ومختلف القيادات الشعبية والأكاديمية المتخصصة، بمن فيهم المسلم والمسيحي. اجتمع سيادته آنذاك بالمجلس المعين، وناقش مع أعضائه مشكلات الولاية، وطلب منهم تكوين لجان فرعية من أعضاء المجلس، تقوم بدراسة قضايا الولاية السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية بالتفصيل، وتقديم الحلول والتوصيات المستخلصة من تلك الدراسة، لرئاسة الولاية للتأمين عليها، ومن ثم التنفيذ والمتابعة، وفعلاً تم ذلك وقدمت التوصيات. وضع مولانا تلك التوصيات في برنامج عمل مدروس بأسبقياته وتوقيتاته وبدأ التنفيذ.. ولولا معوقات الحرب التي عمت معظم أجزاء ولاية جنوب كردفان، لكانت جنوب كردفان اليوم يشار إليها بالبنان من حيث التنمية والبناء والتعايش السلمي. وبعد أن تولى مولانا أحمد محمد هارون إدارة حكم ولاية شمال كردفان، بدأ في تنفيذ نهجه المتميز، «المشاركة للجميع إلا من أبى» إذ قدم الدعوة لكل قيادات شمال كردفان بدون فرز للقاء تفاكري في قاعة الشارقة يوم السبت 24 أغسطس 2013م، للتشاور في كيفية بناء وتنمية ولاية شمال كردفان.. وقد لبى كل المدعوين الدعوة حتى فاضت بهم قاعة الشارقة. أهم مخرجات اللقاء التفاكري كانت، تكوين لجنة عليا من الحاضرين سميت بلجنة «الأحد عشر» مهمتها ترتيب لقاءات أخرى قادمة، وتكوين لجان فرعية متخصصة تقوم بدراسة قضايا الولاية الملحة، وتقديم توصيات وحلول عملية لرئاسة الولاية، لتقوم الأخيرة بوضع برنامجها الولائي على ضوء تلك التوصيات، ومن ثم البدء في التنفيذ والمتابعة. نسأل الله أن يوفق لجنة الأحد عشر واللجان الفرعية في إتمام المهمة وتقديم توصيات عملية قابلة للتنفيذ، تجعل المركز يتجاوب معها.. ونسأل الله أيضاً أن لا تمتد يد الحرب اللعينة إلى ولايتنا شمال كردفان الآمنة وتحول دون تنفيذ البرنامج المرتقب. أخي الوالي: لقد حباك الله بولاية وسطية ذات موارد طبيعية وفيرة، جاذبة للإنسان والحيوان.. جذبت أبناء السودان من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب، فجاءوا إليها قبائل وجماعات ليستوطنوا ويستقروا فيها، متآخين ومتحابين ومتصاهرين ومتعايشين في أمن وأمان.. إنها ولاية متميزة طيب أهلها، لا يعرفون الحقد والغدر والخيانة. ولنسأل التاريخ: هل حدث في يوم ما، صدام مسلح في أرض شمال كردفان، بين الجوامعة والبديرية، أو بين الحمر والجوامعة، أو بين الجماعات القبلية التي نزحت من الشمال؟، وتلك التي نزحت من الغرب والشرق والجنوب؟ بالطبع لا.. وإن حدث فهو فقط حادث فردي. ولو سألني سائل عن سبب هذا التآخي والتسامح والانسجام والمصاهرة بين أبناء شمال كردفان؟ لقلت له: نحن أبناء شمال كردفان المنتشرين في مدن وقرى الولاية المختلفة، التقينا في داخليات المدارس الأولية والمتوسطة منذ سن العاشرة، تعارفنا وتحاببنا وامتزجت ثقافاتنا وصرنا قبيلة واحدة.. وعلى المستوى القومي، التقينا مع أبناء السودان القادمين من الولايات الأخرى في مدارس وداخليات المرحلة الثانوية العليا، تعارفنا وتبادلنا الثقافات المحلية، وعرفنا بعضنا البعض عن قرب.. وهذا يعني أننا تشبعنا بالوعي المجتمعي وحب الآخر على مستوى الولاية والوطن، في سن مبكرة، والآن نجني ثمار تلك الفضيلة الوطنية، محبةً وأمناً وانسجاماً واستقراراً. وللمحافظة على هذا المستوى الرفيع من الوعي الوطني والانسجام، أضم صوتي إلى الذين ينادون بمراجعة التعليم في الولاية وإرجاع نظام الداخليات، وفتح مدرسة خور طقت الثانوية العليا العريقة، لكل أبناء السودان كما كانت في الماضي القريب.. لأن طبيعة التركيبة الإثنية في السودان، تفرض تعميم هذا النهج التربوي في جميع ولايات السودان لتقوية الحس والرابط الوطني. القصور التنموي والخدمي الذي لازم ولاية شمال كردفان فترة طويلة من الزمان، هو مسؤولية الولاة الذين تعاقبوا على حكم الولاية، سواء بالتعيين أو الانتخاب.. كان ارتباطهم وتجاوبهم مع المركز وتنفيذ رغباته، فرض عين، طغى على ارتباطهم والتزامهم الأخلاقي تجاه مواطني الولاية، وحال دون تلبية تطلعات ورغبات المواطنين الملحة. مواطن الولاية المغلوب على أمره، أطلق على هؤلاء الولاة الذين تعاقبوا على حكم الولاية، مصطلح «ولاة الفصل الأول». والفصل الأول يعني المرتبات.. لأن اهتمام أولئك الولاة انحصر فقط في صرف مرتبات موظفي وعمال الولاية في مواعيدها المحددة، غاضين الطرف عن بقية مسؤولياتهم تجاه الإصلاح الإداري والتنمية.. وعند سؤال الولاة يأتي ردهم واعداً ومطمئناً، ولكن في حقيقة الأمر، لسان حالهم يردد سراً أقوال المركز «أنتم أحسن حالاً، بالله عليكم لا تزعجونا بمال التنمية، لأن هناك ولايات أكثر حاجة منكم». وللأمانة والتاريخ، وإنصافاً للناس، استثني في ذاك التصنيف، د. فيصل حسن إبراهيم الذي أحمرت عيناه من كثرة السؤال والإلحاح، وأبرز أنيابه أمام رموز المركز مطالباً بمال التنمية، ولكن عيون المركز كانت أكثر احمراراً، وأنيابه أطول وأكثر حدة، فكان الإبعاد القسري لفيصل من ولاية شمال كردفان إلى موقع آخر. طريق الخرطوم بارا الأبيض، وخط أنابيب المياه من النيل الأبيض، والتعليم والصحة، ومشروع أبو حبل الزراعي ومصانع الأسمنت، هي قضايا الولاية الملحة التي أتوقع أن ترفعها اللجنة ضمن التوصيات المتوقع رفعها لحكومة الولاية. وقد سبق أن رفعت تلك القضايا لأربع حكومات ولائية متعاقبة، ولكن لا حياة لمن تنادي، ومواطن الولاية لا يعرف حتى الآن هل تلك القضايا قابعة في دواوين الولاية، أم رفعت إلى المسؤولين في المركز؟؟ ما يريد أن يعرفه مواطن الولاية هو: هل هنالك إرادة حقيقية لحكومة الولاية والمركز لتنفيذ تلك المشروعات؟؟ وما هي العوائق التي تحول دون التنفيذ، هل هي عوائق تمويلية أم فنية أم أمنية أم أسباب أخرى؟؟.. الوضوح في الإجابة عن تلك الأسئلة يريح المواطنين، ويبدد الشكوك والشائعات التي صرنا نسمعها باستمرار في منابر الولاية المختلفة. ما أود أن أؤكد عليه هو: هنالك رغبة أكيدة من كل أبناء الولاية للوقوف بقوة خلف الوالي مولانا أحمد محمد هارون ودعمه معنوياً، وهو يقاتل لوضع تلك المشروعات ومشروعات أخرى تخدم إنسان الولاية، موضع التنفيذ.. علماً أن إرادة أهل الولاية، إذا تم تفعيلها وتحريكها، تقهر كل العوائق التي تعترض تنفيذ المشروعات، وتقصم ظهر كل من يقف أمام التنفيذ.