ما ظل يجري في المنطقة العربية منذ وقت ليس بالقريب لم تكن تخفي علي أحد مآلاته بل وبأكثر من ذلك دوافعه . ولم يكن العقل العربي بحاجة إلي كتاب عن المخططات السوداء التي تحاك بليل ضد الأمة العربية والإسلامية ليدرك أن المياه التي تنسرب من تحت أقدامها لتميد بها ، هي صنيعة دولية يكاد يشترك فيها بعض ذوي الرحم العربي وكثيرمن دول الجوار الإقليمي . لم يكن الوعي العربي بحاجة إلي مصباح ليري الحقائق في رابعة النهار والتي تتعلق بالكثير من المؤامرات التي تظل تُحاك من أجل إقعاد الأمة العربية وصرفها عن مشاريعها الحيوية والحياتية التي تتعلق بوجودها وكينونتها . لم تكن كثير من الحقائق عن طبيعة ونوعية الإستهداف الذي تتعرض له الأمة بخافية علي كل ذي بصيرة ولكن ضجيج الآلة الإعلامية الموجهة وتلك المستلبة ، يظل يطغي علي كل شئ ويظل يعمل بلا كلل علي تمييع القضيه وصرف الإنتباه عن حقيقة ما يجري حتي صدَّق الناس الوهم أو كادوا . لم تكن ثورة المعلومات ومن خلفها ربيبتها ثورة الإتصالات التي فتحت الفضاء أمام حملات تشويه العقل العربي والتشويش عليه ، إلا وبالاً علي الأمة العربية وكثير من الأمم المعاصرة . فهي وبقدر ما أعطت للإنسانية من خدمات فقد أخذت منها الكثير والكثير ، وجعلت من نعمائها ، وفي أغلب الأحيان ، نقمة . فبرغم أن شرارة الثورة التونسية ومن بعدها المصرية ثم الليبية ، لم تكن لتتحول إلي ضرام لو لم تجد دعماً إعلاميا وإتصاليا قويأً ومكثفاً ، برغم ذلك إلا أن ذات القوة الإعلامية المؤثرة قد كانت وبالا علي هذة الثورات مؤخرا وبدأت تأخذ منها بالشمال ما سبق وأعطتها إياه باليمين ، وليس أدلَّ علي ذلك من الشرعية التي إنتُزعت قسراً من بين أيدي أصحابها في مصر بإسم شرعية (مفبركة) تمت صناعتها في غُرف (المونتاج) وتم الترويج لها كشرعية شعبية في وسائل الإعلام المأجورة وذلك لإقناع الرأي العام العربي والأجنبي بأن الشعب هو من كان صاحب الكلمة مرة ً أخري . إن ما يحدث الآن في المنطقة العربية وبخاصة في دول الربيع العربي ليس بمستغرب ، فلم تكن أبداً حسابات الدول الكبري ونعني بها الدول الإستعمارية ، قديما وحديثاً ، لم تكن بحال من الأحوال لتغفل عن ما يمكن أن تؤدي إليه مآلات الثورات التي إنتظمت العالم العربي مؤخراً ومنذ ما يربو علي الخمس سنوات إلا قليلا . لم تكن هذه القوي من الغباء بحيث لا تتمكن من قراءة ما بين سطور الثورات العربية ، برغم أنها كانت تعتمد حساباً آخر ربما يؤدي إلي صناعة واقع يتوافق مع إستراتيجياتها في المنطقة ، بل وربما يعيد صياغتها وفق مصالحها . لكن ذلك لم يكن ليمنعها من أن تضع خططاً بديلة تتمكن عبرها من تحويل مجريات الأحداث إذا ما جرت بغير ما تنتظر ، وهوما حدث ويحدث الآن . لا يمكن بأي حال من الأحوال القول بأن ثورات الربيع العربي هي صناعة ليست عربية ، كما لا يمكن إطلاق الحكم بأنها إستمرت حتي وصلت إلي ما وصلت اليه ، بدون أن تتدخل وتتداخل فيها كثير من الأصابع ( دولية وإقليمية )، خافيها ومعلنها وذلك مما هو مُدرك بالضرورة . ولكن ما يجري الآن هو شئ أربك حسابات كثير من المراقبين للوضع العربي وجعلهم يضربون أخماساً في أسداس وربما دون أن يتوصلوا لشئ ما. فما يجري في مصر منذ الثلاثين من يونيو ، مقترنا بما يجري في تونس منذ بعض الوقت ، مأخوذاً معه في الحسبان ما ظل يصطرع في ليبيا ، مرتبطاً به ما أخذ في التداعي في كثير من المواقف الدولية بخصوص ما يجري في سوريا ... كل ذلك أن نُظر اليه نظرة جزئية فلن يتم التوصل فيه الي شئ ، أو رابط يمكن من خلاله فهم ما يجري ، فالعالم بكلياته قد وقف ، بدايةً ، مع الديمقراطيات الوليدة في هذة الدول وبارك مساعي شعوبها نحو الإنعتاق والحرية . ولكنه وفي إنتكاسة لم تكن مفهومة تماما قد بدأ يضيق بكل ما تأتي به هذة الديمقراطيات علي شعوبها وبلدانها بل والإقليم ككل .وهو الشئ الذي ما فتئ يربك حسابات المراقبين للوضع ولكن تتضح حقيقة الأمر ما إن تتم الرؤية بمفهوم أكثر إتساعا يربط كل ما يجري بطبيعة الصراع الذي يدور في المنطقة منذ عقود ، والذي هو لا ينفصم بحال عن إستراتيجيات ومصالح الدول الكبري في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بمجملها . ( المخطط الأسود ) تلك القراءة التحليلية لما يجري إعداده في مناطق الربيع العربي ، أو بالأحري ما يجري إعداد مناطق الربيع العربي له وهي للكاتب (مؤمن بسيسو) وقد تم نشرها في موقع الجزيرة نت ، و التي أعادت صحيفة الأنتباهة الغراء نشرها علي صفحاتها يوم أمس الأول . هذة القراءة تؤكد وبتفصيل دقيق وبدراسة متأنية وبإستصحاب كل المعطيات الإقليمية والدولية ، أن ما حدث ويحدث من إنقلاب علي الشرعية الدستورية في دول الربيع العربي ، وما يحدث من محاولات دولية لتحجيم دور بعض دول الجوار الإقليمي والعربي والتي تتسم بمواقفها القوية ضد الهيمنة الإستعمارية الغربية ( ويقصد بها الكاتب الدور القطري والتركي علي وجه الخصوص ) ... ، نقول تؤكد القراءة أن ما يحدث هو عملية إجهاض لهذة الثورات ، وتفريغ لها من محتواها العربي والإسلامي في محاولة للسيطرة عليها بعد أن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك طبيعة توجهها والتي لا تنفصم بحال عن أشواق الشعوب العربية التي تتوق الي العودة الي جذورها ومنابع عزتها العربية والإسلامية الأصيلة .