لا شك أن الساحة السياسية والاجتماعية والفكرية السودانية تمور بانفعالات شتى بين صالح وطالح ومستقبلي وماضٍ عفا عليه الزمن ولكنه ما زال يتمسك بالحاضر رغم أنه لا يمتُّ لمجريات الأمور والواقع السوداني المعيش بأدنى صلة.. «الأحزاب التقليدية».. وهل ينجح التحالف الإسلامي الوطني في خلق الإصلاح اللازم بالبلاد واستيعاب كل القوى السياسية والوطنية والاجتماعية بالبلاد.. وإن فكرة التحالفات والائتلافات ليست جديدة بالبلاد وأثبتت فشلها في عهد الديمقراطية الثالثة ما الجديد الذي يقدمه تحالف القوى الإسلامية الوطنية وما الضمانات التي يقدمها لنجاحه ولا يكون مجرد شعارات.. وكيف يجمع في جوفه المتناقضات ويوائمها من أجل الإسلام والوطن وكيف يولد الإصلاح من رحم الخراب حيث إنه يضم الخارجين والمختلفين مع أحزابهم.. كل ذلك وغيره في حوارنا مع الأستاذ أمين بناني نيو رئيس التحالف ورئيس حزب العدالة.. فإلى الحوار. فكرة التحالفات بين القوى الإسلامية والوطنية ليست جديدة بالسودان بل وأثبتت فشلها وكان آخرها الحكومة الائتلافية بعهد الديمقراطية الثالثة.. ما جديدكم أنتم الذي أتيتمونا به؟ أوافقك الرأي بأن فكرة التحالف والائتلاف والممارسة أيضاً في الحياة السياسية السودانية ليست بجديدة ولم تحقق النجاح المطلوب سواء أكانت الاختلافات بغرض المشاركة بالحكومة أم تجمعات سياسية لمقاومة النظام الحاكم، ولكننا سنستفيد من تلك التجارب ونحاول بقدر الإمكان تلافي عيوبها والبناء على الإيجابيات. وما هي المرجعية الأساسية التي يستند إليها تحالفكم؟ حرصنا على أن يقوم التحالف على مرجعية إسلامية ووطنية وليس مجرد تجمع من أجل السلطة والمعارضة، وتمثل قضية الهوية الإسلامية حجر الزاوية في هذا التحالف وهذا ما يميِّزه من تحالف قوى الإجماع الوطني المعارضة القائمة الآن «تجمع أبو عيسى». هل ستشرعون فوراً في التطبيق العملي لبرنامجكم الاصلاحي بالبلاد أم أنكم في هذه المرحلة مهامكم تنظيمية استقطابية فقط؟ سنحاول في هذه المرحلة صياغة برنامج التغيير، وأن نعمل بصدق وصبر على صياغته على نحو يسد الفجوة بين القوى المكونة لهذا التحالف ويقرب وجهات النظر بحيث يمثل برنامج التحالف استراتيجية وطنية لحكم السودان في المستقبل. وما هي الخارطة التي رسمتموها لإنزال هذه الاستراتيجية مجتمعياً وسياسياً؟ نحن نريد أن نوحد المجتمع من تحت من القاعدة العريضة وليس القمة فقط، لا نريد أن يكون التحالف مجرد توافق بين القيادات أو مجرد تنسيق بين الأجهزة، وانما نريد أن يتوحد المجتمع بكل قواه. إذاً فالمفردة الاجتماعية حاضرة في خطابكم الجديد؟ نريد الانطلاق من برنامج يحقق الأهداف الاجتماعية والمصالح الحقيقية للمواطن السوداني، فالبُعد الاجتماعي للبرنامج هو القاعدة الأساسية ولا يقل أهمية عن البُعد السياسي الذي كانت تركز عليه الائتلافات السابقة وتهمل قضايا العدالة الاجتماعية. وما أدرانا أن تذهب شعاراتكم البراقة أدراج الرياح عند أول محك حقيقي يقابلها؟ المسألة ليست مجرد وعود انتخابية أو شعارات كاذبة وبراقة، فهذه ليست مطروحة الآن، وانما نبغي التغيير ما استطعنا وبناء الوطن والمواطن، وانماء روح السياسة العدلية التي نتبناها ونصونها ونوجهها نحو الواقع القائم، فنحن بحاجة إلى درجة من المصداقية والجدية للالتزام بما نقول. إذاً ما هي الضمانات التي تقدمونها بأن تحالفكم هذا لن تصيبه حمى الاستهلاك السياسي؟ معظم القوى المكونة للتحالف لم تلهث نحو السلطة في السنوات الفائتة، ولم يغرها المؤتمر الوطني ولم يرهبها، وهي تتمتع بقدر كبير من الالتزام الأخلاقي والبصيرة السياسية، ولكنني لا أستطيع تقديم ضمانات خالصة بنسبة مائة بالمائة أن الأغراض السياسية لن تخترق هذا التحالف، ولكن نسبة المناعة في جسمنا عالية وقدرتنا على مقاومة العدوى ربما تكون أقوى، فنحن متفائلون بأننا سنأتي بما لم يأت به الأوائل، ونسأل الله التوفيق. تحالفكم يجمع في جوفه المتناقضات السياسية والفكرية والاجتماعية بالبلاد كيف يحدث التوافق والتوازن المطلوب بينها وصولاً للهدف الأسمى؟ التآمر موجود في السياسة السودانية وغيرها، وكذلك الكيد السياسي، ونعلم جيداً أن هناك قوى تتربص بتحالفنا هذا وتحاول أن تعرقل مسيرته خاصة السلطة الحاكمة، فالحزب الحاكم مشهور بقدرته على تفكيك الأحزاب والتحالفات السياسية باستخدام سياسة «العصا والجزرة»، لكني واثق بأن القوى المكونة لهذا التحالف عصية على هذا الأسلوب الفاسد، فنحن لدينا القدرة على أن نوجه سهامنا تجاه الحزب الحاكم واختراقه من الداخل، والتعامل مع قوى الإصلاح الحية داخله باعتبارها رصيدًا داخل النظام الحاكم يعيننا علي التغيير. ما هي الآلية التي تتحركون بها في هذا الخضم الزاخر بالتوتر والترقب والأمل؟ نحن الآن نتحرك بوجه التوكل مع الحذر، ويجب أن لا تملأنا الهواجس من كيد وتربص الآخرين واجهاضهم لمشروعنا الحضاري والحيوي، وانما ننطلق بتفاؤل كبير وخطى ثابتة وواثقة وقوية نحو تحقيق أهدافنا وغاياتنا السامية. حزب العدالة الذي ترأسه أصلاً انقسم على نفسه منذ تكوينه الأول.. ما الأسباب؟ وهل كنتم قادريون على الوحدة والصمود؟ هناك عدة عوامل أدت لتفكك حزب العدالة الأول الى حزبين أحدهما برئاستي والآخر برئاسة الأستاذ المرحوم مكي بلايل، ولكن للمؤتمر الوطني كحزب حاكم مسؤوليته مباشرة في هذا التفكك، ومما يؤسف عليه أن الحزب الحاكم بينما عرض فكرة العدالة باعتبارها قيمة روحية وفكرية يجسدها حزبنا ولكنه فيما بعد تعامل مع عشرات الأحزاب التي تعمل من أجل العدالة من خلال العمل المسلح. بنظرك ما الذي أوصل البلاد إلى هذه المرحلة الخطيرة على الوطن والمواطن؟ لو تعاملت السلطة الحاكمة بوعي مع التحالفات والكيانات التي تتخذ من العدالة منطلق التغيير بالوسائل السلمية، لما كنا بحاجة إلى هذا السيل العارم من جبهات العدالة الجهوية والاقليات التي توقع الاتفاقات مع السلطة القائمة. أنت تحمِّل النظام الحاكم الآن مسؤولية تفكك حزب العدالة بل وإدخال مفهوم تحقيق عدالة السلاح.. فما الذي تريدونه بتحالفكم الجديد هذا من الحكومة حتى تكفِّر عن وزرها معكم بإفشال حزبكم العدالة؟ أطلب من النظام الحاكم التعامل بجدية ووطنية مع تحالف القوى الإسلامية الوطنية وإفساح الطريق أمامه ليقدم البديل الإسلامي والوطني المناسب بالسودان. وألّا يكرر معه تجربته المريرة مع حزب العدالة الأول. تحدثت عن التيارات الإسلامية داخل النظام الحاكم «المؤتمر الوطني» هل تقصد الحركات الإصلاحية عامة بالمؤتمر الوطني مثل مجموعة الحراك الإصلاحي والسائحون وغيرهم أم تقصد المبدأ الإصلاحي أياً كان؟ أقصد هؤلاء وغيرهم من القوى الإصلاحية داخل المؤتمر الوطني فهو لم يعد كياناً جامعاً كما كان من قبل وانما مجرد إطار عام تتصارع فيه كتل ذات مصالح متعارضة وتتحكم فيه مجموعة صغيرة ذات عقلية أمنية تسيطر على السلطة والمال والأمن وهي ذاتها تنقسم على نفسها بوتيرة متزايدة وبمعدل تصاعدي متسارع. وما هي مساعيكم في هذا الصدد وهل أثمرت أم أنها في طور التبلور؟ نحن نتحاور مع العديد من هذه الكتل والتيارات وحتماً سنلتقي مع الأكثر جدية والأكثر طهارة ووطنية ليكونوا جزءاً من هذا التحالف الإسلامي الوطني. هل يولد الإصلاح من رحم الخراب.. أنتم تريدون الإصلاح بعناصر متمردة ومختلفة مع تنظيماتها؟ المرحلة الحالية ترشح تحالفنا هذا ليكون المصب الذي تنتهي اليه كل روافد الإصلاح داخل المجتمع والأحزاب الوطنية والإسلامية وأنا واثق من ذلك، فكل الأحزاب، وكل العناصر الجادة بدأت تقترب من بعض لإنجاز المهمة الإصلاحية الوطنية التاريخية التي لا بد منها، وهي مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بالوطن وهي تحديات من تلقاء النظام القائم نفسه ومن صنعه ومخاطر من تلقاء الخارج. أأنتم وحدكم في هذا البلد الذين ستتصدون لهذه المخاطر التي تحيق بالوطن؟ تحالف القوى الإسلامية الوطنية هو المرشح الوحيد لطرح برنامج انقاذ الوطن، فهو يستوعب داخله كل المعاني والمباني والقيم والمفاهيم والتنظيمات والآليات التي تحقق ذلك. الصراع بدارفور كله قائم على أساس البحث عن العدل فهل يحقق السلاح عدلاً ومن المسؤول عن ذلك؟ الصراع السياسي في دارفور ارتبط بالترضيات السياسية والمنصبية السلطوية للقبائل هناك، من خلال الاستجابة لإشراك أبنائها بالسلطة من خلال توظيف القبائل لتلعب دورها في الصراع المسلح بين الحكومة والحركات المسلحة. المعضلة تكمن في أن حرب دارفور أصبحت مأكلة للحركات المسلحة فكل من يريد بوابة القصر فأقصر طريق هو البندقية للوصول للسلطة وهكذا لا تنتهي الدائرة الخبيثة؟ نفس النهج الذي انتهجته الحكومة انتهجته الحركات المسلحة لاسترضاء القبائل بما تجده من سلطة وثروة في اتفاقاتها مع الحكومة، فمعظم القبائل بدارفور تمد يدها للحركات المسلحة، ومن أجل السلاح ولا مخرج لنا إلا إذا استجمعنا قوى المجتمع لمواجهة الأخطار التي تأتينا من النظام القائم ومن الحركات المسلحة. وما هو الحل لهذه المشكلة الدائرية الأخطبوطية الأذرع؟ هذا لا يتم إلا من خلال التحالفات السياسية والاجتماعية العريضة التي يكون أساسها الدفاع عن الدين والوطن بالطرق السلمية وغيرها من الوسائل المتاحة وفقاً للمتطلبات الراهنة ولحجم ونوع الأخطار الماثلة أمامنا. هناك قوى تقليدية وبيوتات وزعامات سياسية معروفة ترى أن لها الصدارة بالبلاد اتجهت الآن للتحالف مع النظام الحاكم كيف ترونها وهل تؤثر عليكم؟ نحن مثلما ننفتح تجاه التيارات المستنيرة والجادة تجاه النظام الحاكم، فنحن أيضاً ننفتح بذات القدر والاهتمام تجاه التيارات الوطنية السودانية التي لها تاريخ سياسي واجتماعي وثقل شعبي بالبلاد، وفي نهاية المطاف فالتيارات ذات القيمة التي تنشد المستقبل المشرق للسودان، حتماً ستنحاز لهذا التحالف الاسلامي والوطني، أما المكوِّنات الطفيلية الأخرى التي تتجه نحو النظام الحاكم وتتملقه بالثنائيات المغرضة بينها وبينه لتأكل وتشرب فسوف تنتهي بانتهاء النظام الحاكم الآن وهي نهاية وشيكة بإذن الله ونصره. وماذا عن التحالف أو قل التفاوض مؤخراً بين حزبي السيدين محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الأصل والصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي؟ هذا التحالف بين قوى المعارضة وخاصة حزبي السيدين محمد عثمان الميرغني «الاتحادي الديمقراطي الأصل» وحزب «الأمة القومي» وبين النظام الحاكم «المؤتمر الوطني» تحالف لا قيمة له على أرض الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي السوداني، وكذلك لا مستقبل لهذا التحالف بين الحكومة والمعارضة الداخلية، لأن الثقة وحسن النية غير متوفرين بين الأطراف، ولا توجد رؤية أو إرادة مشتركة بين الحكومة والقوى السياسية التقليدية الاتحادي الأصل والأمة القومي لإحداث التغيير المنشود للبلاد والعباد. عفواً ولكن «المؤتمر الوطني» ما زال حاكماً وبمقدوره أن يتحالف مع زيد أو عبيد ممن تراهم أنت غير جديرين؟ هذه الأحزاب التقليدية بما فيها حزب المؤتمر الوطني «الحاكم» أصبحت جزءاً من الماضي البعيد فحسب وانقطعت عراها مع الواقع السوداني المعيش، وأصبحت لا تغني ولا تثمن من جوع، ومجرد مسميات براقة يغشى بريقها العيون ولا يغشى القلوب التي بالصدور. أخيراً ما الذي تريدونه بالضبط من الجميع كتحالف جامع؟ أدعو كل القوى المستنيرة والواعية داخل كل الكيانات السودانية والمجتمع السوداني للالتفاف حول فكرة تحالف القوى الإسلامية الوطنية «البديل».