قد يجهل الكثيرون معنى ومدلول كلمة خصخصة والتي انتشرت في عهد الإنقاذ القريب وأصبحت هذه الكلمة تأخذ حيزًا كبيرًا في الشد والجذب بين المستفيد والمتضرر من ما يخصخص، وهي من الأساليب الحديثة التي بدأت في المملكة المتحدة في الثمانينيات وتم تطبيقها في الدول النامية والمتقدمة وتعني سياسة نقل ملكية المنشآت العامة أو إدارتها من القطاع العام إلى الخاص وبمفهوم أوسع هي تنمية القطاع الخاص للقيام بدور فعال في تحريك النشاط الاقتصادي والخدمات والرقي بها وإبراز صورة أفضل، ومن أهدافها تقليل حجم ودور الدولة في إنتاج السلع وتقديم الخدمات وزيادة الكفاءة في المطروح وللخصخصة أهداف ومبررات كخفض الإنفاق الحكومي والصرف البذخي غير المنطقي تحت بنود ومسميات غير سليمة،، ولعلني في هذا المقال سأتناول ما قدم من نقاش وطرح مفيد في ورشة العمل التي أقامتها شعبة وكالات السفر والسياحة برعاية كريمة من رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني وتشريف واهتمام مباشر من الوزير محمد عبدالكريم الهد وزير السياحة في خصخصة أعمال الحج وتحويله من الإشراف الحكومي إلى القطاع الخاص أي وكالات السفر والسياحة وشركات الحج والعمرة، ولعلني أتفق مع الإخوة في أن هناك عدة إيجابيات منطقية في تلك الخصخصة كمشاركة القطاع الخاص في تقديم أفضل الخدمات وأميزها للحجاج، وقد ناقشت في مقال سابق وأوضحت أن معظم الدول الإسلامية تعتمد اعتمادًا كاملاً في خدمات الحج على شركات القطاع الخاص حيث اقتصر دور حكوماتها في الترتيبات الرقابية، وقد أوافق البعض أن هناك مخاوف ومحاذير في الضمانات الكافية من تلك الوكالات لمال الحاج كما ذكر الأخ هاشم هارون فإن الدولة تخشى طمع بعض ذوي النفوس الضعيفة من أصحاب تلك الوكالات والشركات لذلك كان يرى أنه من الضرورة توفير ضمانات قوية، وقد تحدث عن أن اختلاف بعض الوكالات والذي قد يقلل من تجويد الخدمة المطروحة ولا أعتقد أن ذلك يمثل حجر عثرة في خروج الدولة من أعمال الحج فيمكن للدولة القيام بزيادة الضوابط والضمانات وتوسيع ماعون المشاركة، بمعنى أوضح إن كانت كراسة التقديم لخدمات الحج تحتوي على بعض الشروط يمكن للدولة زيادتها وفرض الرقابة على تلك الشروط وبالتالي يتلاشى هاجس الخوف، وأعتقد أن وكالات السفر والسياحة هي نفس الوكالات التي ستشارك في تلك الخدمات بعد الخصخصة ولعل الجميع يعلم أن هناك حالات نادرة جدًا في سلبيات تلك الوكالات، وأكاد أجزم بأنها شبه معدومة الآن، فكل وكالة أصبحت تحرص على تقديم خدمة أفضل بتنافس شريف تجوِّد فيه الخدمات للفوز بالأفضلية في الأعوام التالية وتبتعد عن العقوبات التي تحرمها من ممارسة العمل لذا أرى أن الوكالات المؤهلة حددت لها مقايس ومقدرات مالية وإدارية وهي بلا شك مملوكة لبعض الجهات والأشخاص المعروفين بمقدراتهم المالية، إذًا لا داعي للخوف والقلق!!! وقد ناقشت الورشة محاور تلك الخطة وهي اعتماد «25%» من حصة السودان حج للخدمات الخاصة وذلك بضم قطاع المؤسسات إلى القطاع السياحي مع الاحتفاظ بخصوصية خدماته وتنوع برنامجها دون المساس بعدد كل مؤسسة مع مكونات القطاع وأحقيتهم باختيار ونوعية الخدمة المطلوبة من ممثلي تلك المؤسسات المفوضين وفقًا لتصنيفات الخدمة «أ ب _ج» وكذلك شملت الخطة تخصيص «20%» من حصة كل قطاع ولائي باعتبارها حصة مخصخصة تدار بوكالات لها مكاتب في الولايات المحددة وبجسم منفصل مكون من الإدارة الولائية للحج السياحة وفرعية شعبة الوكالات، كما اقترحت الخطة أن تبدأ خصخصة خدمات الحج تدريجيًا وذلك لضمان نجاح التجربة وتجويدها ،،، وشملت الخطة التشغيلية ألّا تزيد حصة الوكالة عن «650» حاجًا ولا تقل عن «45» من العام الأول لبدء الخصخصة وتقوم الدولة بدورها في التخطيط والرقابة والتقويم والإرشاد واعتماد تلك الوكالات وتقويم عملها ومراجعته سنويًا لتفادي أي أخطاء مستقبلية، واشترطت الخبرات السابقة لكل وكالة وبذلك نكون قد حققنا بعض المكاسب السياسية والاقتصادية في تطبيق سياسة الدولة في تخصيص الخدمات والنشاط التجاري والخدمي باعتبار أن هذه السياسة منهج إستراتيجي لا رجعة عنه، ويساعد ذلك في فتح باب ضريبي لزيادة واردات الدولة بعد اكتمال مشروع الخصخصة وسط منشآت خدمية خاصة ينطبق عليها قانون ضريبة أرباح الأعمال، أضف إلى ذلك تشغيل «200» وكالة بمعدل متوسط «5» موظفين لكل وكالة بمعدل «2000» سوداني لم يجد فرصة عمل متاحة له وبالتالي يساعد ذلك في إعاشة ألفين أسرة سودانية وكذلك تنشيط وتحريك السوق السوداني بدخول عدد مقدر للقطاع الخاص كما حدث في خصخصة العمرة، وليطمئن المواطن السوداني بأن خصخصة الحج لا تعني على الإطلاق زيادة في أسعاره بل يوسع المنافسة وبالتالي تحاول كل وكالة تقديم أفضل العروض بأقل تكلفة تضمن لهم الاستمرار والربحية رافعين شعار «قليل متصل خير من كثير منقطع»!! كل ما أتمناه وأنشده أن تحاول الدولة تفعيل ما قد عُرض في تلك الورشة وتوسيع دائرة الشورى والحوار والدراسة والتأني في إصدار قرار صائب يصب في مصلحه الحاج، نعم إن خصخصة الحج وخروج الدولة وإداراتها وهيئاتها قد لا يكون في مصلحة الكثيرين ولكن ليذهب الأشخاص والمسميات والمناصب المفتعلة من أجل راحة الحاج ولا ينسى هؤلاء أنها شعيرة ربانية لا بد أن نبتغي فيها الأجر والثواب لوجه الله ولا بد لأصحاب الوكالات من قبول التحدي والسعي الجاد لإثبات نجاح التجربة وقد لفت انتباهي المشاركة المحدودة لأصحاب الوكالات في تلك الورشة رغم عن أن محور اهتمام اتحاد أصحاب العمل كان من أجلهم، كما لاحظت الغياب التام للإخوة في الهيئة العامة للحج والعمرة والتي كنا نتمنى أن تقدم ورقه بشرح إيجابيات وسلبيات تلك الفكرة خاصة وأنها معنية بكثير مما طُرح، تبقى لنا أن نرسلها رسالة صدق وشفافية أن الحاج السوداني لو خُيِّر واستُفتي في ذلك لكان خيارهم خصخصة الحج وتحويله للقطاع الخاص وأنا أعلم أن كثيرًا من وكالات السفر والسياحة هذا العام الاستثنائي ستساهم في إظهار نجاح التجربة وقد وقفت بنفسي على ما تعده تلك الوكالات والمجموعات المتحدة من مفاجآت في الإعداد والترتيب والخدمات ويكفي أن جميع الوكالات التي خُصصت لها أعمال الحج الخاص هذا العام وهي «84» وكالة جاهزة الآن من جميع النواحي وأنها بدأت تسليم حجاجها جوازاتهم ومستلزماتهم الخاصة وبطاقات الأفواج وحددت لهم أزمنة السفر والعودة فلا بد أن نبارك تلك الفكرة ونشد من ساعد الذين يتولونها حرصًا منا على تحقيق المعنى الأسمى في خدمه عباد الرحمن .