استوقفتني يوم أمس الطرفة التي أوردها أخونا التاي «زنكلوني» في هذه الصحيفة.. والتي كانت تحكي أنه بينما كان السيد رئيس الجمهورية يؤدي واجب العزاء في أحد الأموات بإحدى القرى.. ولم يكن برنامج الفاتحة أصلاً واحداً من بروتوكولات الزيارة فقد دخل السيد الرئيس على صيوان «الفراش» ورفع الفاتحة وجلس للمجاملة.. وفي هذه الأثناء نشبت ضوضاء و«جلبة» و«جوطة».. وكانت هذه الضوضاء بسبب أن أحد المواطنين كان يصيح ويقول إنه لا بد أن يقابل الرئيس.. ويبدو أن المعنيين بحراسة الرئيس حاولوا إثناءه عن المقابلة.. ولكنه ظل «يكورك» ويقول إنه «ما عايز حاجة» فقط «أنا داير كارّو» عشان أعيش بيهو وليداتي.. يا جماعة عليكم الله تخلوني أقابل الرئيس أنا عايز كارّو بس.. يا جماعة أنا ما عايز أي حاجة غير الكارّو ... ويبدو أن الرئيس أشار للحرس ليتركوا الرجل يأتي إليه.. وسأله «يا زول أنت مالك داير شنو؟» والرجل لم يصدق أنه الآن بين يدي الرئيس بدمه ولحمه.. لهذا فقد رأى أن يرفع سقف مطالبه وقال بصوتٍ عالٍ مخاطباً الرئيس «يا ريس أنا داير دفّار عشان أعيش بيهو وليداتي».. وهنا علينا أن نتمعن في درجة رفع السقف المطلبي حسب الملابسات المحيطة. فالمعارضة مثلاً تظل ساكتة وصامتة وهادئة لا تتحرك إلاّ عندما تسمع بأن الحكومة عايزة تعمل «حاجة».. أي حاجة.. وبالطبع في الغالب يكون رد فعل المعارضة أنها «ترفض»... ثم بعد شوية تقول إنها سوف «تقاوم» ثم بعد شوية سوف «تشعل الثورة».. وإذا فكّرت الحكومة مجرد فكرة وأطلقت تصريحاً مجرد تصريح وقالت إنها تفكر وتتشاور بصوت مسموع في «توسيع» قاعدة المشاركة.. فإن المعارضة بعد أن تستعجل وتقول إنها «لن تشارك».. تأتي لتقول إنها يمكن أن تشارك بشرط أن تنال «المطايب».. والمطايب في شأن الاستيزار والمناصب السيادية.. مفهومة ومعروفة.. ويزيد سقف رفع المطالب بمقدار التقرب الذي تبديه الحكومة مع ناس المعارضة فإن أرسلت لهم الصف الثاني من حزب الحكومة طلبوا «الكارّو» .. وإن أرسلت لهم الصف الأول طلبوا «الدفّار».. إما إذا جاءهم «عمّهم» فلا بد أن يطلبوا «لاندكروزر» أو «باترول».. تماماً مثل صاحبنا الذي كان مطلبه الأساسي منصباً نحو الكارو وعندما أُعطي الفرصة لمقابلة الرئيس طلب الدفّار.. و لو كنت في مكان الحكومة لأرسلت الصف الثاني لتجميد سقف مطالب المعارضة في الكارّوهات و«بس». { كسرة بدأ البعض من زملائنا الصحفيين يتندرون ويتهكمون على قرار صادر عن مسؤول ولائي كبير فقط لأنه أصدر مرسوماً يقضي بدفع رسوم على «جوّالات الطلح» المستعمل لأغراض «حمام الساونا» الشعبية.. وربما كان الإخوة الزملاء يعتقدون أن المسألة «بسيطة» ولا ترقى إلى اعتبارها في خانة «المحروقات» التي تستحق رفع الدعم عنها مثلها مثل البنزين وربما أن بعضهم يرى بعض «الخجل» في الحديث عن موضوع «الدخّان» ويعتبره من الأمور المسكوت عنها. ونرى هنا ضرورة إيراد بعض الأرقام التي وردت في دراسة ميدانية تقول بأن زرايب بيع «الطلح والحطب والفحم» في ولاية الخرطوم وحدها يصل عددها إلى ألفين وثمانمائة وأربعون موقعاً منها ألف وثمانمائة في منطقة أم درمان وحدها.. وأن استهلاك المرأة السودانية لا يقل عن ثلاثة كيلوجرامات وزناً من حطب الطلح.. وأن الاستهلاك السنوي لا يقل عن مائة وخمسين كيلوجراماً للسيدة الواحدة في خمسين ساونا سنوياً.. وأن استهلاك سبعة ملايين سيدة تصل إلى واحد مليار وخمسين مليون كيلو جرام سنوياً.. وهذه تحتاج إلى خمسة ملايين ومائتين وخمسين ألف شجرة طلح يتم قطعها سنوياً للإيفاء بالتزامات واحتياجات هذه «الساونا» للسيدات السودانيات.. وهذا وحده يكفي لتصحير كل ولاية سنار خلال عشر سنوات إذا لم تقابله الهيئة القومية للغابات وولاية سنار ببرامج طموحة للاستزراع علماً بأن شجرة الطلح تحتاج إلى خمس سنوات حتى تصل درجة النضوج الابتدائي وعشرين عاماً لتكون قابلة للقطع إضافة إلى وجود قانون مسنود بقرار جمهوري يقضي بزراعة «10%» من كل مشروع زراعي مطري بأشجار الأكاشيا وعلى رأسها الطلح والهشاب.. ونقف مؤيدين للمسؤول الكبير في الولاية التي أصدرت قراراً بدفع رسوم على طلح «الساونا»..