المجلس الوطني.. والإنقاذ.. والحرب على الله ورسوله من المحال أن تنكر الإنقاذ.. أو ينكر المجلس الوطني أن الأصوات من داخل المجلس والإنقاذ.. ومن خارجهما قد ارتفعت.. وبينت وأوضحت.. أن الربا حرام.. لا يحل بحال.. وأن ربا الدولة هو أشد أنواع الربا حرمة.. وأن الحرب فيه على الله ورسوله أشد استعلانًا.. وأكثر وقاحة.. إن الربا لا يمكن أن يكون وسيلة لسد حاجيات الإنسان ولا لدفع ضروراته إلا في نطاق ضيق جدًا لا يتعدى التعامل الفردي المباشر. كأن يجوع إنسان، فرد أو أسرة، حتى يُشرف الجميع على الهلاك.. الهلاك الحقيقي.. وليس الهلاك الاعتباري أو الافتراضي أو من أي نوع إلا الموت الحقيقي.. عند ذلك يلجأ المضطر إلى شخص مراب قريب منه جداً كان يكون جاره والعياذ بالله أو أحد ذوي قرباه فيقترض من هؤلاء أو من أحدهما ما يسد به رمقه الساعة.. ولو كانا بعيدين أو أن الاقتراض يتم عبر إجراءات فإن الربا إذن لا يسعفه ولا يسد حاجته لأنه ربما مات قبل الوصول إلى المرابي أو قبل إكمال الإجراءات إذا كان ثمة إجراءات. إن الذي يسعفه حقيقة الآن وفي هذه الحالة هو السؤال «التسول» أن يتكفف الناس على قدر ما يسد حاجته.. والسؤال ذاته والتسول حرام إلا إذا كان لضرورة حقيقية وعلى قدر الضرورة بلا زيادة عليها بأي حال من الأحوال لأن السؤال في هذه الحالة يكون سببًا في أخذ مال الغير بغير وجه حق وهو أمر حرمته الشريعة ولم تحله إلا بطيب نفس من صاحبه. إذا تأملنا في هذا الذي أوردناه تبين أن ربا الدولة لا يسعف أحدًا.. ولا ينقذ حياة.. ولا يشفي مريضًا.. لأن الربا اصلاً لا يحل إلا إذا أشرف الجائع والمريض على الهلاك. والربا لا يحل للتجارة ولا للمسكن ولا لسداد الدين ولا لشراء الدابة. أما كونه لا يحل للتجارة فواضح، وأما للمسكن فلأنه يستعيض عنه بالأجرة وكذلك الدابة وأما المدين فإنه إذا لم يسدد دينه سُجن وفي السجن يطعمونه ويسقونه ويؤوونه.. ومات ابن سيرين وهو إمام في السجن لدين كان عليه فلم يقترض بربا ولا بغير ربا لسداد دينه. والضرورة إن وُجدت فتصح في حق من كان يعول فإذا سُجن العائل سقط الوجب عنه وتحول للمجتمع وللدولة ولأقرب الأقربين. فمن المحال أن يقال إن الربا يحل لواحد من هذه الأشياء. ومن هنا يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الاقتراض بالربا لأجل الاستثمار وبناء السدود ومشاريع الكهرباء لا يدخل فقط في باب المحرمات بل يدخل في باب الحرب على الله ورسوله والاستهزاء والاستخفاف بالأحكام الشرعية لأن هذه النشاطات ليست لطلب المعاش وإنما لطلب الرفاه والرفاه ليس ضرورة شرعية تبيح الربا.. ولا يحق لمجموعة صغيرة وغير متجانسة ولا تنطبق على أفرادها شروط الاجتهاد مثل الإخوة أعضاء المجلس الوطني. لا يحق لهم أن يُفتوا في قضية الربا بحال من الأحوال. وفي هذا المجال جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي صفحة 1722ج5 ما نصّه: «وأما المسألة الثابتة وهي حكم الربا في وقتنا هذا فإنها ليست قضية مبدأ وإنما هي قضية تطبيق وهي فوق ذلك فيما أرى من الشؤون التي يفضي فيها فرد أو بضعة أفراد بل ينبغي أن يتداعى لها طوائف من الخبراء في القانون والسياسة والاقتصاد.. من كل جانب وأن يدرسوها دراسة دقيقة مستفيضة من جميع نواحيها الحاضرة والمستقبلية، وكل ما أريد أن أقول يتلخص في جملتين أرجو أن تُتخذا أساساً للبحث في التفاصيل. الأولي هي أن الإسلام وضع في جانب كل قانون قانونًا أعلى يقوم على الضرورة التي تبيح كل محظور «وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه» الأنعام 119 الثانية أنه لأجل أن يكون تطبيق قانون الضرورة على مسألةٍ ما تطبيقًا مشروعًا لا يكفي أن يكون المرء عالمًا بقواعد الشريعة بل يجب أن يكون له من الورع والتقوى ما يحجزه عن التوسع أو عن التسرع في تطبيق الرخصة في غير موضعها بل يجب أن يبدأ باستنفاد كل الحلول الممكنة المشروعة في الإسلام فإنه إن فعل ذلك عسى ألا يجد حاجة للترخص ولا للاستثناء كما هو سنة الله في أهل العزائم من المؤمنين. «ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب». وهذا القول والحمد لله يجمع أطراف المسألة ولا يدع فيها زيادة لمستزيد فالاجتهاد ليس هملاً بلا ضابط ولا يقبل اجتهاد كل مجتهد إلا بضوابطه، والضرورة ليست هملاً.. وليس كل ضرورة مبيحة للترخص لا في الربا ولا في غيره. والربا إن صح أنه رخصة.. فهو الرخصة الوحيدة التي أعلن الله عليها الحرب منه ومن رسوله صلى الله عليه وسلم.. وقد عاقب الله سبحانه وتعالى المرابي خمس عقوبات. الأولى التخبط: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس». الثانية: الحرب من الله ورسوله: «فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله». الثالثة: الكفر «يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم» ياايها الذين آمنوا اتقو الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين». الرابعة الخلود في النار: «وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» والخامسة المحق «يمحق الله الربا ويُربي الصدقات» وهي قاعدة شرعية وناموس كوني وهو معاملة العاصي بخلاف المقصود من المعصية ففي الحكم الشرعي يحرم القاتل من ميراث المقتول إن كان من وراثه.. وفي الناموس يسلط الله المحق على المرابي فيتلف أمواله وينزع منها البركة.. وفي الحديث «الربا وإن كثر فإلى قل» وهو أمرٌ واضح وشاهد في سد مروي الذي شيد بمال الربا من دولة إسلامية، وكانت الدولة تبني عليه آمالاً عراضًا في السياسة وفي الاقتصاد وفي رفاه المواطن وأول مظاهر الفشل هو أن الله حرم الذين قاموا بالاقتراض لبناء السد من تحقيق مقصودهم فالسد لا يزال يقوم من فشل ويقع في فشل، فقطوعات الكهرباء لا تكاد تتوقف وعمت مدنًا كثيرة.. وكانوا يظنون أن السد سيجعل السودان سلة غذاء العالم فلم يجعله إلا موضعا لشماتة الشامتين من قبائل اليسار وكانوا يظنونه ردًا على المحكمة الجنائية وهو ظن جاء من قلة التوفيق فكيف يرد على المحكمة الجنائية بمشروع ربوي لم تقم الحاجة ولا الضرورة له. وحتى هذه اللحظة فيما أظن لا يستطيعون أن يحددوا أسباب ضعف التوليد.. وأما المقصود الاجتماعي فحدِّث عنه ولا حرج إن التناحر والتفكك القبلي الذي انتجه السد لم يشهد أهل المنطقة له مثيلاً من قبل.. وأنه لمن المؤسف والمحزن والمسيء إلى قلب السودان النابض أن تتعرض إحدى أعظم وأكرم وأشرف قبائله للسياسة التي تتبعها إدارة السدود والتي تضعها تبعيتها لرئاسة الجمهورية فوق المساءلة القانونية وفوق الحساب وإلا فبالله لماذا لا يفتح ملف السد من بدء التصديق بالقرض الربوي إلى خطوات التخطيط والتنفيذ والفشل بعد الفشل والكارثة بعد الكارثة التي لم تأتِ بسبب قلة خبرة المسؤولين ولكنها جاءت في المقام الأول بسبب أن القرض قرض ربوي يحاربون به الله ورسوله والله آذنهم بالحرب من قبل وهو قاهر الجبّارين وقوي المستكبرين.. إن المجلس الوطني.. والإنقاذ.. والحركة الإسلامية التي تتحمل الوزر الأكبر من كل أخطاء الإنقاذ.. كل هؤلاء يعرفون الربا في الاستثمار وهم عالمون بحرمته.. ومن كره برئ.. ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع... ولا حول ولا قوة إلا بالله.