إنّ ما يميز حديث السيد رئيس الجمهورية، هو طريقته التلقائية والعفوية في الكلام، مما يجعل كلماته تعبّر تماماً عمّا يجيش بخاطره وفكره، فهو لا يتكلّف ولا يلوك الكلام، ولا يتقيد كثيراً بالفصحى أو العامية، بل يعبر عن نفسه وأفكاره بطريقة مباشرة وتلقائية كيفما أتفق. وقديماً قيل المرء مطوي تحت لسانه، فتحدثوا تُعرفوا، والمعرفة المقصودة هنا لا تعني معرفة الشخص نفسه، وإنما معرفة أفكاره وربما مشاعره وخلجاته تجاه الناس والأمور عموماً. ولذلك فإن ما يدلي به السيد الرئيس عند مخاطبته لأجهزة الإعلام والصحافة، يكون له وقع خاص، واضعين في الاعتبار مقولة الرئيس البشير: «الناس على دين إعلامهم». فقد تحدث سيادته عن شمال كردفان ومطالبها، في المؤتمر الصحفي الذي عقد أخيراً، بطريقة أقل ما يقال عنها أنها لم تكن متوقعة من سيادته، لأنه رئيس لكل جمهورية السودان! وشمال كردفان كغيرها من ولايات السودان لها مطالب صارت معلومة، وهي تعد من مقومات الحياة، وتتمثل في الماء والصحة والتعليم، وطريق واحد يشق فيافي الولاية وقراها من أم درمان ثم جبرة الشيخ فبارا والأبيض. سيدي الرئيس، مع تقديرنا التام للظرف الاقتصادي الحرج الذي تمر به البلاد، أرجو أن تسمح لي بأن أضع بين يدي سيادتك بعض المعلومات الأساسية عن هذه الولاية، مع أنها لا تغيب عنك حتماً: أولها أن شمال كردفان هي الولاية الثالثة من حيث التعداد السكاني، وبها من الموارد الطبيعية التي إذا ما استغلت، لما احتاج السيد علي محمود وزير المالية، لرفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع الضرورية. فشمال كردفان فيها الضأن وفيها أم بوح، والشنق العواتي النوق، وفيها معيز وفيها الصيد، والقمري الدباس أبو طوق، فيها البور والسرايا، وفيها سواقي، وليمون بارا، ومانجو أبو جبيهة، وجوافة السميح والرهد، وفيها الطماطم والبصل، والكركدي والصمغ العربي «ومن الحقائق المعلومة أن شمال كردفان هي التي سددت تكلفة إنشاء خزان الروصيرص عن طريق تصدير الصمغ العربي إلى الشركات البريطانية، وقد ثبت ذلك من وثائق وزارة المالية الاتحادية»، وفيها الفول السوداني وحب البطيخ والسمسم، والدخن والماريق واللوبيا، وفيها الهشاب والطلح واللالوب، وفيها الرمال والسيس، وفيها جبال وفيها سهول، وفيها الحديد والذهب والسيليكون والملح والعطرون، وفيها حوض بارا الجوفي، والحوض النوبي، وفيها الترعة والميعة، والعاديك والبشيري وأم بادر، وفيها سدود، وشنو الما فيها بس قول لي؟ وباختصار شديد فإنّ شمال كردفان يمكن أن تكون سلة غذاء السودان إذا وجدت من يسخّر قدرات أهلها وإمكاناتها. وشمال كردفان فيها شيكان والتيارة، وإسماعيل الولي، وفيها دليل وود أب صفية، وفيها خرسي والزريبة، والمنارة، وأم سعدون الشريف، ودار الفكي الناير في أم بعاشيم، ورهد الدبيب، وأم حصحاص، وفيها رجال زهاد يقومون الليل، فيها برّام والنور أب علي، وبريمة الرغوم، وفيها أبّا عيسى، وعيال طه، وفيها رجال الحارّة، وركازة الغريب والضيف، ونجدة الملهوف ولحاقين بعيد وقريب، وفيها نايرات الخدود والوجن، نُجل العيون الغيد، حلاتهن بنات بلدي. فيها فارس المهدية أمبدة ود سيماوي، والياس باشا، والمنا أبو البتول، وشيخ العرب ود التوم، وحلاّل العقد شيخنا ود زاكي الدين، وفيها أبو قدم فارس المغارات السلاحن رزّا، وفيها حكيم العرب ود سهل، وعبدو عمر قش المفاوض البارع، وفيها الخليفة ود آدم البيتو باقي تكية، وفيها ود الإعيسر، ضبّاح الجَزر السُمان لي ضيفو، وفيها البرعي رباي اليتامى الهملوهم مية، فيها الدواليب والنعمة ود سوركتي، فيها كاجا وفيها كتول، منوه الما فيها بس قول لي؟ سيدي الرئيس، نحن لم نخنق أحمد هارون، لأننا نحترم قادتنا ونوقّرهم، بل وضعنا أمامه قائمة بطلبات متواضعة ومشروعة، بعضها يعد وعداً قطعته أنت على نفسك وهو مستشفى الأبيض المرجعي، ونحمد الله أن خطوات عملية قد اتخذت لإنجازه ونتمنى أن يصبح حقيقة ماثلة للعيان. وبعض هذه الطلبات تعهد به الأستاذ علي عثمان طه، النائب الأول لرئيس الجمهورية، ونعني بذلك تحديداً المدارس وإصحاح البيئة التعليمية المتردية، والتخلص من مدارس «القش»! كما تحدث كثير من قادة الحزب الحاكم عن «طي الرِشا» وتوفير مياه الشرب لحاضرة الولاية «أب قبة فحل الديوم» أي الأبيض، هذه المدينة التي ظلّ ساكنوها يشربون كدراً وطيناً، لعقود متعاقبة دون حل جذري لمشكلتهم، بينما تنعم بعض قرى البلاد بماء زلال، فهل يا ترى حلال ذلك على جميع خلق الله من أهل السودان وحرام على أهل الأبيض؟ أما طريق «أم درمان جبرة بارا» فهو ليس مما يُمتن به على أهل شمال كردفان، بل هو طريق قومي يجب أن يكون أولوية قبل جسر العكد وأم الطيور، لأنه يخدم أغراضاً اقتصادية من شأنها أن تخرج البلاد من عنق الزجاجة الذي تمر به حالياً. علاوة على هذا، فقد أصبح الطريق المذكور ضرورة أمنية تحمي العاصمة المثلثة في حال تعرض طريق الأبيض كوستي لأي اعتداء، مثلما حدث عند دخول المتمردين من الجبهة الثورية إلى الرهد وأم روابة. سيدي الرئيس، إن شمال كردفان هي سودان مصغر بل إفريقيا مصغرة يوجد بها مجتمع متجانس، يتعارف أهله ويتعايشون دون مشكلات بينهم، ولم يتمرد منهم أحد، مثلما فعل غيرهم، في كثير من بقاع السودان، ونالوا حقوقهم وزيادة، بينما لم يحمل أهل هذه الولاية الصابرة ولا حتى «عكاز» في وجه الدولة، ناهيك عن السلاح، بل صوتوا لك ولمرشحي حزبك بالكامل في آخر انتخابات، أفلا يستحقون أن تقدم لهم الإنقاذ بعضاً من هذه المطالب المتواضعة التي يأتي في مقدمتها ماء الشرب والصحة والتعليم، وكل تلك حقوق مكفولة دستورياً لكل مواطنيك من أهل السودان.