أعتقد أن أدق توصيف للحل النظري المتعلق بمعالجة التأرجح الاقتصادي الذي يتلاعب بميزان النمو في قيمة استقرار الجنيه السوداني، هو ذلك الحل الذي فهمته من حديث الأستاذ ربيع يوسف الامين العام لمشروع التعاونيات وتشغيل الخريجين بولاية القضارف، فهو أي الأستاذ ربيع يوسف يلخص الفكرة حول إطار توسيع مظلة مشروع التعاونيات داخل الأحياء السكنية والتجمعات الريفية المتنقلة بحيث يتم استيعاب الجميع داخل حيازات أسرية منفصلة عن بعضها البعض بحيث تحوي كل حيازة بداخلها عددًا من الأشخاص يتشاركون في صناعة واحدة من المشروعات المنتجة سواء كانت مزارع أبقارًا أو دواجن أو مشاغل حياكة أو مصانع أجبان.. إلخ يكون رأس المال فيها بالتساوي دون زيادة أو نقصان في مساهمة فرد من أفرادها ... ولأنني لا أحسن امتياز العلاقة بالاقتصاد ولا تربطني الصلة من قريب أو بعيد بأبجديات النمو والتطور الاقتصادي للدول، إلا أنني شعرت بالارتياح الطاغي لمعالجة الأستاذ ربيع يوسف لمشكلة الاقتصاد وقرأت تحت سطور الفكرة الكثير من معطيات الحلول العملية التي حاول شرحها بكل ما أُوتي من بلاغة الإيضاح، ورأيت من الواجب أن يتشاركها الجميع، بحسبان أن لا معالجة تلوح في الأفق دون تفاعل كل شرائح المجتمع وانصهارهم في بوتقة المسؤولية والقيام بما يجب أن يقوموا به في مثل هذه الظروف الحرجة التي تتطلب تضافر الجهود، خاصة أن سياسة التحرر الاقتصادي التي تفتقر لأدوات المصادر المالية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها لا تتناسب وطبيعة الاقتصاديات الناشئة ولا تتواءم مع متطلبات الأنظمة. وللخروج من عنق الزجاجة في حالة خاصة ومستعصية مثل الحالة السودانية كما يؤكد ربيع يوسف، لا بد من النظر بعين الاعتبار لمبادرة التعاونيات وتطبيقها بالكيفية التي تحارب جيوش البطالة وتوظف مقدرات الشباب نحو الإعمار والتنمية الاقتصادية، ففي كل العالم يتعلم الطلاب ليتخرجوا بكفاءة تمكِّنهم من إدارة مشروعاتهم الاقتصادية الخاصة، عدا السودان الكل يتعلم من أجل إيجاد موطئ قدم بين لفيف الجيوش المترامية الأطراف من الموظفين والعمال الذين يشكلون وصمة عار على جبين الخدمة المدنية بما يقدمون من نموذج في الاتكالية وحداثة في التسيب المهني قلما يناظرهما نظير حتى في أفشل الدول التي بالكاد تناضل من أجل البقاء، فالمفاهيم الشبابية المغلوطة الناهضة على خلفية الاعتماد والاعتماد الأساسي على ما تجود به السلطة من وظائف حكومية هي من أكبر العقبات التي تجابه عافية الاقتصاد السوداني، فالسلطات التوجيهية مطالبة بتدريس الطلاب وتلقينهم منذ المراحل التعليمية المبكرة أن مسألة التعويل على الوظائف الحكومية عملية عقيمة وغير مجدية ومحفوفة بخطر عدم الضمان، لذلك الأجدر بالجميع التفكير الجاد في البدائل التي تتناسب وطموحاتهم في الحياة... وبغض النظر عن درجة الصواب أو الخطأ في حيز الفكرة النيرة التي طرحها الأستاذ ربيع يوسف وشرع في تطبيقها مع بعض الخريجين بولاية القضارف، يبقى المهم ما لم يتحول المجتمع بأسره من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع إنتاجي يساهم بالقدر الوفير في إعالة نفسه بنفسه لن يستطيع اقتصادنا أن يخرج من وهدة التقهقر ويسمو على مرارة الانتكاسات التي دأبت أن تلاحقه كلما عصفت به أنواء الاستهداف، فالمستقبل لاقتصاديات الدول الفقيرة يكمن في فكرة التعاونيات التي يجب على الجهات ذات الشأن أن تعمل على تطويرها وترقيتها حتى تحوز على درجة النجاح المأمول... وآخر قولي كما قلت في الأول إنني لا أفقه الكثير أو القليل عن طرائق النمو أو التضخم الاقتصادي لكن وجدتني أتفهم الأستاذ ربيع يوسف في الكثير من النقاط الحيوية التي تحمل ثقافة المجتمع وذر العبء الذي يعاني منه اقتصادنا، نحن على حسب رؤيته نتلقى التعليم الجامعي على نفقة الدولة لا لكي نصب عصارة تجربة التعليم فيما يعود ريعه علينا بالفائدة الاقتصادية الجزيلة، لكن نتعلم حتى نرهق كاهل الاقتصاد بفرضية الوظائف وملحمة التسكين على هيكل التوظيف دون مراعاة لضيق الفرص ونفاد حاجتها في ظل الفائض من الموظفين الذين ينطبق عليهم وصف المتسولين لعطف الدولة لأن ما يجنون من مرتبات مالية يفوق ما يقدمون من جهد نظير أتعابهم... وفكرة الأستاذ ربيع يوسف فكرة جديرة بالتأمل.