منذ أن دفعت مجموعة الإصلاحيين بمذكرتهم الشهيرة قبل أكثر من شهر وأفضت إلى فصل قادتها من المؤتمر الوطني وعلى رأسهم د. غازي صلاح الدين، تصاعدت وتيرة الحرب الإعلامية عبر مختلف المنابر، وكل قد نصب منصة للهجوم على الآخر بلغت درجة الاستفزاز حسب رأي كلا الطرفين، مع تجدد الهجمات المضادة مع شروق شمس كل يوم، وبالتالي اتسعت دائرة الخلاف وبلغت الأزمة مراحل متأخرة قد يصعب العودة بها إلى المربع الأول بحسب ما يراه مراقبون، وأكده عدد من أعضاء مجموعة الإصلاحيين على ذات الموقف. فقد ذكر د. غازي صلاح الدين في عدد من المواقع والمناسبات أنه لا يوجد لديهم أدنى تفكير في العودة إلى الحزب الحاكم ولا يرون في ذلك جدوى لهم أو للساحة السياسية. وكان اجتماع مجلس شورى الحركة الإسلامية الذي أنهى أعماله السبت الماضي، أقرَّ تشكيل لجنة خماسية برئاسة الأمين العام للحركة الزبير أحمد الحسن وفوضها بإجراء تفاوض مباشر مع مجموعة الإصلاحيين لعودتهم للحزب مع منحها كامل الصلاحيات في العمل لأجل عودة الإصلاحيين إلى المؤتمر الوطني، ويبدو أنها مبادرة تسعى من خلالها الحركة الإسلامية على وقف نزيف الانشقاقات التي باتت تهدد كيان الحركة، من جانبه علَّق غازي صلاح الدين في مدونة على حسابه في فيس بوك، ما تناولته الصحف حول ما جرى في مجلس شورى الحركة الإسلامية من حيث تأثيره على القرار بإنشاء حزب تياري شعبي يمثل السودانيين جميعاً. وقال إنهم غير مهتمين لما يتخذه المؤتمر الوطني من قرارات وإنهم ليسوا منشغلين بالصراع مع المؤتمر الوطني وإن قرارهم في هذا الشأن نهائي. وتأسَّف على أن الحركة الإسلامية باتت في قبضة الحكومة وتستغلها كأداة في تصفية حساباتها مع خصومها، وهو ذات الاتجاه الذي ذهب إليه أسامة توفيق أحد قيادات الإصلاح في تصريحات صحفية بوصفه خطوة تشكيل اللجنة لرأب الصدع بأنها تكتيك يقصد بها المؤتمر الوطني امتصاص غضب عضوية الحركة الإسلامية التي كانت ترفض قرارات التجميد، وقطع بأن العودة للوطني أصبحت شبه مستحيلة بعد أن قامت المجموعة بحرق مراكب العودة، غير أنه استدرك بقوله إذا أرادوا التفاكر والجلوس معنا عليهم أن يشرعوا في تنفيذ جميع المطالب التي حوتها المذكرة بما في ذلك تشكيل حكومة قومية تتحمل مسؤولية الانتخابات القادمة، ويبدو أن اللجنة التي كونتها الحركة الإسلامية ستواجه في بداية عملها مطبات ومتاريس يصعب عليها تخطيها من خلال ما أظهرته مجموعة الإصلاحيين من تشدد في المواقف والتمسك بتطبيق كل بنود المذكرة، واعتبر المحلل السياسي د. جمال رستم في حديثه ل «الإنتباهة» أمس أن الصراع بين مجموعة الإصلاحيين والمؤتمر الوطني وصل مرحلة يصعب الرجوع بها إلى المربع الأول، واصفاً تصريحات بعض منسوبي الوطني بالاستفزازية، وأضاف أن منع عضويْ المجموعة حسن رزق وسامية هباني من حضور شورى الحركة الإسلامية عقَّد من القضية، وصب مزيداً من الزيت على النار، ووصف الإجراء بالتعسفي الأمر الذي يقود في مقبل الأيام إلى رفع سقف المطالب وليس التراجع عنها أو حتى تنفيذ بعض من بنودها. واستبعد رستم احتمال قيام المؤتمر الوطني بشق صف المجموعة على غرار ما حدث لعدد من الأحزاب، مبيناً أن المجموعة قد خرجت من رحم الوطني وتعي جيداً ما تفكر به مجموعات الضغط داخله تجاه القيادات المناوئة، ويرى رستم أن اختلاف وجهات النظر بين قيادات الوطني حيال الإصلاحيين عقد كثيراً من الأمور للتعامل مع هذا الملف، في الوقت الذي وجدت فيه المجموعة تعاطفاً وتأييداً، مبيناً أن بنود المذكرة صادفت أشواق وأمنيات الكثيرين داخل وخارج المؤتمر الوطني، ولم تكن الإجراءات التي اتخذتها الحركة الإسلامية أخيراً بتكوين لجنة الوساطة لتمر دون أن تجد التعليق والتحليل من قبل كثير من المراقبين بين رافض ومؤيد، وقال د. عبد الرحمن أبو خريس أستاذ العلوم السياسية ل «الإنتباهة» أمس إن الحركة الإسلامية تمر بمأزق كبير بعد الانشقاق الأول الذي كان له تأثير بالغ على جسم الحركة الإسلامية بعكس الانشقاق الأخير الذي وصفه بالأقل تأثيراً لكونه يضم قيادات من الصف الثاني. وأشار الى أن تكوين لجنة الوساطة تحاول عبره الحركة الإسلامية البحث عن دور جديد، مؤكداً أن نجاحها سيفسح لها الطريق للقيام بمبادرات أخرى قد تقود لعودة الوطني والشعبي لصف الوحدة الذي لطالما ظل عصياً على كل المبادرات طوال فترة الانشقاق، ووصف الخطوة بأنها تمثل اختباراً وتحدياً حقيقياً، واعتبر أبو خريس رفض الإصلاحيين للوساطة يشير إلى عدم الإحساس بجدية الحركة الإسلامية، قاطعاً بعدم عودتهم للوطني، مبيناً أنهم أي الإصلاحيين توصلوا إلى قناعات باستحالة العمل داخل الوطني مرة أخرى. ولعل المواقف المتشددة وحرب التصريحات قادت إلى عدم إمكانية عودة الصفاء بين إخوان الأمس، إلا أن مراقبين لم يستبعدواعودة بعض منسوبي الإصلاحيين إلى بيت الطاعة لاعتبارات قالوا إنها تكمن في المصالح الشخصية والحفاظ عليها من الضياع في حال استمرار الابتعاد عن موقع تنفيذ القرار، واستندوا إلى كثير من النماذج في ذات الصدد. عليه يبقى القول إن مذكرة الإصلاحيين ألقت بحجرها في بحيرة الوطني وحركت سكوناً. ويبقى السؤال مفتوحاً بين إمكانية العودة إلى الصف الوطني عبر مراكب يصنعها بنفسه للإصلاحيين، أم أن الأخيرين قد أحرقوا مراكبهم الذاتية، وقطعوا سبيل العودة مرة أخرى إلى المؤتمر الوطني؟