هذه هي الحلقة السابعة من هذه الحلقات التي أُعقّبُ فيها على ما نُشر بصحيفة «الحرة» في حلقات ثلاث مع مساعد بشير السديرة الذي وصف نفسه بأنه أحد رموز ما يسمى بالسلفية الجهادية في السودان. التعقيب السادس: رمي السديرة للسلفيين بتهمة «الإرجاء»!! تقدم في الحلقات الماضية بيان جناية السديرة في ما نُشر عنه في حواره بصحيفة «الحرة» على ابن تيمية وعلى ابن باز، وعلى ثوابت في عقيدة أهل السنة والجماعة كالموقف من بيعة الحاكم، وبيعة المتغلب، والخروج على الحاكم الظالم، والسمع والطاعة، كما تقدّم قدحه وعيبه حتى في أناس يزكونه ويثنون عليه!! كأمثال الشيخ الأمين الحاج وغيره ممن خاطبتهم في حلقة كاملة لبيان موقفهم مما نشر السديرة، ولا يزال الانتظار!!! وفي هذه الحلقة أقف مع السديرة في رميه للسلفيين بالإرجاء.. فقد ورد في سؤال في صحيفة «الحرة»: * فيم تختلف مع السلفية التقليدية؟ فأجاب بقوله: «من السلفية التقليدية؟! أنصار السنة.. هذه جماعة مشلولة.. استوعبتهم جماعة الإخوان المسلمين ودخلتهم غواصات!».* مقاطعاً المحرر «لا من ناحية المنهج؟» فأجاب بقوله: «من ناحية المنهج هم أقرب للإرجاء.. وهم الآن بيعتبروا النظام القائم شرعي كما قال عارف الركابي حين أنكر على كرتي - وزير الخارجية - استدراكه على عمر البشير، وقال هذا لا يجوز وعده من باب الخروج على الإمام!! أين الإمام؟ أهو إمام؟ الأئمة هم الحركة الإسلامية..»أ.ه وقال في موضع آخر: «أنا قلت عبد الرحمن.. واحد من الناس.. عبد الرحمن حامد هذا واحد من أعلم الناس.. وهذه حقيقة لكنه عنده شبهات.. يعني عندو إرجاء.. ودي حقيقة ولّا ما حقيقة يسأل مجالسيه - ما يرى الخروج على الحكام» أ.ه. والسديرة يرمي السلفيين بهذه التهمة لأنهم لا يوافقونه في ما يدعو إليه من نزع اليد عن طاعة الحاكم، وإنكار بيعته، والدعوة للخروج عليه، وقد جاء في حواراته هذه دعوته للتفجير وتدمير السفارات وقد قال في سؤال عن حرق السفارة الألمانية في الخرطوم: «لو كان بيدي لأردت حرقها وحرق غيرها من السفارات»، فلمّا كان السلفيون يبينون الحق في هذه القضايا وغيرها بالأدلة الشرعية مستصحبين المقاصد الشرعية التي لأجلها جاءت التوجيهات النبوية، مع ضرب أمثلة من الواقع المعاصر والتاريخ الماضي لمحاولات الخروج على الحكام وما تبعها من فتن وسفك للدماء، فلمّا كان هذا وغيره مما يضيق به ذرعاً السديرة وأمثاله فإنهم يلجأون لرمي التهم والألقاب التي يبرأ أهل السنة منها، كما أن أهل السنة السلفيين يتحدون السديرة وأمثاله أن يثبت عليهم ما اتهمهم به زوراً وبهتاناً.. وهذا شأن أهل البدع في كل زمان، يرمون أهل الحق بالتهم.. يقول العلامة أبو الفضل عباس بن منصور السّكسكي المتوفى سنة 683 ه، في كتابه «البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان» في حديثه عن أهل السنة والجماعة، قال: «وقد سمتها كل فرقة من فرق الضلال باسم غير موافق للحق، حسداً منهم لها وافتراء عليها، ونسبوها إلى غير ما تعتقده، فسمتها القدرية مجبرة، وسمتها المرجئة الشّكاكية، وتسميها الرافضة ناصبة، وتسميها الجهمية مشبهة، وتسميها الأشعرية مجسمة، وتسميها الغالية حشوية، وتسميها الباطنية مُسْوَدّة، وتسميها المنصورية مرجئة...» إلى قوله: «وجميع ذلك غير صحيح في حقها بل هي الفرقة الهادية المهدية، واعتقادها هو الاعتقاد الصحيح والإيمان الصريح الذي نزل به القرآن ووردت به السنة وأجمع عليه علماء الأمة من أهل السنة والجماعة» أ.ه إذا كان لدى السديرة أدلة يدعم بها تهمته فليوردها، ولن يجد ذلك حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، فهو يردد تهمة تردد هنا وهناك للتشويش على أهل السنة السلفيين أهل الحق في ما يبينون في هذه الأمور التي لا يجد مخالفوهم ما يدفعون به وضوح معانيها وثبوت مبانيها، وقد سُئل الإمام الجليل عبد الله بن المبارك فيما أخرجه اسحق بن راهويه في «مسنده» عن شيبان بن فرهود قال: قلت لعبد الله بن المبارك، ما تقول في من يزني ويشرب الخمر؟! أمؤمن هو؟ قال ابن المبارك: لا أخرجه من الإيمان، فقال شيبان: على كِبَر السن صرت مرجئاً؟! قال ابن المبارك: يا أبا عبد الله إن المرجئة لا تقبلني، أنا أقول الإيمان يزيد والمرجئة لا تقول ذلك». وأخرج الخلال في «السنة» قال: قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد بن حنبل عن من قال: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: هذا برئ من الإرجاء». إن السديرة وغيره يعلمون أن السلفيين يقولون: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن أهل الإيمان يتفاوتون في ما بينهم، وقد قال العلامة البربهاري: «ومن قال الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره». إن وصف «الخارجي» ووصف «المرجئي» ووصف «السلفي» وغيرها.. من الأمور المعلومة الواضحة في كتب الفرق وكتب العقيدة، فلكل طائفة معتقد ومنهج تسير عليه، فلا يجدي السديرة وغيره قلب الحقائق، ورمي التهم ووصف السلفيين بالإرجاء «قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا» و«قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين». وليعلم أن بدعة الإرجاء من شر البدع التي ظهرت في الإسلام، قال الإمام الزهري: «ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء»..إن المرجئة تقول: لا يضر مع الإيمان ذنب، ويقولون: إن امتثال الأوامر الشرعية واجتناب النواهي الشرعية ليس من الإيمان في شيء.. وأن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وفعل سائر المعاصي لم يدخل النار أصلاً وأن من آمن بقلبه ولم يعمل فهو مؤمن حقاً، وأن الإيمان شيء واحد لا يتعدد لأنه التصديق بالقلب، وأن إيمان الفاسق والملائكة والأنبياء واحد لا تفاوت بينهم فيه!!! وغير ذلك مما تقوله هذه الطائفة التي ظهرت في الإسلام كردة فعل بعد فتنة الخوارج فهي بدعة مقابل بدعة، والحق وأهل السنة وسط بين غالٍ وجافٍ، فأين تجد عقيدة المرجئة في ما يعتقده السلفيون أيها السديرة؟! وقد عِشتَ زمناً داعية بين أهل التوحيد قبل مرحلة العزلة والتكفير التي كان بعدها انتقالك للتصوف واعتلاؤك سقف التوجيه والمناظرة عن عقائد الطريقة المكاشفية القادرية.. فتلك الفترة علمت فيها ما يدعو له السلفيون ونهيهم عن البدع والمعاصي والمنكرات، فأين تجد السبيل عقائد المرجئة إليهم؟!! وأما الموقف من الحكام والخروج عليهم وشروطه وضوابطه وقول السلفيين فيه، فلا يجديك إلا أن تورد أدلة وإجابات تدفع بها ما يقرره السلفيون في هذا الأمر.. وحجج السلفيين واضحة، وقد نشرتُ عقيدتهم في ذلك بهذه الصحيفة وغيرها، وناقشت بعض الكتاب في بداية ما سمي بالربيع العربي، وجاءت الأحداث تؤكد ما نقلناه عن أهل السنة والجماعة من لزوم الصبر على الحكام وعدم شق عصا الطاعة مع النصح وإصلاح الحال وصدق التوبة وأن التغيير لواقع الحكام يكون بنصحهم بالأساليب الشرعية مع تغيير واقع الشعوب وإقلاعهم عن الشرك والبدع واستقامتهم على الدين وتصحيح المعتقد.. وأواصل في الحلقة التالية إن شاء الله وهي الثامنة..