لا يزال المؤتمر الوطني منشغلاً طيلة الأسابيع القليلة الماضية وشغل معه الآخرين بمذكرة سياسية مثيرة للجدل والغبار أطلت برأسها في مرحلة مفصلية تعايشها بلادنا الآن أطلق عليها أصحابها «مذكرة الإصلاحيين» في محاولة لتصحيح المسارات السياسية والفكرية والاقتصادية وإعادة هيكلة الدولة، وبالقدر الذي يوقف نزيف الدولة السودانية والوصول إلى نهايات حاسمة لحالة الاحتقان والتشظي داخل أسوار المؤتمر الوطني.. والمذكرة يبدو أنها أفلحت في أن تُحدث حراكًا كثيفًا متعدد الجوانب راهن أصحابها على أنها لا محال ستُحدث انقلابًا أبيض في منهج إدارة الدولة والحزب على حد سواء غير أن الطرف الآخر من جماعة المؤتمر الوطني حاولوا نسف فكرة المذكرة والتقليل من شأنها بعد أن أزعجتهم وأثارت هواجسهم بل إن المذكرة أحدثت حالة من التداعي المخيف في الكيانات الثلاثة «الحكومة والمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية».. «الإنتباهة» حرصت على قراءة ورصد حالة التداعي هذه فجلست إلى الدكتور أمين حسن عمر أحد أبرز حراس المنظومة الفكرية والإسلامية التي تسند وترعى المؤتمر الوطني وتلعب دور المرجعية الأساسية للحزب وتتصدى لكل من يحاول أن يأتي بمنهج آخر خارج إجماع الحركة الإسلامية ومؤتمرها الوطني.. ولكن رغم الأسئلة الساخنة والمفخخة التي وجهناها له إلا أن الرجل أجاب عنها بمنطقه ومزاجه وأسلوبه الخاص... هذه هي الجرعة الثانية مع الدكتور أمين: دكتور أمين.. خصوم الحركة الإسلامية يعتقدون أنها أصبحت بلا أدوار وأنها لا تشكل مرجعية فكرية ولا حتى سياسية للحكومة؟ لا الحركة الإسلامية كتنظيم صحيح لا تفعل هذا، ولكن كأفراد قياديين بالمؤتمر الوطني يقومون بهذا الدور والشخص هو نفسه إن كان في الحكومة أو في الحركة الإسلامية فهو لا يتغير كالحرباء. إذن الحكومة الآن بلا مرجعية فكرية أو تنظيمية؟ هنالك شعور لدى قطاعات واسعة بالحركة الإسلامية أن حضور هذه الحركة وتأثيرها في الساحة السياسية والفكرية والاجتماعية أضعف مما هو متوقع، وأنا اتفق مع هذا الرأي. والخلاف الأخير ليس مع الحركة الإسلامية ولكنه خلاف على سياسة اتخذها المؤتمر الوطني تتعلق بالإصلاح الاقتصادي فأنا عندما قرأتُ ما يسمى بالمذكرة المفتوحة لم أجد فيها إصلاحاً. ويجب ألاّ نعتقد أن كل ما جاء من جماعة إصلاحية سيكون إصلاحاً. خروج الشارع والتفاف القوى السياسية ضد القرارات الاقتصادية ألا يسندها منطق ببطلان هذه السياسات؟ عن أي شارع تتحدث.. لم يخرج أي شارع، بالعكس ثبت أن الشارع لم يخرج، وحتى الأحزاب لم تخرج، بل خرجت مجموعات متآمرة وعصابات «مستأجَرة» وخرج مخربون. ولماذا خرجوا؟ هل كلهم مخربون؟ خرجوا لأنهم اعتقدوا أن هناك فرصة.. نحن لا ننكر أن هذه السياسات التي اتخذتها الحكومة قاسية وعلاج مر وأنها تسبب الاستياء حتى لمن اتخذها وليس لدينا مشكلة في أي احتجاجات سلمية. لكنكم لم تستجيبوا لهذا السلم؟ من قال لك إننا لم نستجب؟ نحن نعلم أن غالبية الشعب لم تعجبه هذه السياسة.. ولكني أنا قائد ومنتخب ومسؤول بأن اتخذ السياسة الصحيحة وهذه هي السياسة الصحيحة وليس من المنطق أن أظل أدعم السلع بمالٍ غير موجود ولا نريد أن نخدع الناس. أليس بالإمكان أفضل مما كان؟ نحن نظرنا في بدائل كثيرة واخترنا هذه السياسة رغم أنها صعبة ومرّة وغير شعبية ويا أخي من قال لك إن الحكومات «جاية فقط لتلبية رغبات القواعد» ومسؤولية القيادة أن تحكم بما يتاح لها من معلومات وخيارات ومن واجبها أيضاً تنوير القواعد وشرح السياسات وتوضيحها وقد بذلت جهوداً كبيرة في هذه القضية. ولكنكم لم تجدوا التفويض الكامل من الشعب السوداني لاتخاذ هذه السياسة؟ «بلهجة حادة».. مش بالضرورة يا أخي ومين قال لك إن أي سياسة لازم نعمل فيها استفتاء شعبي أنا منتخب وفي موقع مطلع فيه على الحقائق والمعلومات غير متاح للآخرين ويا أخي أنا منتخب ومفوض وإذا الأخطاء تراكمت بسبب هذه السياسات فعلى الشعب أن «يسقطني» وهذه هي الديمقراطية. ما هي الآلية التي أعطتكم هذا التفويض إن كان البرلمان نفسه معطَّل ولم يشارك في هذه السياسات؟ مين قال لك إن البرلمان لم يشارك.. يا أخي البرلمان صحيح كان غائباً لكن كل لجانه شاركت وباركت ووافقت على هذه السياسات وغالبية النواب يشكلون كتلتنا البرلمانية فكل ما يقال غير ذلك هو فقط للحجج. هل تعتقد أن مجموعة غازي أخطأت في نشر هذه المذكرة؟ هؤلاء قالوا إنه لم يكن قصدهم نشر المذكرة وثبت لي ذلك من خلال اتصالاتي معهم واقروا بهذا الخطأ. ظاهرة تعدد المذكرات والمبادرات والتيارات الإصلاحية داخل المؤتمر الوطني ألا تعني أن هناك أخطاء وأزمات تتطلب المعالجة الفورية؟ يا أخي أنا في الحركة الإسلامية منذ أربعين عاماً تقريباً وطيلة هذه الفترة ظللت أشهد حركة مذكرات.. ومذكرات ومبادرات فهذه طبيعة الحركة الإسلامية ولكن الجديد أن هذه المجموعة خرجت إلى الإعلام ليستنصروا به وأقول إن هذا دلالة على حيوية وتفاعل فكري وحالة صحية. ولكنها أيضاً قد تكون دلالة على ضيق مواعين الشورى؟ كيف يكون ذلك إذا كان متاح للناس أن يتحدثوا وإذا كان هنالك ضيق ما الذي يدعوني لكتابة مذكرة فمجرد كتابة مذكرة دلالة على أن هنالك من يعتد بها ويستجيب لها وليس الأمر محصورًا في المذكرات المكتوبة فأحياناً تطرح مثل هذه القضايا في الاجتماعات والندوات والمحاضرات ولذلك ليس هناك إغلاق للأبواب. وليس هناك دلالة على قوة هذه الحكومة مثل اتخاذها لهذه السياسة وهي تعلم أنها سياسة غير شعبية وعلاج مر والحكومة تواجه كل هذه التحديات ناس المعارضة قالوا لنا أديناكم مائة يوم وبعدها «بنسقطكم» وجينا في نهاية المائة يوم وأديناهم سبب إسقاطنا.. مجانين نحنا.. مجانين يعني ما عارفين.. يا أخي نحن عارفين كل شيء وأن هناك استياء ونعلم أننا سنخسر. هل يمكن أن يعود الإصلاحيين مرة أخرى لحضن الحزب؟ هذا وارد أنا لا أرى تناقضاً أو أن هناك قضية جوهرية لهؤلاء، ولكن أعتقد أن هنالك حالة احتقان في هذا الطرف وأيضاً في الطرف الآخر والزمن كفيل بإزالة هذا الاحتقان. ألا تعتقدون أن المؤتمر الوطني الآن في أشد الحاجة للإصلاح؟ «بلهجة حادة».. ما قلت لك يا أخي إن الرئيس البشير نفسه أكد أننا في حاجة إلى مبادرات وإصلاحات وتعديلات وهيكلة في أجهزة الدولة والقيادات وهناك قناعة بأن الذي ضاق صدره أصبح مثل الذي يغرق في حافة النهر. هل صحيح أن هناك مجموعات أخرى داخل المؤتمر الوطني تطالب بفصل الحزب من الدولة؟ فصل الحزب من الدولة كيف يعني هذا كلام غير دقيق.. يا أخي الحكومة حكومة الحزب إذا فشلت الحكومة فسيفشل الحزب هذا هو ادعاء المعارضة أن الحزب يعيش على الحكومة. ومن أين للمؤتمر الوطني الأموال والإمكانات الضخمة إن لم تدعمه الحكومة؟ طيب الأحزاب الأخرى عايشة كيف؟ يا أخي نحن عندنا خمسة ملايين عضو في الحركة الإسلامية بينهم آلاف من رجال الأعمال يا أخي نحن أيام «الجبهة الإسلامية» كنا عدد محدود جدًا وبقليل من رجال الأعمال مولنا الانتخابات في كل السودان، ولكن المؤتمر الوطني لديه الآن الآلاف من رجال الأعمال والمقتدرين. يعني تمويل الحزب من العضوية؟ ليس بالضرورة يا أخي الحركة الإسلامية لديها استثمارات داخل السودان وخارجه واشتراكات الأعضاء ليس لها أثر كبير ونحن كنا في الانتخابات قد أحضرنا رجال الأعمال وأعلنوا تمويلاتهم علنياً. ولكن هؤلاء رجال الأعمال واستثمارات أعضاء الحركة الإسلامية مسنودة بدعم وتسهيلات الحكومة دون غيرهم؟ «بلهجة حادة».. من قال لك قدم الدليل والبرهان على ذلك هذا ادعاء وأمر جنائي وهذا يعني أننا سرقنا أموال الحكومة هذا كلام فارغ ليس له قيمة وهل الأحزاب الأخرى عندما كانت في الحكومة كانت تموِّل نفسها بنفسها. ولماذا تستثمرون أموالكم بالخارج؟ لا.. أبدًا بالخارج وبالداخل وأنا أتحدث معك عن الحركة الإسلامية أيام كنا في الجبهة الإسلامية والاستثمارات بالخارج مهمة لنا جداً كحركة إسلامية لأنه يمكن أن تنقلب علينا الحكومة وتصادر أملاكنا، وكان قد حدث لنا هذا عشرات المرات. إذن لديكم الآن استثمارات خارجية باسم الحركة الإسلامية؟ هذا غير مطروح على الرأي العام الآن، وهذا شأن حزبي، لكني أعلم أنه توجد استثمارات وتمويل، والذي لديه شكوك فليذهب لمجلس الأحزاب ويطلب تقريرًا عن تمويل الأحزاب. ألا تخشون من تشكيل حزب للإصلاحيين؟ ليس هناك خطر على المؤتمر الوطني وأنا على قناعة بأن هذه المجموعة لن تشكل حزباً في الوقت القريب، ولو كان ذلك ممكناً لفعلها الترابي، يا أخي لأن الترابي في النهاية خرج من المؤتمر الوطني بنسبة «5%» من العضوية. الدكتور أمين أين برنامجكم الإسلامي الذي جئتم به في 1989؟ موجود ما نحن عليه الآن هو البرنامج الإسلامي ثم هل البرنامج الإسلامي وصفة كتبها طبيب فليأت أي شخص ويقول لنا هذه السياسة مخالفة للشريعة الإسلامية سنتركها. موجودة نظرياً فقط لكنها غائبة على المستوى التطبيقي؟ طبعاً أي فهم هو نظري والتطبيق كسب من ذلك وأنت شخصياً فهمك للإسلام «قدر الدنيا دي» وفهمك قدر كده «أشار إلى مقدمة أصبعه» وأنا مثلك ولذلك ليس بقدر الفكرة يكون السلوك هذا في شأن البشر كلهم إلا الأنبياء. إلى أي مدى أنتم راضون عن تطبيق الفكرة والمفاهيم الإسلامية؟ أنا مستعد للمحاسبة أمام الشعب، وأقول لك الآن ليس هناك شيء في البلد مطبق غير الشريعة الإسلامية ما حقيقة ما يُشاع عن فساد قيادات الحركة الإسلامية؟ هذا من باب الإرجاف يا أخي ده شيء طبيعي يمكن يكون فينا الصالح والطالح وأنا ليس لدي شك أن صفنا الحزبي أطهر من أي صف حزبي موجود في الساحة السياسية هذا ليس من باب التعصب، ولكن من باب النظر الواقعي وشاهدي في ذلك الشعب السوداني.. هذا طعن في ذمم الناس من أجل غرض سياسي وهذا هو لب الفساد، لأن الفساد هو اختفاء النزاهة. ولكن أليس من واجب الحكومة أن تعمل على درء الشبهات؟ أتحداك أن تذكر لي في تاريخ السودان أي حكومة أنشأت مراجعة عامة تقدم تقريراً سنوياً للبرلمان يا أخي الأحزاب مش حكمت خمس سنوات هل قدمت تقريراً أو قفلت حساباتها في أي سنة. ما هو الاعتراف الذي يمكن أن يعلنه أمين حسن عمر عن الفساد بالحركة الإسلامية؟ اعتراف في شنو.. ما لازم تكون في حاجة محددة أنا لا أنفي ولا أثبت.. الآن توجد العديد من القضايا في المحاكم يا أخي أذكر لي سابقة واحدة في تاريخ هذه الحكومات متى وقف وزير سابق أمام المحاكم أو ضابط حوكم وأعدم في غير فترة الإنقاذ. دكتور أمين لماذا لم تتفاوضوا مع الترابي لإعادة وحدة الحركة الإسلامية؟ الترابي قال ما عاوز حركة إسلامية وهو يريد حزب يدخل فيه كل السودانيين، وفكرته هي الإسلام هذه هي قناعته. هل هذه نقطة خلافكم الوحيد مع الترابي؟ لا.. ليست الأساسية ولكنها واحدة من نقاط الخلاف معه ولذلك تمت إعادة تنظيم الحركة الإسلامية بمجرد خروج الترابي. هنالك من يعتقدون أن المؤتمر الوطني تحكمه دائرة ضيقة ومغلقة؟ هذا غير صحيح نحن الحزب الوحيد الذي يجتمع بأجهزته ومكاتبه وقطاعاته، أما أن تكون هناك مجموعة متنفذة والأجهزة قبلت بذلك فهذا شأنها. ألا تخشون من المجموعة الإسلامية التي أعلنت عن نفسها مؤخرًا باسم الحركة الوطنية للتغيير؟ هذا نادٍ فكري.