يظل تناولنا لكثير من القضايا الواقعية التى نتحدث عنها بشفافية ووضوح هو الهدف الاساسى من رسالتنا القلمية، لذا اصرارنا ان يكون فى الواقع هو اسم لعمودى الثابت!!! ورغم اننا نواجه احيانًا بنقد لا منطقي من بعضهم زاعمين ان تناولنا لتلك القضايا بهذا الوضوح فيه جرح اجتماعى ويمس مشاعر الآخرين، ومهما يكن من امر الا اننا سنظل نكتب ونتحدث ونطرح الواقع الحقيقى لكثير من الوقائع والاحداث اليومية التى نشاهدنا وننكوى بنارها مهما كانت حرارتها!! نعم تحدثنا من قبل عن ظواهر سلبية وموجودة وبكثرة فى مجتمعنا اليومي وتكون معايشتنا لها لا مفر منها بالهروب لذا نطرحها للنقاش ونكشف المستور منها لعل فى ذلك وقاية وتحذيرًا، وانا اليوم بصدد طرح صورة متكررة نشاهدها ويشاهدها كل من اراد الترحال بشتى اغراضه من سياحة وعلاج ومهام اخرى ننتفع منها لدنيانا، فالشاهد انك فى بوابة المغادرة من بعض الدول العربية المعروفة بالتجارة كالامارات والسعودية وقطر وانت تودع من اتوا معك للمطار كعادتنا التى لا نتخلى عنها يقابلك بعض الشباب والشابات فى مقتبل العمر بصورة راتبة وهم يخاطبونك بصوت انكسارى وعاطفى يؤثر فينا كسوادنيين، «لوسمحت عندى الامانة دى لاخوى او اختى بقابلوك فى المطار محتاجين ليها ضرورى عشان الجامعة» ويمد لك بلا خجل كيسًا تفاجأ بان داخله اكثر من هاتف جوال من ما خف وزنه وغلى ثمنه!! تأخذه بدون تردد من باب المروءة واستجابة لذلك الانكسار والاحتيال الصوتى وكشهامة السودانيين المعهودة وثانيها عدم وجود عبء فى الحمل وآخرها انك تسعى لعمل الخير ورأفةً وعطفًا ويتكرر المشهد فى كل السفريات خاصة للذين يعشقون الترحال ولا انسى ان احدهم كرر نفسه وطرحه بنفس الطريقة لاحد الشفوت معتادى السفر ليقاطعه صاحبنا ويكمل عنه الطرح والشرح للاقناع حاتقولى «بقابلك اخوى او اختى فى المطار الخ» يا خى سيبك من القصة دى لانك كررتها لى فى سفرتى الفاتت قبل اسبوعين ورغم عن كده بشيلو ليك ومافى عوجة، مجمل القول ومغزى القصة ان احد الشباب راقت عنده تلك الفكرة فى ان يجعل الاحتيال معكوسًا فقرر ان يتكفل بجميع مصاريف رحلته الاسبوعية الى تلك الدولة الخليجية وبصورة منظمة ويجيد فيها التخمص فى الهندام الراقي ويجر الشنطة الماخمج ويدخل الصالة مجرد بدء ميزان العفش ليصطاد هؤلاء المتسكعين الحالمين بخداع المسافر يوحي لك بأدب جم ويبادلك السلام باللهجة السودانية «حبابك» وقد يسترسل معك احيانًا انت من وين وجنسك شنو وهكذا، وظل صاحبنا يقدم خدمات مجانية لكل من ارد ان يكلفه بحمل هاتف للخرطوم، ويتفنن فى بعض الاحيان ويطلب منك ان تفتح الكيس ليطمئن إلى ما تريد ان تؤمنه عليه فإن وجد جوالك غير فئة الجلكسى فور وفايف يعتذر لك بذوق ولطف عالٍ «معليش فى واحد ادانى وصية نفس ده وبعمل لي مشكلة في مطار الخرطوم» ويلملم صاحبنا فى كل رحلة كمية لا تقل عن عشرة او طاشر موبايل حديث بعد ان اعطى كرته المزيف وعنوانه ورقم هاتفه لهؤلاء الاغبياء!!! وما ان يصل مطار الخرطوم حتى يدخل لحمامات صالة الوصول وهو مجهز كل البدائل ويقوم فى لمحة بصر بتبديل ملابسه فى تلك الحمامات حتى لا يقابله اصحاب الوصايا والامانات بلهفة وشوق حسب الوصف والهندام ويطلع صاحبنا راسه مرفوع وجري لسوق الموبايلات وفى السفرة الواحدة يصفى ملايين ويعيد الكرة مرة ومرات ولكن هل يدوم ذلك فقد تسرب الامر وانتشر خاصة ان تجار تلك الطريقة يتعارفون ويتبادلون الأخبار والتفاصيل اليومية للمخارجات لبضائعهم!!! ودارت الايام والمرات وظل بطل قصتنا يتفنن فى تبديل الخطوط والجهات من اماراتية لخليجية لقطرية وسفره لدبى والبعدها لقطر وجدة وكله حرصًا منه حتى لا ينفضح الأمر وينكشف الغطاء عن ذلك الإجرام العكسي، وكما هو معلوم ان لكل بداية نهاية فأحد هؤلاء المستقبلين ينتمى لأحد الأجهزة الأمنية وتكرر لرسوله ما حدث وظلت شكوى اخيه المغترب تزداد ليقوم بمهارة يحسد عليها بمتابعة دقيقة لتفاصيل المجرم وطريقته فى تلك الخداع وما ان دخل مكررًا المشهد فى تبديل ملابسه حتى تفاجئه تلك العناصر الامنية وتلقي القبص عليه متلبسًا ويعترف ويقر بما ارتكبه وظل يكرره مع ضحاياه حتى تبين انه فى خلال شهرين جمع اكثر من خمسين موبايل لا يقل سعرها عن 70 مليونًا!!!! تبقى لنا ان نقول إن ما نشاهده بتلك المناظر القبيحة فى مطارات العالم لا يحدث الا فى الرحلات المتجهة الى الخرطوم وان الشباب الموجودين فى الانتظار بمداخل الصالات اعدادهم ظلت تتزايد يومًا بعد يوم وبصورة لافتة للنظر يشكلون عبئًا وتكليفًا سخيفًا للاسر والمسافرين دون ان نجد ان هناك اي مبرر لذلك فلا يمكن ان يظل الواحد منهم يقيم لسنوات بالخارج ووظيفته هي «برسل تلفونات» وليتكم شاهدتم معي معاناتهم في ذلك خاصة لانتظارهم الرحلات التى تبدأ اجراءات الوزن عندها فى الثانية فجرًا ويكون اقلاعها فى الخامسة!!! تخيل معى ان هذا هو دوام كثير من ابنائنا المغتربين المتعلمين الفاتحين اسرهم للخشوم فى انتظار عودتهم بسلام!!! لا اجد فيما نعايشه ونشاهده منطقًا ايًا كانت مبررات السعي وراء الرزق بهذه الطريقة غير المقبولة فى ارهاق كاهل المسافر وادخاله فى حرج كبير أضف الى ذلك المنظر غير الحضارى فى ملاحقة الركاب واقناعهم باحتيال لتوصيل تلك الهواتف، لذا نلفت الانتباه ونحذر ونناشدهم ان تختفى هذه الظاهرة والقانون والنظام وضح طرقًا واضحة المعالم فى الكسب الحلال والتجارة المشروعة وخير لنا ان نرضى بالقليل وان فرضت عليه جمارك افضل من ان نفقده بالطريقة التى برع فيها ذلك المجرم!!! ولا نريد بتلك المحاذير ان ننزع البركة والمروءة ولكن الكل يعلم بما جناه ذلك الشاب الشهم بعد أن حمل أمانات فى شكل حطب «طلح» ليجد نفسه محكومًا عليه بالإعدام بجدة دون ان يجنى اي ذنب!!! وحتى لا يتكرر المشهد ويكون ما قام به ذلك المحتال فيه ضرر لكثير من هؤلاء التجار المتراصين على كراسى الانتظار ليتحسروا على ما ضاع منهم بهذا الاحتيال العكسي. ...