حوار: روضة الحلاوي تصوير: متوكل البجاوي يعتبر عبد الله حسن أحمد من أكثر قيادات المؤتمر الشعبي توازناً ووسطية في موقفه المعارض الذي يختلف عن بقية قيادات حزبه بمن فيهم زعيمه د. الترابي، ولعل هذا ما دفع الناس إلى تصنيفه ضمن القيادات المعتدلة.. جلسنا إليه في هذا الحوار ليقرأ لنا اتجاهات ومواقف حزبه الحقيقية بعيداً عن الهجوم والشطط الذي يُبديه دائماً بقية قيادات الشعبي، هذا فضلاً عن أنه الشخصية الثانية بعد الترابي في حزب المؤتمر الشعبي، وقد طرحنا عليه حزمة من القضايا فجاءت إفاداته حول موقفهم من معارضة الحكومة مشيراً إلى أن التشدد جاء نتيجة لتمسك الحكومة وعدم جديتها في إحداث اتفاق وتحوُّل حقيقي ما جعل اليأس يدبُّ في أوصال المعارضة وتتجه للتمسك بإسقاط النظام.أما بخصوص مبادرة رأب الصدع التي أُطلقت بولاية نهر النيل لوحدة الإسلاميين فقد وصفها بأنها جاءت في غير وقتها وأن القائمين بأمرها طرحوها دون الرجوع للقيادة، وأرجع سبب فشلها إلى أنها قد تخطّت إطارها الولائي إلى إطار قومي.. وأشار عبد الله حسن أحمد في إفاداته إلى أن وجود د. الترابي على قمة حزبهم رغم كبر سنه يعود لطبيعة الشعب السوداني الذي يتمسك برمزية القيادات كما أكد أنه يؤيد استمرار القيادات التي تقدَّم بها العمر لخبراتها وطول تجربتها وأن الحزب دائماً تقوده الهياكل لا الأشخاص، واعترف بأن الإسلاميين قد أغرتهم السلطة وأفسدتهم وأخرجت معظمهم من المساجد للأسواق وانشغلوا بجمع المال عن الجانب الرسالي الذي كانوا يتبنونه مما جعل الفساد يستشري بينهم، ووصف تعيين الحاج آدم نائباً للرئيس بأنه اصطياد الوطني لعصفورين بحجر، غير أنه عاد وقال إن الحاج آدم قد استعجل في قبوله للمنصب لأسباب كشف عنها في طيات هذا الحوار.. يقال إن موقف الحزب تجاه أحداث جنوب كردفان والنيل الأزرق غير واضح.. بم تعلق؟ لا.. مواقفنا واضحة، وعند وصول وفد جنوب كردفان وأكد أن ما حدث في المنطقة هو اختراق أمني أصدرنا بياناً رفعنا شعار «لا» للقتال وقلنا إنه لا بد أن يوقف القتال مهما كانت الأسباب.. وقابل مندوبنا الرئيس مع مناديب الأحزاب وأوضح عدم رضانا عما حدث في جنوب كردفان وكذلك النيل الأزرق ونرى أن الحوار والحل السياسي هو الأنسب في هذه القضايا. وموقفكم من اتفاق أديس؟ الاتفاق الذي وقّعه نافع علي نافع مع الرئيس ملس زيناوي نحن كمعارضة نعتبره عملاً سياسيًا من الدرجة الأولى وكان يمكن أن يكون بداية لحل قضية النيل الأزرق.. الحكومة قبلت التفاوض مع الحركة في مستقبل السودان ككل ناهيك عن ولاية وتفاوضها معها أتى باتفاق نيفاشا الذي أتى بالسلام والذي أدى بدوره للانفصال.. في رأيي الحكومة قامت بعمل جيد هو نيفاشا التي أوقفت الحرب وأتت بالسلام بالرغم من مأخذنا على طريقة التنفيذ التي أفشلت احتمال الوحدة وغلّبت احتمال الانفصال، وهذا كان رأينا في حادثتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالتفاوض وإيقاف القتال وأقول إن الاتفاقية التي وقّعها نافع كانت ناجحة، ولكن للأسف الحزب الحاكم رفضها.. لذلك زيارة ملس زيناوي ودعوته جاءت متأخرة. العدل والمساواة؟ أي حركة مسلحة تشكل خطرًا، ونحن لا نحمل سلاحًا ولا نتعامل مع حركة مسلحة، ورأينا أن الحركات المسلحة أصبحت واقعًا، والحل بالتفاوض معها، فالحكومة توصلت لحلول مع حركة جون قرنق وبالإمكان أن تصل لحلول مع العدل والمساواة، والاتفاقية التي وُقِّعت في أبوجا مع مني أركو مناوي كان يمكن أن تشكل مدخلاً لحل القضية، ولكن نجد أن حاملي السلاح يرددون مقولة مني «أنا زي مساعد الحلة» فهو يقول إنه يجلس في القصر ولا «حلة» له، ولم ينفذ أي شيء من البنود الموجودة في اتفاق «أبوجا»، بمعنى أن وجوده داخل القصر شكلي ليس إلا، وبالتالي أصبح هذا التصرف مع مني أركو مناوي حُجة لبقية الحركات الأخرى أن لا تفاوض لأن أمامهم تجربة مناوي الذي فاوض ولم يجد شيئاً خاصة وأن مني هو الثائر الأول، لذلك كل الحركات أجمعت على أنه لا جدوى من التفاوض، وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة، ولو احترمت أبوجا، ولو أنها احترمت اتفاق أديس، كان سيكون مثالاً لاتفاق الحركات المسلحة ويغري الآخرين بأن ينضموا للتفاوض، ولكن ما حدث مع مناوي أصبح مضحكة لهم. هل تتوقع لحركة السيسي ذات المصير؟ الحركات «ما عندها شيء»، والمربط كله عند الحكومة، فإذا كانت هي جادة ونفذت ما اتفقت عليه مع السيسي سيكون لذلك مرده الطيب حتى على الحركات الأخرى التي لم توقِّع، ولكن إذا لم يتم التنفيذ أتوقع أن يذهب السيسي للغابة مرة أخرى مثل مناوي الذي رجع للغابة من جديد وتكون المحصلة لا مستقبل مع الحكومة في التفاوض سواء اتّحدت هذه الحركات أم لا، لذلك لابد من إسقاط النظام، وهذا ما سيتوصلون له، وهو ذات الشيء الذي توصلت إليه الأحزاب السياسية من قبل أو من البداية. هل تعني أن فرصة نجاح اتفاق الدوحة ضعيفة؟ الاتفاق الموقّع في الدوحة لديه فرصة نجاح بالرغم من أنه غير شامل وأن هناك حركات لم توقِّع عليه، لكن نجاحه يعتمد على جدية تنفيذ الحكومة له.. وعدم الجدية يمكن أن يكون سببًا رئيسًا «يطفش» السيسي نفسه، عندها ستقول باقي الحركات المسلحة إن موقفنا كان صحيحًا مائة بالمائة. أنتم تتحدثون عن الديمقراطية وحزبكم فاقد لها بدليل جلوس الترابي على قيادة الحزب لعشرات السنين؟ الشخص الذي تنتخبه منظمات الهيئة لا نقول له يكفيك دورة أو دورتين ولا تحديد لدينا، وثانياً القيادات التاريخية في السودان لها وزنها مثل شيخ القبيلة وشيخ الطريقة، وكذلك رئيس الحزب، ودائماً الرمزية نضعها أمامنا، فالختمية لا يعتقدون أن أي شخص يمكن أن يكون السيد محمد عثمان الميرغني، وكذلك في حزب الأمة، فالزعامة دائماً تكون في بيت الإمام المهدي ويخلفه أبناؤه، والديمقراطيون يقولون إن زعامتنا تكون عند الشخص الذي يعطي.. وأنا أقدِّر أن الترابي لن يأتي في دورة قادمة لأنه هو الذي سيرفض ذلك من تلقاء نفسه. ولكن بالأحزاب شباب لهم المقدرة على العطاء ولديهم أفكار جديدة.. بهذه الكيفية ستحدُّون من عطائهم والاستفادة منهم؟ الحزب ليس قيادة فقط، بل له أمانات وأعضاء هيئة قيادية ولديه بالولايات زعامات وقيادات شابة نمت، تحت الترابي قياديون بالمكتب السياسي وبالشؤون الخارجية ومساعدو أمناء ومساعدو نواب، ونحن أصغر من حسن الترابي وعشنا معه فترات سياسية مختلفة ولكن من المفترض أن نذهب نحن أيضاً وتأتي دماء جديدة، ولكن تجديد الدماء لا أعتقد أنه هو الهدف في حد ذاته، والتفكير يمكن أن يتجدَّد ويتطور مع الزمن، وفي نفس الوقت الخبرات وجودها مهم لأن للكبار التجربة والعقل الراجح فهم يقُون الحزب من التلُّفتات ومن القرارات غير مضمونة العواقب، ونحن في حزبنا لم نفكر أن نقوم كتنظيم مسلح لأن لدينا ثقافة في الحزب «ما في سلاح .. ما في سلاح.. ما في سلاح».. وهذه تحتاج لقيادات كبيرة وذات عقلانية، وأفراد الحزب عندنا دائماً يتعرضون للسجن والتعذيب والضرب، فلو لم تكن لديهم قيادات واعية ذات تجربة لاقترحوا حمل السلاح والقتال. د. الترابي يقول إن اليسار أقرب لنا من الوطني.. بم تعلق؟ في الحالة السياسية فقط، «مش» في الحالة الفكرية، فالحالة السياسية القائمة الآن نحن ضدها ونطالب بإسقاط النظام لأن النظام متمسك بالسلطة الفاسدة. الإسلاميون متهمون بأنهم تركوا برامج الحركة التربوية وخرجوا من المساجد ودخلوا السوق؟ هذا الحديث صحيح، ولكن العذر لهم لأنهم كانوا معارضة وليس لديهم سوق وأعمال، فقط كانت أمامهم المساجد، وفي الوقت الحالي انفتحت لهم أبواب كثيرة فتحت لهم أبواب النشاط التجاري والاقتصادي وحتى الحكم انفتح لهم، لذلك انشغلوا عن البرامج التربوية، وقد يكون جزء منهم مازال يمارسها، ولكن ليس بنفس الكثافة، لكن حتماً انشغلوا وما طرأ عليهم اعتبروه من باب المسؤوليات والحكم مسؤولية وأنت تحكم لا يمكن أن تقضي كل وقتك في المسجد، ولكن في السابق كان «الكيزان في المساجد» يقال إن الإسلاميين استلموا السلطة وغيّرت فيهم.. ما ردك؟ نعم.. هذه تهمة صحيحة، والسلطة بطبيعتها تستهوي الإنسان وتصرفه إلا من رحم ربي، والسلطة معها المال والجاه، والآن أصبح الإسلاميون يتحدثون عن العمارات والشركات والأرصدة في البنوك الخارجية، فهذه اتهامات قائمة، ولا أظن أنها أتت من فراغ، وللأسف هذا هو الحال. ما في دخان بدون نار؟ هناك دلائل قانونية وشرعية تدلل على ذلك، وليس شرطاً أن تسرق أو تزوِّر، ولكن استغلال السلطة للمصالح الخاصة. لأي حد استشرى الفساد وسط الإسلاميين؟ لحدٍّ ما، وذلك بسبب السلطة، ولو كان هناك نظام عادل إسلامي لطبَّق «من أين لك هذا»، فكل الإسلاميين أولاد مساكين أو أبناء مزارعين أتوا من الريف، وأولاد الخرطوم أبناء خفراء وتجار بسيطين، من أين لهم بالعمارات والسيارات الفارهة والأرصدة بأسماء «النسابة» و«الأقرباء»؟! فلابد أن يُحاسَبوا من أين لهم هذا، فهلاّ جلسوا في بيت أبيهم وأمهم ووجدوا ذلك؟ كنت أعمل مديراً لبنك فيصل، وعندما أصبحت وزيراً وتركت البنك وصل راتبي إلى خُمس ما أتقاضاه في البنك، ولم أزد في بناء منزلي منذ ذلك الحين طوبة واحدة.. وإذا حُسب هؤلاء الوزراء كم هو دخلهم وكم هو منصرفهم هل ما تبقى لهم وقاموا بتوفيره يمكن أن يكفي لبناء هذه العمارات وأن يجلب هذه السيارات.. واسألوا أي مسؤول هل في بيته عاطل؟ والآن من لم يكن له سند أو ظهر لا يوظَّف في الخدمة المدنية مهما كان مستوى تعليمه. عبدالله دينق نيال أصبح أجنبيًا.. لماذا تطالبون له بالجنسية المزدوجة؟ نحن لم نطالب لعبد الله دينق لوحده، طالبنا لكل جنوبي من النخبة السياسية التي تحتاج لأن تناقش وتحاور، وكنا نعتقد أننا سنخفف الاحتقان الذي سببه الانفصال، فالجنسية لديها شروط وقانون لأشخاص يمكن أن نستفيد منهم ولا تشمل الشعبيين، بل تكون باختيار لمصلحة معينة، وعبدالله دينق نيال جنوبي مسلم، ويتحدث اللغة العربية، ويقوم بتدريسها في الجامعة، وهو رجل لديه تجربة سياسية في الشمال، وكان والياً لولاية شمالية، وأيضاً موسى المك كور وبونا ملوال الذي يقول تركت السياسة ولن أرجع للجنوب لأني تربّيت في الشمال.. فهذه الجنسية تحل مشكلات كثيرة جداً، وحتى الآن لدينا تواصل معهم، ولنا أعمال مشتركة كذلك، فلماذا لا نعطيهم الجنسية؟ علماً بأننا لم نقل أن تكون الجنسية الشمالية لكل جنوبي ولا الجنسية الجنوبية لكل شمالي بل تكون بالقانون.. أنت اقتصادي ضليع.. في وجهة نظرك كيف يمكن الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية؟ يمكن أن يكون هناك حلول مؤقتة أو عاجلة وأخرى متوسطة وثالثة آجلة، نحن نعيش في أزمة، وعلاقتنا مع صندوق النقد الدولي متوقفة، ومع البنك الدولي كذلك، وعلينا قرارات مقاطعة أمريكية، ولكن نحن نريد حلاً إسعافياً سريعاً، وحتى الجهات التي يمكن أن تدعمنا علاقتنا معها غير ثابتة بسبب قرارات ضربت علينا في الفترة السابقة إثر خلافنا السياسي مع القوى الغربية المهمة وهي دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وهذا ما جعل الحركة الإسعافية في غاية الصعوبة.. أما الإخوة العرب فالأمل الآن فيهم كبير بالرغم من أنهم يضعون حسابات للقوى الغربية، وقد يكون قلبهم علينا ولكن لا يستطيعون مساعدتنا. ما هو العمل إذن؟ أعتقد أن ذهاب الرئيس لدولة قطر بهذا الخصوص وأيضاً محافظ البنك المركزي في اجتماع البنوك المركزية ذكر هذه الأزمة، وقال إن لدينا أزمة عجز أربعة ملايين دولار واقترح أن تودع بعض الدول هذا المبلغ عندنا حتى يتم تحريكه وتنفك الأزمة، ولكن لم يجد أحدًا يتفاعل معه بالرغم من أن خزاناتهم مليئة ولكن خوفهم من الغرب منعم من مساعدتنا.. وعلى الدول العربية أن تقف معنا في أزمتنا. في رأيك ما هي الحلول ذات الفاعلية؟ أما الحلول الأخرى فهي طويلة الأجل، أولاً تخفيض عدد الدستوريين وتقليل مخصصاتهم، أما حديث وزير المالية عن أن تقليل صرف الدستوريين «كلام فارغ» فهذا لأنه هو رجل مصرفي ويعتقد أن الصرف الكبير «ياهو كده» ولدينا مثال في تقليل الصرف، فوالي الجزيرة وهو رجل متقشف عندما أتى للولاية وجد أن الوالي الأسبق قد ترك ديونًا بمئات الملايين على القصر فقلل من سياسة الصرف حتى اجتماعاته أصبح يعقدها دون وجبات أو غيره. الشيء الثالث لابد من الاهتمام بالمجالات التي تزيد من الدخل السريع مثل الزراعة وبدء العمل في الاستثمارات الخاصة بها ولابد من الاهتمام بالتعدين «الذهب».. ولابد من إيقاف استيراد بعض الأشياء غير المهمة مثل المواد الغذائية والملابس، لذلك لابد من إرجاع مصانع النسيج السوداني للعمل لاننا نستورد ملابس بالمليارات. والسودان قطر واعد وفيه اكتشافات تعدين وهذه مسألة «510» سنوات يمكن أن يكون العمل فيها متدرجًا ولن ينهار الاقتصاد السوداني لأن بالبلد إمكانات عالية لو وُظِّفت بالطريقة الصحيحة، فقط نحتاج لقليل من العزم والتخطيط، والسودانيون خبراتهم الفنية الموجودة كبيرة فهم من عمروا الخليج وحتى المهاجرون عندما يشعرون أن في البلد عملاً جادًا سيرجعون، فإذا نفذت هذه الأشياء سيحدث انفراج اقتصادي وفي ظرف وجيز لأن كل الإمكانات والمقومات موجودة.