الناظر للواقع الجنائي بولاية الخرطوم يلحظ تطورًا غريبًا للنشاط الإجرامي، ومن واقع السجلات وما يتم نشره نلحظ كثافة لنوعية معينة من الجريمة، حيث ترتفع مثلاً بلاغات التزوير في فترة معينة وبلونية قد تكون مستحدثة وتتناقل الأخبار عناوين مثيرة على شاكلة ضبط مصنع لتزوير العملة وآخرون في ذات الوقت يطبعون عملة على أوراق عملة قديمة يُستفاد من شريطها الفضي، وعملات أخرى يتم تداولها لشراء الأضحية، ثم تنشط بعد فترة أخرى تجارة ترويج الخمور المنظمة حيث تدون سجلات المرور وأمن المجتمع يومياً بلاغات ضبط الحافلات والركشات والهايس التي يقودها طلاب جامعيون وغيرهم، والناظر لتلك الكميات يتيقن أنها مصانع ولا مكان ل «ست العرقي»، بعدها تطفح على السطح جرائم الرذيلة المرتبطة بالعقاقير الإباحية، وتتوالى الظواهر الإجرامية المنداحة على الخرطوم وكأنها حزم هدامة تُصرف بالتتابع. بالمقابل تقوم الأجهزة الأمنية بولاية الخرطوم وعلى رأسها الشرطة بمجهودات كبيرة تكبح بها براثن أشكال الجريمة وتعمل جاهدة لبسط الأمن والطمأنية وسط أكثر من ثمانية ملايين مواطن، ثم تقود أسبوعاً لمكافحة الجريمة تكشف خلاله حلقات خطيرة، وأرقامًا خرافية لو تم كشفها ما نام مواطن قرير العين، وتكفي سواطير العصابات المتفلتة بالحارات لتكون أعظم شاهد على ذلك، ومن خلال المتابعة نرى أن شرطة ولاية الخرطوم ودائرة الجنايات على وجه الخصوص عكفت على قراءة هذا الواقع الذي أفرزته أحداث الشغب الأخيرة ومخرجات أسبوع الجريمة وتعاملت معه بواقعية ودفعت بحزم أمنية جديدة من شأنها إحكام السيطرة على الجريمة ولن أفشي سراً إن قلت إن الولاية أعدت دفعة جديدة من الدراجات البخارية تقدر بالمئات من «المواتر» لتنضم لأسطول النجدة بالولاية، وهذه نقلة نوعية في عمل النجدة التي كانت ترتكز على السيارات والسواري، ولعل الترتيب الذي جاء في هذا الصدد إنما يستهدف زوار الليل غير المرغوب فيهم ولإمكانياتهم في التخفي بين الأزقة والخرابات كما أنها ستُسهم في تعقب العصابات المتفلتة «النيقرز» الذين يجوبون أطراف العاصمة بالركشات والمواتر. وتجدني منحازاً لمن يقولون إن العملية الأمنية لا تكتمل بالعتاد والمعدات والخيول المسرجة فحسب بل هي عملية تكاملية كل منا يرمي بسهمه لتنجح تلك الجهود الشرطية، ولعل سهم المواطن الذكي سيكون بلا شك من السهام المهمة التي ترتكز عليها هذه العملية المعقدة وذلك من خلال وعيه واحترامه للقانون، ثم يأتي السهم الأكبر من حكومة الولاية وإدارات التخطيط ومؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في تنمية الأطراف وتخطيطها ورفع وعيها وإزالة فوارقها الطبقية. أفق أخير على رئاسة الشرطة أن تبذل مزيداً من الجهد لتحسين أوضاع منسوبي الشرطة بالخرطوم وتعمل على زيادة الرغبة لدى الأفراد في تجديد عقوداتهم لفترات أخرى.