نهار الأمس شاهدت حادثًا مروريًا مروعًا. أمام فندق السلام روتانا جاءت عربة إسعاف وصوت ونانها يلعلع في فضاء شارع المطار مما ينبئ أنها في مهمة إسعافية مستعجلة وهي تطير من الجنوب للشمال وفجأة صدمت مواطناً كان يهم بعبور الشارع فأطاحت به بعيداً وفي ثوان تجمع الناس الذين هالتهم بشاعة الصدمة وقد فُجعوا أكثر عندما لم يجدوا شخصاً داخل الإسعاف بالرغم من أن سائق الإسعاف صاح بأنه في طريقه لإسعاف مريض. وقد كتبت كثيراً عن السرعة غير المبررة والمبالغ فيها تلك التي يطير بها سائقو عربات الإسعاف في شوارع الخرطوم المكتظة بكل شيء ولكن لا حياة لمن تنادي فأنا بطبعي أخاف سيارات الإسعاف وهي تصدر تلك الأصوات المزعجة. فأصبت بحالة اكتشفت فيما بعد أنها يمكن أن تعرف بالإسعافوفوبيا. فما إن ينطلق صفير تلك السيارات حتى تصيبني أنواع من «اللخبطة» فلا أعرف هل ذلك الصوت صادر من خلفي أم من أمامي أم من فوقي أم من تحتى... فيصيبني دوار يجعلني وأنا وسط جحافل السيارات وقد اكتظت في «مخنق» المستشفى مع تقاطع شارع المك نمر أرتجف وألتفت يمينًا ويساراً وأنظر في جميع «مرايات» السيارة ولا أدري ماذا أفعل: هل «أتضاير» ناحية اليمين أم اليسار وليس هناك شبر واحد تتضاير عليه. والخوف كل الخوف عندما أتذكر أن سيارات الإسعاف ستأتي طائرة بسرعاتها القصوى لتسعف شخصاً ولكنها ربما تتسبب في موت العشرات. إن القانون يفرض عليك ألا تسد الطريق أمام سيارات الإسعاف... وهذا أمر طبيعي حتى ولو لم يكن هناك قانون أو توجيه يفرض عليك ذلك. ولكن ليس للحوادث توقيت معلوم فيجعلني أتجنب الشوارع في تلك الأوقات. كما إنني لا أعرف الشوارع التي ستسير عليها سيارات الإسعاف. ولذلك تتضافر عوامل عديدة من بينها مكان الحادث وزمن الحادث واتجاه الحادث وما إذا كان الإسعاف رائحاً أم عائداً بحمولته من المسعفين. تتضافر كل تلك العوامل مع وجودك وأنت تقود سيارتك «قدر الله جانا عديل». والإسعاف من حقه أن يسرع وأن يصل مكان الحالة التي تتطلب الإسعاف في أقصر وقت... ولكن برضو مراعاة الآخرين الموجودين في الشارع في ذلك الوقت أمر ضروري. في ذلك النهار كان صوت الإسعاف مرعباً مجلجلاً ينخلع له قلب الشجاع وكان يمرق كالسهم من بين جحافل السيارات وكاد أن يرتطم بعدد منها ومن المارة والباعة المتجولين والمتسولين.. ولكن ربك سلم. ووقفت سيارة الإسعاف أمام قسم الحوادث ونُقل المصاب إلى بهو عيادة الحوادث وهو ينزف بعد أن صدمه سائق حافلة. وانطلق الإسعاف محدثاً ذلك الصوت المرعب. وبقي المصاب ومرافقوه ساعتين في انتظار الطبيب المناوب في قسم الحوادث. وليس هناك داعٍ لإكمال بقية القصة ولكن ليس كل من يسعفه الإسعاف ويثير الرعب في الشارع العام من أجله يجد نفس السرعة في العلاج بعد وصوله. وإذا كان الأمر كذلك فتأخير دقيقة أو دقيقتين من سائق الإسعاف وهو لا يعرض أرواح الآخرين للخطر لا تفرق كثيراً. ولا يعقل أن يسعف الإسعاف مريضاً وفي نفس الوقت يتسبب في إزهاق روح شخص لا يحتاج لإسعاف إلا من سيارات الإسعاف.