هي مهنة في طريقها إلى الزوال والاندثار بعد التقدم الذي طرأ على المجتمع وازدادت الرغبة لدى الكثير من الذين يعملون بها في البحث عن أشغال عصرية بأجور عالية ومجهود أقل.. إنها مهنة نفخ الكير التي تعتبر من مهن الأنبياء التي ذُكرت في القرآن الكريم وقد امتهنها نبي الله داود عليه السلام وهي من أقدم المهن وتدل على التطور والتقدم في تلك الحقب وباختلاف الزمن وتبدل الأحوال أصبحت هذه المهنة من المهن غير المرغوب فيها ويضرب بها المثل للفتن وتأجيج نيران الحروب والصراعات بعد أن كانت مفخرة للدول التي يوجد بها حرفيون كثيرون يصنعون لها الأسلحة والحصون فنجد صانع الكير يضرب به المثل للأشياء الخبيثة والسيئة رغم أن الاعمال التي يقوم بها بعيدة كل البعد عن تلك الأشياء فهي فن راقٍ يعتمد على المهارة والموهبة والدقة العالية.. ونفخ الكير هو الحرفة التي تتعامل مع أقوى عناصر الطبيعة وهو الحديد ليعمل منه أشكالاً جمالية بعد الانصهار بالنار وكانت تلك الحرفة تعتمد على ثلاثة أشخاص الأول هو الذي ينفخ في الكير في الحديد والثاني هو الذي يطرق والثالث هو الذي يشكل القطعة الحديدية. وتعتمد مهنة نافخ الكير على الفحم الحجري الذي يشترونه من سوق السجانة والقادم من غرب السودان، وتميزت بالأصوات المرتفعة الناتجة من الطرق والحرارة العالية داخل المحل الذي يعمل به الحداد ولذلك دائمًا ما يكونون منعزلين عن باقي المحلات الأخرى وهي حكر على الرجال فقط. الأعمال التي يقوم بها نافخ الكير كانت في السابق لها دور كبير في بناء القصور وصنع الحصون والقلاع العالية وتسليح الجيوش وبناء السفن ولكن في الوقت الحاضر اقتصرت تلك الحرفة على بعض الأعمال الصغيرة من صنع بعض الزوايا والأشكال للأبواب والسياج والمسامير بعد أن كانت تلك الحرفة عصب وشريان الاقتصاد حيث تقوم كل صناعات الحديد عليها وتعتمد عليها بشكل أساسي وتفرعت لتصبح لها عدة أشكال وأنواع ومسميات ولكن تدخل ضمن مهنة الحدادة ونفخ الكير فهناك من يصلحون «لديترات العربات والعوادم» وهناك من يصنع بعض أدوات الحفر من «كواريك» و«أزمات» تطور صاحب المهنة صاحبت مهنة نفخ الكير بعض التطورات على الصعيد المهني والأدوات فلم تعد هناك مشقة كما كانت في السابق فدخلت الآلات في ذلك المجال سهلت المهمة عليهم فأصبحت هناك موتورات تعمل بالكهرباء تحل محل الأدوات البدائية التي كانت تُستخدم في السابق وأيضًا طورها بعضهم واستخدموا انابيب الغاز بدلاً من حجر النار والكير وهي تختصر الزمن عليهم ولكن هناك من تمسك بأدواته وتقاليده ومنهم محمد نور الدائم الذي استلم الراية من أبيه الذي توفي بعد أن ورثها هو الآخر من أبيه أيضًا ليعمل في دكانه الكائن في السوق المركزي ليبقى ذلك الدكان الصغير الوحيد في تلك المنطقة الذي ما يزال يمارس تلك الأعمال وبأدواته القديمة، وبالرغم من دراسته للتكييف والتبريد إلا أنه تمسك بها رغم صعوبتها والنظرة الاجتماعية لنافخ الكير وقال إنه تلقى عدة عروض للسفر للخارج وأعمال أخرى لكن حبه لتلك المهنة ورثه عن أبيه وأجداده. ويبدو أن تلك المهنة لها عائد مادي مجزٍ حيث يصل دخلها اليومي إلى خمسمائة جنيه على حسب إفادات أصحابها ولكن أيضًا غير مضمونة فيمكن ألا يجد أحدهم قوت يومه فهي متذبذبة ومتفاوتة في كل يوم لا يعرف الحرفي ما تخفيه له الأرزاق، وكغيرها من الحرف والمهن اليدوية يدخل ممتهنوها في ظروف حالكة عند المرض والحالات التي يضطر فيها الحرفي إلى التوقف عن العمل كحالات الوفيات، ولهذا يطالبون بجهات ترعاهم وتقوم بالتأمين عليهم، وهي أيضًا فيها نسبة من الخطورة فقد يُصاب الحرفي بحروق تصل لدرجة الخطورة وتسبب العاهات المستديمة.