لم يكن الإنجليز أعداء لأرض فلسطين فقط التي ورّثوها لليهود المشتتين من جنسيات مختلفة عام 1948م إنفاذاًَ لوعد بلفور عام 1917م، فهم أيضاً هنا في إفريقيا كانوا أعداء لأرض جنوب إفريقيا وشعبها بعد أن بدأ عام 1948 «أيضاً» فيها تنفيذ سياسة الفصل العنصري. وها هي الآن لندن تبدو وكأنها تشعر بالخجل من تاريخها الأسود في جنوب إفريقيا الذي أنعش ذكرياته المريرة في هذا الوقت انتهاء أيام عمر المناضل الإفريقي نيلسون روليهلاهلا مانديلا الملقب عند عشيرته وأنصاره باسم «ماديبا».. أو «تاتا». ولم يكن التاريخ الأسود الغربي في جنوب إفريقيا إنجليزياً فقط، فللولايات المتحدةالأمريكية نصيب منه أيضاً، إذ أنها وضعت المناضل مانديلا الذي ينشط لمكافحة العنصرية في ما تسميها قائمة الإرهاب ولم ترفع اسمه عنها إلا متأخراً جداً في عام 2008م، ترى هل كانت فكرة وضع اسمه في قائمة إرهاب مزعوم أمريكية من بنات أفكار اليهود لمواقفه الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية؟! إن الواضح هو أن جزءاً عظيماً من هيكل السياسة الخارجية الأمريكية يعبر عن مشروع الاحتلال اليهودي لأرض فلسطين. ويمكن أن يكون اليهود قد استفادوا من معارضة المناضل الراحل مانديلا للسياسات الأمريكية في الساحة الدولية.. خاصة في عهد بوش الابن الذي أراح الإسرائيليين من خطر فعّال وواقعي إسمه «صدام حسين» القائد الأعلى للجيش العراقي الذي انطلقت صواريخه نحو إسرائيل.. وكانت ستكون صواريخ تحرير حقاً، إذا لم يوجه بعضها بمنتهى الحماقة وضيق الأفق والضلال إلى بعض بلدان المسلمين. هذي لندن وتلك واشنطن وهما لا يسرهما نضالاً في أي مكان في العالم، لأنه دائماً يكون ضد ما وراء مؤامراتهما ودعمهما. وكان أشرف لمانديلا ألا يجد تأييداً من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. لكن ما بال الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق ثم بقيادة سلفا كير تزايد على «الخرطوم» بنموذج مانديلا وتحاول في إعلامها الخبيث أن تقدم قرنق بصورة مانديلا النضالية؟! إن الواقع يقول إن المناضل الذي انتفض ضد العنصرية التي فرضتها لندن وأيدتها واشنطن ورقصت لها دولة اليهود في فلسطينالمحتلة إن هذا المناضل والحركة الشعبية نقيضان. فمانديلا كان يريد أن يحرر بلاده من الإنجليز الذين احتلوها كما احتلوا السودان جنوبه وشرقه وغربه وشماله، لكن الحركة الشعبية لم تعتبر لندن عدواً لها رغم تاريخها الأسود العنصري الاضطهادي في مناطق قبائل جنوب السودان «دولة جنوب السودان حالياً». وهي تعتمد على واشنطن منذ أيام التمرد وحتى الآن، وواشنطن هي التي وضعت مانديلا في قائمة الإرهاب المزعوم لأنه وقف ضد الاحتلال اليهودي لأرض العرب والمسلمين في فلسطين. وحتى أوباما الرئيس الأمريكي الزنجي أباً والأنجلوساكسون من ناحية أمه هو الذي تخدع به واشنطن شعوب إفريقيا لتغطي به عوراتها التاريخية في القارة السوداء، حتى أوباما ليس من حفدة الرقيق الذين استرقهم الأمريكان «بروتسنتانت ويهود» من جزيرة غوري السنغالية التي كنت تسمّى جزيرة العبيد. فمؤسسات الحكم الأمريكية لا تريد مرشحاً للرئاسة من حفدة الرقيق ومعلومة قصة ترشيح جسي جاكسون التي لا تسع المساحة هنا لسرد جزء منها، لكن يمكن متابعتها من الأنترنت. إن إعلام الحركة الشعبية قبل انفصال جنوب السودان كان يشبه شعب الجنوب بشعب جنوب إفريقيا قبل إلغاء سياسة الفصل العنصري هناك، مع أن هنا ومنذ الاستقلال عام 1956م كان أبناء الجنوب يشاركون في إدارة البلاد كلها من الخرطوم في مناصب رفيعة مثل وزير الداخلية كلمنت أمبورو عام 1965م ووزير الإعلام بونا ملوال في فترة حكم نميري، وقبله نائب الرئيس نميري أبيل ألير، ونائبه أيضاً جوزيف لاقو، وكان الجنوب منذ الاستقلال وحتى الانفصال محكوماً فقط بأبنائه، وحينما عين نميري المسلم قسم الله عبد الله رصاص حاكماً للجنوب، كان حجم المسلمين هناك أكبر من حجم الصليبيين الذين استقطبت آباءهم كنائس الاحتلال البريطاني. وكانت الحكومات في الخرطوم تعاني من شح المتعلمين والمثقفين وسط الجنوبيين، لأن سلطات الاحتلال البريطاني حرمتهم من التعليم قرابة نصف قرن. كان تأسيس كلية غردون «جامعة الخرطوم حالياً» عام 1902م وأول طلاب جنوبيين أربعة فقط التحقوا بها عام 1947م. فمن يكون للجنوبيين من حيث النضال مثل مانديلا: قرنق أم الأزهري؟!