أظهرت مختلف الأدبيات في مجال مكافحة الفساد أن البلدان الفقيرة هي التي تكون أكثر عرضة لآثار الفساد من البلدان الغنية، لأنها شهدت تأخراً كبيراً في الهياكل الداعمة التي من شأنها تجنب التفكك الكلي في مجال تقديم الخدمات للمواطنين. وكشفت البحوث التطبيقية لآثار الفساد عن أنه ليس مجرد موضوع أخلاقي أو جريمة مالية، بل له تأثير سلبي علي أداء الحكومة ورفاهية المجتمع خاصة الذين لا يملكون المال أو السلطة. ويعتبر الفساد نتيجة لضعف الإدارة المؤسسية بصفة عامة، وله تأثير كبير على التنمية الاقتصادية. فالفساد يتعمق بسياسات التنمية الخاطئة والبرامج التي يتم تصميمها وسياستها وإدارتها بشكل سيء هذا إلى جانب ضعف المجتمع المدني وضعف الأجور المخصصة لموظفي الخدمة الوطنية، ويتصف الفساد بأنه فشل الإدارة في توفير الضوابط والموازين اللازمة إضافة إلى نقص في الشفافية والمساءلة، والفساد يخفض النمو الاقتصادي ويفاقم الأزمات المالية بالبلاد. الأمر الذي قاد الحكومة السودانية لوضع آليات تشريعية وضوابط لدرء ومكافحة الفساد بالمؤسسات خاصة الحكومية التي اعتبرتها الأممالمتحدة أنها نجحت إلى حد كبير في القيام بذلك، فيما أكد رئيس وحدة الحوكمة للحكم الراشد للبرنامج الإنمائي بالأممالمتحدة سرايو بروزو كوفا خلال ورشة مجلس الولايات بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الانمائي بقراند هوليدي، حول تقييم مدى كفاءة تشريعات وآليات مكافحة ودرء الفساد، أشارت الى أن هناك حالة رضا عن الخطوات التي تقوم بها الحكومة السودانية للعمل على مكافحة الفساد، ووضع آليات للحد منه، خاصة وأن هناك فسادا كبيرا لحق بالمؤسسات الحكومية. وأكدت على أن برنامج الأممالمتحدة يدعم كل التوصيات التي تخرج بها الورشة وتنزيلها على أرض الواقع قائلة «كل حركة معاها بركة». وفي حديث مفصل حول آليات التحقق من الفساد المالي والإداري والمتطلبات القانونية لاسترداد المال العام، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عبدالعزيز الفكي على أن عدم الكفاءة الإدارية هي سبب الفساد الذي يلحق بالمؤسسات ويجب أن تنظم التشريعات والضوابط، موضحاً انه إذا كانت الإدارة فاسدة ومترهلة تؤدي الى وجود اختلاسات وفساد، قائلاً إن هناك بعض الوزارات تتفق مع وزارة المالية بفرض رسوم خاصة لصالح منسوبيها، مشيراً الى أن هناك مظاهر ودلائل الفساد منها الفساد في قطاع المالية العامة قائلاً نجد أن هناك انفراط عقد ولاية وزارة المالية على المال العام، موضحا أن من المتعارف علية أن وزارة المالية لها الولاية على المال العام وتقلص هذا الدور بصفة متسارعة في حين أنه يوجد إجماع بأن عجز وزارة المالية عن المراقبة يعتبر السبب الرئيس لعدم اكتشاف مواقع الخلل والتسيب الإداري الذي يسهم في دعم الفساد وفشل السيطرة على جباية وصرف الأموال، وأضاف أن تجنيب المال العام يؤثر سلباً على الاقتصاد بسبب ان تلك الأموال توظف دون أسبقيات متفق عليها ودعم الصرف خارج الميزانية إضافة الى أن التجنيب يسهل عمليات الاختلاس والتعدي على المال العام ويؤدي الى تفشي الرشوة والمحسوبية ويشجع كثيرا من المؤسسات على فرض رسوم وجبايات دون وجه حق ما يسهم في زيادة تكلفة الإنتاج والخدمات، وأضاف الفكي أما في القطاع الزراعي نجد أن في السودان يصنف الى قطاعات فرعية «مروي، ومطري،آلية وتقليدية» قائلا إن الفساد يتركز في القطاع المروي وفي قطاع الزراعة الآلية لارتباطها بالتمويل الحكومي والتمويل المصرفي، وطالب الفكي بإنزال التوصيات على أرض الواقع لتحقيق درء ومكافحة الفساد، ويتم ذلك بإصدار قانون يحدد المركز القومي للمال العام على ان يتم ذلك من خلال نص المادة «27» من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م، وإصدار قانون يجمع جرائم الفساد وعقوبتها وإجراءاتها بما في ذلك قانون لجان التحقيق لسنة 1954م، إضافة الى قانون مالي أساسي، وأن تشكل الهيئة القضائية محاكم تختص في قضايا الفساد والإفساد وتقييم وتقويم دور الأجهزة المعنية بمحاربة الفساد سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وفق معايير علمية دقيقة.