بعد طول انتظار و«لت وعجن» حول الموعد الذى ضرب عدة مرات لوصول رئيس حركة التحرير والعدالة د. التيجاني السيسي محمد أتيم والوفد المرافق له، يحل الرجل اليوم بمطار الخرطوم في حال مغاير للمتمردين الذين سبقوه للخرطوم، وكان أبرزهم رئيسا الحركة الشعبية جون قرنق والتحرير مني مناوى، والأول قد تخيل هو وحركته بعد رؤيته للجماهير الغفيرة التى استقبلته أنه سيحكم السودان، وقد اختطفته الأقدار بعد أيام توازي عدد السنوات التى تمرد فيها على المركز، بينما الثانى عاد الى ما كان عليه من حال، وخرج من القصر وكان استقباله أو بالاصح مقدمه قد شهد حالة من التجاذب بينه وبين الحكومة بشأن قرار تعيينه، واشترط أعوانه تعيين مناوي بدءاً، لكن يأتي السيسي في ظرف مختلف يشي بكثير من الهدوء فى ظل غياب من يشكلون خميرة عكننة لمسار علاقة حركته بالحكومة. ومن المفارقات أن السيسي يصل اليوم وقد أكمل قرار تعيينه رئيساً للسلطة الانتقالية شهراً بالتمام والكمال، مما يعنى أن للرجل راتباً فى ذمة الحكومة!! وكان القرار قد حمل تأكيد الحكومة على جديتها فى إنفاذ الاتفاق، أو هى حاولت بذلك أن تجعل سيناريو وصول السيسي ذا طابع مختلف من سابقيه الذين عكروا مزاج الحكومة، وكان ما كان من حالة تشاكس لا مثيل لها. وصول السيسي ورفاقه له مدلولات مهمة، فبدءاً مرافقة الحكومة القطرية للرجل ستقوي موقف الحركة والحكومة، وفيها تأكيد على مدى جدية الدوحة في رعاية الاتفاق وإبعاد سفينته من أية جزر يمكن ان تصطدم بها، كما أن مجيء القطريين ممثلين في المفاوض الكبير وزير الدولة بالخارجية القطري أحمد بن عبد الله آل محمود وعدد من قيادات حكومة بلاده، يحث الحكومة على التعامل بكثير من الجدية مع وفد قيادة الحركة، خاصة أن الحركة تبدو جادة رغم بعض التصريحات غير المهضومة التى كانت خاصة بتحديد موعد وصول رئيس الحركة.. وجدية التحرير والعدالة لا تحتاج لكثير تبيان، وبرز ذلك من خلال تصريحات كبير مفاوضي الحركة تاج الدين نيام في الحوار الذى أجرته معه الزميلة «السوداني» عندما أقرَّ بأن تأخير تنفيذ الاتفاق يرجع إلى حركته وليس للحكومة وذلك لعدم تنفيذ الجداول الزمنية في موعدها، ولعدم تقديمهم لمرشح لرئاسة الجمهورية لمنصب رئيس السلطة الانتقالية بعد شهر من توقيع الاتفاق. وعزا نيام التأخير لبعض الجوانب السياسية في الاتفاق، وبعضها جماعية من ضمنها الترتيبات، والقى بالائمة على اليوناميد التي لم تقم بالترتيبات اللازمة وللطرفين، وبالقطع هى تصريحات تدخل الفرح فى نفوس مسؤولى الحكومة. لكن بالمقابل يتوقع مهتمون بالشأن الدارفورى أن تُواجه الحركة بصعوبات تنحسب على سير إنفاذ الاتفاق، منها على سبيل المثال اختيار قياداتها للمناصب خاصة في ما يلى القادة الميدانيين، لأن جل مشكلات الحركات كانت بسبب الميدان الذى تفتقده الآن الكثير جدا منها التى احتلت ميادين الفضاء الاسفيرى ومواقع التواصل مثل الفيس بوك.. والتحدي الحقيقي الذى يواجه الحركة هو مشاركة الحكومة السلطة وتوافق قياداتها فيما بينهم على توزيعها، لجهة أن الحركة تتحدث عن مساعد للرئيس ومستشار، بجانب اثنين من الوزراء الاتحاديين وأربعة وزراء دولة، بينما الحكومة في ما يلي الوزراء تتحدث عن وزير واثنين وزراء دولة، فضلاً عن الإشكالات التى يسببها الوافدون الجدد من الداخل وجلهم من الطامعين فى السلطة بحسب قول واحد منهم فى أحد لقاءات الحركة فى قاعة الشهيد الزبير عندما كان فى حالة هياج احتجاجا على سوء ترتيبات من رفاق له، وهو الامر التى تقلل منه عضو الحركة النشطة سونا عبد الرحمن التى أكدت أن كل الأمور سترتب بشكل جديد عقب وصول الرئيس. واشارت الى أن الحركة ستقيم تجربتها فى السودان منذ وصول وفد المقدمة وزياراته لولايات دارفور التى وصفتها بالناجحة.. ولكن يبقى التحدي فى التوازن بين التيار العسكري والجناح السياسي فى الحركة، وفي مواصلة جدية تنفيذ الاتفاق، سيما أن قيادة الحركة الآن يدها فى النار وليست فى مياه فندق شيراتون الدوحة الباردة.