نعترف أن المؤتمر الوطني استطاع هذه المرة أن يأتي بوجوه جديدة، وأن يحدث تغييراً حقيقياً في طاقمه الوزاري وفي الهيئة التنفيذية القيادية للحزب غلب عليه العنصر الشبابي، وحظيت المرأة فيه بتمثيل مقدر، وقد أسهم الخروج الكبير بكل تكاليفه الجسيمة وتبعاته على الحزب والحكومة للسيدين علي عثمان ونافع علي نافع في تمرير التغييرات الجديدة بهدوء ومن غير مقاومة شرسة داخل المكتب القيادي الذي استطاع هو الآخر في هذه المرة أن يلعب دوره بلا املاءات، وبعيداً عن تأثيرات «الكيمان» لهذا الوزير أو ذاك في إجراء عملية الجرح والتعديل الصعبة على مفاصل الحزب والدولة، فأزيح وزراء مخضرمون في قامة د. عوض الجاز وأسامة عبد الله والمتعافي وكمال عبد اللطيف وعلي محمود، وهؤلاء جميعاً من الوزراء أصحاب الملفات المهمة والخطيرة في وزاراتهم على مجمل الحراك الاقتصادي في البلاد الذي هو محور المطالبات بالتعديلات الوزارية. التغيير الشامل في مؤسسة الرئاسة وفي المؤسسة التشريعية هو العامل الحاسم الذي أتاح للرئيس أن يمسك بكل الملفات في المرحلة المقبلة، وهذا ما يجعلني أذهب إلى أن التغيير بحجمه الكبير هذا لا ينعزل من ترتيبات الأوضاع الإقليمية من حولنا في ظل التقارب الكبير بين دول الجوار الذي نلحظه في الآونة الأخيرة، خصوصاً بيننا وإثيوبيا وأريتريا وتشاد ودولة الجنوب.. فالسودان قادم ليلعب دوراً مختلفاً مع جيرانه في المرحلة المقبلة، يقتضي إعادة تقيّيم ومن ثم ترميم التجربة في مفاصلها المهمة من جديد. ويبقى الشيء الأهم في قراءة التغييرات الوزارية في وزراء المؤتمر الوطني، إن الحالة السودانية الراهنة هي من أتاحت التغيير، فالأوضاع بصفة عامة وصلت لطريق مسدود في ظل عدم وجود برنامج ثابت، حيث تسعى الحكومة باستمرار للتعامل مع الأحداث وتكييف نفسها مع المعالجات التي يقتضيها واقع الحال، ولذلك وضعت أمام تحديات جسيمة وخياراتها لمقابلتها كانت محدودة خاصة في مسألة المعالجات الاقتصادية. ولذلك كان الأجدى أن يعاد النظر في إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي، بحيث ينسجم مع مطلوبات المرحلة التي تقتضي خفض الإنفاق الحكومي ومعالجة عجز الموازنة وحصر التمثيل في الجهاز التنفيذي بقدر الحاجة، وأن ينسحب هذا على وزراء الأحزاب المتحالفة مع المؤتمر الوطني، فهي ليست استثناء من المعالجة الكلية للأوضاع في البلاد حتى تحتفظ بحقائبها دون تغيير، ولكن هذا إن كانت هناك إعادة هيكلة حقيقية للجهاز التنفيذي ودعوة انفتاح حقيقية، ولكن ما حدث هو مزيد من الترهل الذي لا يراعي أبسط أبجديات المعالجة في إطار الصورة القاتمة للإنفاق العام، وبين يديكم العدد الهائل لوزراء الدولة الذين عينهم المؤتمر الوطني في حقائبه الوزارية المخصصة له في الحكومة، ما يجعلنا نذهب إلى اتهام قيادة الوطني بأنها لم تدرس بدقة المقاصد والمطالب من وراء التغييرات الوزارية بعمق مطلوبات المرحلة التي ضرب تأثيرها بقوة على مفاصل المجتمع السوداني، وأصابته في استقراره الأمني والغذائي، بل قفزت للاستجابة لحالة الغليان التي سيطرت على عضويته وعلى الشارع عموماً من الانعاكسات السالبة للأوضاع والغبن في المشهد السياسي، ولذلك كنا نأمل أن يأتينا الوطني عبر قطاعاته بالوزير ومعه الوصفة، فواقعنا الآن فيه إشكاليات متمثلة في عدم استغلال الموارد واختلالات أمنية ومشاكسات سياسية واضطراب في السياسة الخارجية، وهذه كلها تحديات للوزارة الجديدة إن أراد المؤتمر الوطني أن يحمي نفسه، وإن أرادت الحكومة أن تحمي ذاتها من حالة التآكل المستمرة التي تتعرض له بفعل عوامل التعرية السياسية، وهذا من أصعب المهام أمام رجل المرحلة البروف إبراهيم غندور على صعيد الحزب.