إن مما لا شك فيه أن الواقع المأساوي الجاري في الساحة الدارفورية من احتراب بين القبائل واقتتال، أمر غير مألوف وظاهرة شاذة ومقيتة، وإن معالجة أي مسألة أومشكل تتطلب في البدء الإلمام بمسببات تلك المسألة ومعرفة كل جوانبها حتى يتسنى النظر في المعالجة ووضع الحلول المثلى لاستئصال تلك المشكلة من جذورها وتجاوز آثارها وتوخي عدم توفر بيئة مواتية مرة أخرى لعودة تلك الظاهرة غير المرغوب فيها. أحاول في هذه السانحة تلمس بعض المسببات التي أججت هذا الصراع حتى أصبحت مخرجاته ومآلاته مهددًا أمنيًا حقيقيًا للإقليم وللوطن وللسلم الاجتماعي، وقعد بالتنمية التي هي سبب ونتيجة لهذا التناوش المستمر بين أبناء الإقليم الواحد. لقد شهدت دارفور الكبرى استقرارًا تامًا وانسجامًا اجتماعيًا منقطع النظير من الاستقلال حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ولقد كان لذاك الاستقرار أسباب وجيهة ساعدت في تحقيقه وإرساء دعائمه وباهتزاز تلك الدعائم حدث تصدع وهلهلة البناء الاجتماعي ككل، وسوف أتطرق لأبرز المسببات من وجهة نظري المتواضعة والتي ساهمت بقدر أوآخر في حدوث هذا الصراع. 1/ فمن ناحية الكثافة السكانية كان عدد سكان الإقليم معتدلاً مقارنة بمساحة الإقليم، يضاف إلى ذلك التزام معظم المواطنين بالعيش داخل إطار الحواكير القبلية المتعارف عليها منذ حقبة الاستعمار مما كان له الأثر في مقدرة الإدارة الأهلية على رصد تحرك الأشخاص الغرباء وضبط مواطنيهم والسيطرة على سلوكيات أولئك الذين يحاولون التفلت والخروج على العرف السائد. إلا أن الإقليم شهد نموًا مطردًا في سكانه رأسيًا وأفقيًا، فعلى المستوى الرأسي ونتيجة للاستقرار والتقدم الصحي زاد معدل المواليد زيادة ملحوظة وبنسبة عالية ليس على المستوى المحلي فحسب بل على مستوى القطر ككل والتعداد السكاني الأخير أبرز ذلك بوضوح، كما ان الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي الذي شهدته الدول المحيطة قد رفد الإقليم بأعداد مقدرة من رعايا تلك الدول، فقد شهد الإقليم هجرات متوالية في السنوات الماضية وقد طاب المقام بالإقليم للوافدين الجدد نسبة للتداخل القبلي والتماثل الثقافي بين مكونات المجتمعات المتجاورة مما سهل الانتقال والاندماج في المجتمعات المحلية. الزيادة في الكثافة السكانية أدت إلى بروز ظاهرة الاحتكاك بين مكونات المجتمع وتنامي عدم الرضا بالآخر. 2/ في السابق كان أفراد المجتمعات المحلية يتحركون داخل الحدود الإدارية ولا يميلون إلى الترحال والهجرة الاستيطانية بعيدًا عن مكونات مجتمعاتهم التقليدية، إلا أن الوضع قد تغير اخيرًا وأصبحت كل أصقاع الإقليم تمور بالناس لشتى الأغراض وتوسعت الانشطة وحصل الانفتاح خاصة بعد أن ضرب الجفاف شمال الإقليم مما دفع بهجرات كثيفة ناحية الجنوب تحمل معها قيمها وموروثاتها، فقد حدث تداخل بين مكونات الإقليم الاثنية وفقدت معه الإدارة الأهلية السيطرة على أفراد المجتمع المحلي داخل الحاكورة وضاعت السلطة التي كانت تتمتع بها فلم تعد تلم بهوية الأشخاص الذين يجوبون داخل الحدود الإدارية لها أو من يقطنون، وقد انحسر دور الإدارة الأهلية وفقدت هيبتها التي كانت فما عاد دورها يتجاوز الأدوار التشريفية والتحدث باسم القبيلة وتمثيلها في المواقف التي تستدعي ذلك ولكن ليس لهم إلزام لأحد أوالتزام لطرف آخر فسلطتهم سلطة شعبية مستمدة من عشائرهم. 3/ لقد تأثر إقليم دارفور بتأثر القرن الإفريقي فهو يقع داخل هذا النطاق الذي اجتاحته موجة الجفاف الضارية التي ضربت الإقليم وما تزال مما أدى لانحسار القطاع النباتي فتقلصت الغابات وتراجعت المساحات الشاسعة التي كانت تكسوها الحشائش مما أفقر المراعي وادى إلى القحط والعطش فتأثرت تبعًا لذلك قطعان المواشي وهي حرفة تشتغل بها معظم مكونات مجتمعات دارفور، فأدى إلى تراجع أعداد الثروة الحيوانية وأدى ذلك بدوره إلى تراجع المداخيل بل فقدانها لدى معظم المشتغلين بهذه الحرفة مما أدى إلى ظهور العطالة والهجرة إلى المدن أو الانحراف والانغماس في ممارسات سالبة غير معهودة من قبل في هذه المجتمعات، كما أن شح الأمطار أدى لتراجع الغلال الزراعية والتي كانت تدر على اصحابها المال اللازم مثل الحبوب الزيتية والحبوب الغذائية الأخرى، أيضًا تقلصت الغابات أو كادت ان تنعدم مما كان سببًا مباشرًا في فقدان قطاع كبير من السكان لمصادر أرزاقهم خاصة المششتغلين بالصمغ العربي وايضًا الذين يعملون في تجارة الأخشاب لكسب العيش، كل ذلك أدى الى فقدان إنسان دارفور لأهم مصادر رزقه مما زاد من معاناة الناس وتأزمت أحوالهم المعيشية وظهرت العطالة الصريحة بين الشباب في أكمل صورها الامر الذي أدى للقنوط واليأس والإحباط فتراجعت تبعًا لذلك المثل ومكارم الأخلاق التي كانت سائدة.هذا الواقع حفز كثيرًا من الشباب لاتباع طرق وعرة أدت بهم إلى أحابيل أصحاب الغرض والهوى والأجندات المريضة، أو دفع بهم اليأس والإحباط والشعور بالضياع إلى الانغماس في عراك وتطاحن فيما بينهم لأتفه الأسباب. 4/ شهد إقليم دارفور في فترة الستينيات والسبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي قفزة مميزة في مجال التعليم، فقد أدرك المواطنون اهمية التعليم ودوره في ترقية الوعي وكونه وسيلة لتحقيق المكانة الاجتماعية اللائقة التي تؤهل صاحبها لتقدم الصفوف وأيضًا لحصول المرء على الوظيفة التي تدر له دخلاً محترمًا والارتقاء به والانتقال من المجتمع الزراعي أوالرعوي إلى مجتمع الموظفين. فقد أدرك الناس في السودان عامة ودارفور خاصة أهمية التعليم بعد ان كان الناس يتوجسون من التعليم الرسمي فلا يأمنون على أبنائهم وما يمكن ان يحدث لهم من إفساد في الأخلاق في فترة الاستعمار حسب تصورهم حينئذ. وقد كان التعليم في تلك الفترة مجانًا، يضاف إلى ذلك مقدرة الناس على الصرف على أبنائهم، فقد كانت الأحوال الاقتصادية مستقرة وكسب العيش سهل ولا يوجد عسر وضنك كما هو الحال اليوم. يلاحظ في هذا المقام ان عدد المدارس بدارفور كان قليلاً مقارنة بعددها اليوم وبرغم ذلك فقد كان أبناء دارفور من حيث المعدل أي بمقارنة عدد السكان بعدد التلاميذ خاصة في السبعينيات ومطلع الثمانينيات نجد أنه كان معدلاً واعدًا، إلا أن لرفع يد الحكومة عن معظم النفقات المتعلقة بالعملية التعليمية أثرًا سالبًا على تعليم أبناء دارفور وقد زاد الطين بلة التدهور الاقتصادي الذي لحق بالإقليم خاصة حيث أدى إلى عجز الأسر وعدم مقدرتها على الصرف على أبنائها مما كان سببًا في عدم تمكن الكثير من الأطفال ممن التحقوا فعلاً بالمدرسة من مواصلة مسيرتهم التعليمية، ناهيك عن اولئك الذين هم في سن الدراسة ولكنهم لم يجرؤوا على مجرد التفكير في الالتحاق بالمدرسة لمعرفة ذويهم المسبقة بحجم الأعباء المالية المنتظرة التي سوف تترتب على قيدهم، إذ لا طاقة لهم بذلك فالموارد محدودة وبالكاد تكفي لسد لقمة العيش خاصة أن مسيرة العملية التعليمية طويلة ومرهقة لمثل هؤلاء الفقراء فتوأد احلام صغارهم في مهدها. وبربط الأمر بالحالة المزرية للمدارس والبيئة غير المواتية للدراسة في معظم المدارس خاصة مدارس الريف، فإن الصورة تصبح تصريحًا وليس تلميحًا بأن التعليم قد تدهور ومستقبله صار قاتمًا وكالحًا في دارفور، علمًا بان الدولة التي تنشد التطور تنهض بأعباء التعليم الأساسي وتجعل الالتحاق به إلزاميًا إدراكًا منها بأن لا تطور ولا نهضة مع الجهل، وهذا معمول به في كل الدول التي أخذت بأسباب النهضة. ومع هذا الواقع فإن الاسر الميسورة الحال نسبيًا قد دفعها هذا الواقع المر للنزوح للعاصمة أو للمدن الكبرى خارج الإقليم من أجل توفير فرص التعليم لأبنائها مضحية بمصالحها التي أرستها في محيطها المحلي. ومن هنا يمكن الربط بين تراجع التعليم وتراجع الوعي تبعًا لذلك فطغت النعرات وانزوت بواعث الوطنية كما ان المناهج الدراسية متواضعة في مجال تعلية القيم الفاضلة وترسيخها والتمسك بموجهات الدين الحنيف. 5/ إن للضعف الذي اعترى سلطان الدولة أوبالأحرى غياب سلطان الدولة والتساهل في عنصر المحاسبة وسيادة القانون واطمئنان المتفلتين ومثيري الفتن والشقاق الذين يمثلون خميرة عكننة بين الجماعات بأن هناك حضن القبيلة الحصين فيلوذون إليه متى ما دعت الحاجة، ادى هذا الواقع إلى تنامي الحمية والاعتزاز بالقبيلة وقيمها وأدبياتها والمباهاة بالقبيلة والعشيرة بدلاً من تعلية وتزكية القيم النبيلة مثل التعاضد والتكاتف والتكافل والتراحم وتشجيع التنافس الشريف في ساحات العمل والبذل التي من شأنها صهر الناس في بوتقة الوطن الواحد وتحقيق رغبات وتطلعات الأمة ككل وتعبئة مقدرات الوطن الزاخرة وتسخيرها لتحقيق مجتمع الرفاء والسؤدد، فالوطن فسيح ومتسع بما فيه الكفاية ليستوعب الجميع. 6/ عرفت دارفور عبر تاريخها التليد بحل الخلافات التي تنشب بين الأطراف عبر الجودية، وهي طريقة تجد الرضا من طرفي النزاع، وكانت تتم بعدالة ونزاهة دون تأثر بأي عامل خارجي حيث كانت تسند لأهل الحل والعقد والحكمة البالغة ممن يتمتعون بالمهارة والفراسة فيسبرون غور الأمر المطروح بين يديهم بنظرة صائبة وضمير حي وبعد نظر، وفوق ذلك لهم إلمام بالعشائر والتاريخ المحلي والوقائع السالفة وكيف تمت المعالجة في حينها. إلا أن الأحداث الجسام التي ألمت بالإقليم أصبحت فوق طاقة هذه الآلية حتى لكأنها قد صارت من الماضي وذلك بسبب انتزاع ثلة من جيل اليوم القفاز عنوة من الإدارة الأهلية والحكماء من كبار السن وجعلوا يقفزون فوق سلم التدرج والتطور الطبيعي للوصول إلى مرادهم ليس عبر تلك الآلية المتعارف عليها وارتضاها الناس لحل مشكلاتهم التي تنشب بين الحين والآخر وإنما عبر القوة والصراع. 7/ الشاهد أن كثيرًا من الصدامات التي تحدث بين القبائل سببها المتفلتون من هذه القبائل، إذ يرتكبون جرائم لمواقف شخصية أو أطماع غير مشروعة ثم يلبسون الأمر ثوب القبلية فتنهض القبيلة متبنية الأمر فتصعب المعالجة. لا ضير في ان تساند القبيلة وتساعد وتتبنى قضايا لأفراد ينتمون إليها ممن كانوا طرفًا في نزاع او حادث غير متعمد ولكن عليها ان تمحص قبل اتخاذ أي موقف كهذا لأن هناك مع الأسف بعض المتفلتين والمجرمين يرتكبون جرائم مع سبق الإصرار والترصد لكسب ذاتي رخيص دون مراعاة لحرمة أومآلات أفعالهم تلك. وفي حال كان رد فعل الطرف الآخر عنيفًا يلجأون إلى إيهام قبائلهم بأن الأمر استهداف للقبيلة وفيه ازدراء للقبيلة وحط من قدرها وشرفها فتهب شرذمة من صغار السن متجاوبة معهم حيث يغرر بهم ويزج بهم في أتون حرب خاسرة وتتوالد الأحداث الجسام وتتناسل باسم القبيلة والحصاد خراب ودمار وإزهاق للأرواح وتيتيم للأطفال وترميل للنساء. 8/ شهدت الدول المجاورة لإقليم دارفور عدم استقرار سياسي في الفترة السابقة، وقد ادى ذلك الوضع لتسريب اعداد هائلة من الأسلحة الخفيفة إلى داخل دارفور وأصبح اقتناء السلاح أسهل من أي امر آخر، ولا يخفى أن السلاح الذي كان سائدًا هو السلاح الأبيض والذي يتمثل في الحراب والسيوف والسكاكين مما كان سببًا في قلة الخسائر البشرية عند نشوب معارك بين الأطراف وكذلك كانت السيطرة على مسرح الأحداث أسهل بالنسبة للسلطات، إلا ان الموقف اختلف بعد ورود السلاح غير المصرح به وقد أغرى هذا السلاح الشباب وأحدث زهوًا في النفوس فأصبح معه من السهل وقوع معترك يخلف وراءه ضحايا كثرًا. إن انتشار السلاح بالإقليم مصيبة كبرى أحدثت تحولاً في النزاعات جرَّت الإقليم إلى ما هو عليه الآن. برغم الضنك المعيشي والفقر المتنامي إلا أنه ليس من قبيل إذاعة السر القول بأن القبائل أصبحت تتسابق في اقتناء السلاح حتى تحمي نفسها من بعضها البعض ومن التمرد الذي طوق الإقليم. 9/ إن التمرد الذي اجتاح الإقليم في العام ثلاثة وألفين كان عنوانًا للإحباط واليأس الذي تولد نتيجة لكل ما تم سرده آنفًا وأيضًا جاء مسايرًا للمناخ الذي أحدثه تمرد الجنوب ورضوخ الحكومة لمطالبه فساد الفهم والاعتقاد بأن الحقوق لا تُنال إلا عبر رفع السلاح في وجه السلطة القائمة، ولكن كان لعدم توحد القيادة وغياب الإستراتيجية اثر سيئ على التمرد نفسه وعلى الإقليم مما حدا بكثير من الحركات لتتصرف ليس كأصحاب حق مفقود ومظلمة يراد دفعها وإنما كقطاع طرق وعصابات يقتلون وينهبون ويستحلون كل شيء مما أفقدهم تعاطف المواطنين الذين نُكل بهم وسُلبت أموالهم وزُرعت الفتنة بينهم وأُرغمت طائفة منهم على النزوح من ديارها، وتضعضعت الثقة وتراجعت الإلفة بين مكونات المجتمع الإثنية وتهتك النسيج الاجتماعي الذي كان محكم الرتق وزادت معاناة المواطن أيما معاناة ولقد أصبحت الحركات مشكلة في حد ذاتها بدلاً من أن تسعى لحل مشكلة الإقليم التنموية والسياسية والاجتماعية كما يزعمون، فكثير من الحركات المنشطرة لا هم لها إلا أن تعيث فسادًا في الإقليم. 10/ إن أبناء دارفور كانوا من أوائل المنادين بتقصير الظل الإداري وإشراك المجتمعات الطرفية في عملية صنع القرار السياسي والإداري للدولة، فكانت أشواقهم بأن يكون لهم دور في الحكم بحيث يتمكنون من التعبير عن أنفسهم وإبراز رؤاهم وإدارة شؤونهم الحياتية. وببزوغ الحكم الفيدرالي استبشروا خيرًا بأن الحلم أصبح واقعًا إلا أن الانبهار به لم يدم طويلاً فبمجرد ان تم تقسم الإقليم لولايات ومحليات حتى برزت في السطح المماحكات والعصبيات والمحاصصة والمطالبات بأن تكون لكل منطقة أوعشيرة وحدة إدارية فلم تعد المحليات تنشأ على أسس موضوعية تمكنها من الاستمرار والنهوض بمسؤولياتها وتحقيق ما كان يصبو اليه الناس ويراد لها من تنمية وتطور. كما أن الولايات محدودة الموارد وتعتمد على المركز فليس هنالك استقلال حقيقي مما أفرغ الغرض من إنشائها من محتواه، بل ان الحكم الفيدرالي جلب للمحليات والمجتمعات المحلية أعباء مالية لا طاقة لها بها، فالمحليات تشكو لطوب الأرض العوز والفقر المالي فتلجأ لفرض ضرائب ورسوم على المواطن المغلوب على أمره لتسيير دولاب العمل خاصة أن الصرف على التعليم أسند للمحليات، فبدلاً من إحداث حراك تنموي على مستوى المحلية أضحى هنالك مزيد من التخلف والتراجع فانطبق عليهم المثل القائل حشفًا وسوء كيل. 11/ كان ولعهد قريب يتباهى السودانيون عمومًا بان هناك ثوابت تميزهم عن غيرهم تتمثل في النزاهة والأمانة وعزة النفس والشهامة وهناك حكايات لمواقف توثق لهذه القيم خاصة للسودانين العاملين في دول المهجر، والاعتقاد السائد أن هذه الثوابت لا تتزحزح ولا تهتز مهما كانت مغريات الحياة وصروف الدهر فقد ورثت ابًا عن جد. إلا ان الأمر ومع ضغوط الحياة أصبح فيه نظر، فقد تغيرت رؤية الناس للحياة وقد عادت للحياة فتنة تأسر وتجذب جيل اليوم فكثير من الشباب يرى ان الحياة حلوة نضرة تستحق العناء والخروج على المألوف فزاد جري الناس وراء الرفاه الاقتصادي فما عاد الفرد من جيل اليوم يرضى بالسكن في منزل الطوب الأخضر او القش ولا يرضى بأن تكون وسيلة انتقاله الحصان أوالحمار، وقد تأثر الناس بما رأوه في دول المهجر بعد الانفتاح على العالم الخارجي بسبب الاغتراب هذا التحول ونتيجة للتطور الطبيعي الذي يفرضه مقتضى الحال فقد أصبح الدافع للكسب المادي قويًا وصارت هنالك نوازع ذاتية يستشعرها المرء في داخله وهذه البواعث تحثه باستمرار على الوصول للهدف المادي فيعبر سريعًا القيم والمُثل والوازع الأخلاقي. وهذا المشهد متصور في الساحة الدارفورية في وضعها الماثل. وليس تأويلاً القول بأن الناس تأثروا بما تبثه الفضائيات من قيم مادية وعكس لمسارح الحروب التي تدور في أرجاء المعمورة، كل ذلك كان له دور في إذكاء روح الاقتتال والعداوات بين أبناء الإقليم. 12/ وأخيرًا يشار إلى أن هنالك غبنًا يشعر به بعض منسوبي القبائل جراء المعاملة الرسمية غير المتساوية بين القبائل مما جعل شيئًا من حتى عالقًا في نفوسهم. هذه العوامل مجتمعة ولدت حالة التصادم والتنافر وعدم الرضا بالآخر، وسوف نعود لنتلمس سبل الالتقاء والتصافي والتصالح كما كان الحال قبل حدوث هذه الفتنة الكبرى التي قعدت بالإقليم بل ورجعت به القهقرى في كل مناحي الحياة.