قادت الحرب التي اشتعلت بدولة الجنوب الوليدة العديد من الوساطات للظهور على سطح طاولة الحلول التي طُرحت لإيجاد حل ناجع لها.. والتي بدأت بوفد الوساطة الإفريقية لوزراء دول «الإيقاد» والتي تتكون من وزراء دول «إثيوبيا، السودان، كينيا، يوغندا، جيبوتي والصومال، إلى جانب مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان وجنوب السودان. بعد انتهاء جولة دول الإيقاد التي هدفت لنزع فتيل الحرب الدائرة بين فصائل الجيش الشعبي المناصرة للرئيس سلفا كير، والأخرى التي تؤيد النائب السابق رياك مشار، خرجت بضرورة التشديدعلى مبدأ الحوار كوسيلة لحل الأزمة الراهنة، إلا أنها فشلت في إيجاد آلية للحوار مع الرئيس سلفا، وعودة الوفد دون التوصل معه إلى حل سياسي ينهي الصراع المسلح الدائر في دولة جنوب السودان، إلا أن الطرف الآخر رحب بمقترح الوساطة الذي يتضمن وقف القتال وإطلاق سراح المعتقلين، وعقد مؤتمر عام للحركة الشعبية الحاكمة إضافة إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، وهو ما تحفظ عليه سلفا كير. تدافع الوساطات التي من بينها زيارة وفد الخارجية السوداني ولقاءه بالرئيس سلفا كير والتباحث معه حول سبل علاج الأزمة الراهنة في الجنوب بشكل سلمي، والتماس الوفد استعداداً كاملاً وإشارات إيجابية من الرئيس كير للحوار «غير المشروط» مع الطرف الآخر ووقف العدائيات وابتدار حوار سياسي شامل، تفرض سؤالاً جوهرياً، أي هذه الوساطات تملك مفاتيح حل الحرب بالجنوب؟ والذي عندما طرحناه على الخبير الإستراتيجي د. محمد حسين أبو صالح كان اعتقاده جازماً بأن السودان هو من أكثر الدول التي تفهم طبيعة دولة الجنوب، وربط ذلك بثلاثة اتجاهات؛ أولها تأثر مصالح السودان بهذه الحرب بصورة مباشرة وبما يدور فيه من أوضاع من عدم استتباب الأمن وغيرها، أيضاً أكد أنه يجب على السودان أن يقدم رؤية متكاملة عبر مبادرة للحل القاطع لما يدور في الجنوب، بينما ربط الاتجاه الأخير والحديث لمحمد أبو صالح بضرورة أن تقدم كل المبادرات التي يتم اقتراحها عن طريق السودان.. تسارع وتيرة الأزمة السياسية والإنسانية التي تواجهها دولة الجنوب، جعل تحالف المعارضة السودانية في السودان يعلن اعتزامه إرسال وفد إلى دولة الجنوب لتقديم مبادرة لنزع فتيل الأزمة، والتي تزامن معها لجوء سلفا كير ل د. حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي للوساطة بينه وبين خصومه داخل حزب الحركة الشعبية، خاصة رياك مشار، وباقان أموم، ودينق ألور، في ظل العلاقة التي تربط بين كير والترابي، وأخيراً اعتزام رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني التوسط بين أطراف النزاع في دولة الجنوب بإرساله وفداً إلى جوبا لحث الأطراف على انتهاج الوسائل السلمية والحوار لحل خلافاتهم.. الحديث عمن له الأحقية باقتراح الحلول ومحاولة إيقاف الحرب بالجنوب، دعت أستاذ العلاقات الدولية د. صفوت فانوس خلال حديثه للصحيفة أن يتخذ طريقاً مغايراً لما هو متوقع، بقوله إن المبادرة من الأجدر أن تأتي من الاتحاد الإفريقي باعتباره أنه مجلس السلم والأمن منوط به حفظ الأمن والسلم في الدول الإفريقية، مشيراً إلى أن الجهود ستصبح أكثر قوة إن وجدت الدعم من مجلس الأمن الدولي الذي حسب الأممالمتحدة وتراتيبية النظام العالمي وبشكله الراهن تسيطر عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية مع عدم إنكار دور روسيا والصين في ذلك، مؤكداً والحديث لفانوس أنه يجب على هذه الجهات أن تعمل وتنسق مع بعضها لإجبار طرفي النزاع لوضع السلاح وإيجاد حل قاطع لوقف رحى الحرب الدائرة.وفي ذات سياق الوساطات الإقليمية والدولية أعربت الجامعة العربية عن استعدادها الكامل للمساهمة في أي جهد إفريقي ودولي يهدف إلى استقرار دولة الجنوب انطلاقاً من العلاقات والروابط التأريخية بين جنوب السودان والوطن العربي، وقناعة منها بأن استقرار الأوضاع في الجنوب ينعكس إيجاباً على جواره العربي والإفريقي. وفي الوقت نفسه قام مبعوثان أحدهما الأمريكي دونالد بوث والثاني نيجيري بمساع دبلوماسية من المجتمع الدولي من أجل تفادي امتداد الحرب الأهلية، وبدوره حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الحوار، وبث قلقه ازاء تطور الأحداث وتدهور الوضع الأمني وقتل المدنيين. إلا أن الشاهد يشير إلى أن النزاع القائم في دولة الجنوب هو نزاع قبلي، والذي من شأنه إفشال أي وساطة لحلها، ولا يمكن النظر إلى الصراع السياسي الحالي في الجنوب على اعتبار أنه وليد اللحظة الراهنة؛ وإنما هو تراكم لخلافات سابقة ألقت بظلالها السالبة على هيكل دولة ما زالت تحت قيد الإنشاء.