قبل ثمانية أشهر قال: أيُّها الشعب الليبي أنتم «جرذان».. ويومها قابل الشعب ذلك بعبارة: « قول لمعمر وعيالا، ليبيا فيها رجالا»!! ثم مضى القذافي بزئبقيته المعهودة وما يعانيه من الانفصام، في إعمال ترسانته العسكرية باتجاه شعبه الأعزل.. تقتيلاً وحشياً بشعاً، وتمادى في تدمير ليبيا ( «شبر شبر، وحارة حارة، وزنقة زنقة»، لا لشيء إلا لأن الشعب ضاق بسنوات حكمه الأليم، والتي لم يقل فيها يوما :«أيُّها الشعب الليبي البطل» ... ولما لم يكن أمام الشعب غير الانفجار في وجه حكم القذافي البغيض كان لابد أن يقابل السلاح بالسلاح، وتبعاً لذلك انتظم الشعب خلف ما عرف بكتائب الثوار الذين زحفوا نحو معاقل القذافي ولم يلين لهم عزم رغم توجيه القذافي وأعوانه نحوهم أفتك أنواع السلاح، ويمضي مجد الثوار نحو النصر خطوة تلو خطوة والقذافي الذي كان يظن أن لن يقدر عليه أحد... بدأت تتلاشى قوته ويفقد الأرض شبراً تلو شبر، حتى جاء اليوم الذي خرج فيه من أنبوب للصرف الصحي «كالجرذان» ... والثوار مازالوا يذكرون حديثه قبل ثمانية أشهر أن يأيُّها الشعب الليبي :« أنتم جرذان»!! وبسقوط الطاغية... كان لابد أن تستعيد ليبيا مجدها، ويتنسم شعبها عبق الحرية بعد أفول ليل العبودية الطويل ، وكان لابد أن يلتفت القادة للمسؤولية التاريخية بسعيهم نحو طريق المصالحة الوطنية وبناء مستقبل ديمقراطي قوي، بسموهم فوق الجراحات والمرارات، منطلقين من فرضية تفويت الفرصة على كل من يحاول تصوير أن هناك صراعاً أيدلوجياً أو طائفياً أو قبلياً... خاصة بعد أن لاحت بعض محاولات لدول الغرب بإزكاء نار الفتنة بين طوائف ومكونات الشعب الليبي... وتسليط أضواء خبيثة تعكس بهتاناً أن هناك مواجهات وشيكة بين الإسلاميين واللبراليين، وبين القبائل والطوائف المختلفة... ومن المهم كذلك أن تُكرّس الجهود كافة نحو جمع سلاح الثوار كضرورة ملحة في حال انتفى الغرض من حمله وأضحت جميع المدن محررة، وعدم الالتفات للأصوات التي تنادي بضرورة الإبقاء على الأداة التي جعلت من الشعب الليبي حراً ولا يستطيع كائن من كان أن يسلبه بعد اليوم كرامته، وتبقى فرضية تجريد الشعب من السلاح ملحة، لكي يلتفت نحو بناء دولته المدنية ويعيد تعمير ما دمرته الحرب، على أن يفوض الشعب بطوعه وإرادته من ينوب عنه لتسيير دولاب الدولة وحفظ أمنها وسيادتها، وبذلك ينتهي بالضرورة تفويض الأممالمتحدة لقوات حلف الناتو الذين استباحوا سماء ليبيا وانتهكوا سيادتها ليالي وأياماً ثقالاً... وأخيراً أقول: حق لدول جوار ليبيا أن يفرحوا بزوال نظام القذافي الذي لم يسلم من شره قريب أو بعيد، وحق لنا نحن في السودان أن نحتفل بأفول نجم الطاغية، وقد تأذينا بتدخله السافر في شأننا الداخلي ولم نسلم كذلك من لسانه ويده، ويبقى أن نقابل شكرنا لنعمة أنعمها الله علينا بمقتل القذافي، بأن نعين أخوة لنا في ليبيا بالنصح ، حتى إذا مكّنهم الله من العباد وجعل لهم قسم المُلك وتاجه وطاعته.. أن لا يغتروا بذلك، ولا يدخلهم الزهو الشديد، وليكن ما آل إليه مصير القذافي عبرة لمن أراد أن يعتبر ليس لمن سيحكم ليبيا فقط... بل لكل حكام الدول العربية والإسلامية... من طغى منهم وتجبر، وقال لشعبيه: « أنتم جرذان»!!