الندوات التي تعقد عن الاعتداء على الأطفال تجيء في وقت يتعرض فيه الأطفال إلى اعتداءات وحشية.. والآراء التي تصدر عن العلماء والاختصاصيين تضع ذلك السلوك السالب تحت المجهر وتضع المجتمع كله تحت مسؤولياته التربوية والإنسانية. والحال هكذا أرجو أن نواجه الحقائق بمسمياتها وألا نتخفَّى تحت عبارات بالية باهتة مخدرة تقول إن تلك الجرائم دخيلة على مجتمعنا المسلم النظيف. إن أي مجتمع مهما كانت نظافته لا يمكن أن يصمد للمتغيرات اليومية إذا لم يبذل جهداً للاعتراف بتلك المتغيرات وما يتلمسه من رياح مدمرة تعصف بما نسميه أخلاقنا السودانية الحميدة. إن العالم الذي نعيش فيه اليوم عالم مضطرب... قلق... يفتقر إلى الأمن في كثير من جزيئاته. فالحاجة إلى الأمن الغذائي والأمن الصناعي والأمن الصحي والأمن الذي يمارس تحت ظله الإنسان حياته وهو لا يخشى ألا يعود إلى بيته والأمن الاقتصادي والأمن النفسي كلها حاجات ملحة ومفقودة في عالم اليوم. والجريمة بأنواعها والمخدرات بشتى صنوفها وأضرارها... والهجوم الإعلامي المكثف على الغرائز وإثارتها بالصور الثابتة والمتحركة.. والإعلانات التجارية المحتشدة بإيحاءاتها الجنسية والحروب بأشكالها وأنواعها كلها تأكل من المخزون العصبي للإنسان... كل شيء يحكمه توتر عام وقلق عام والخوف مما يضمره الغد. وتحت هذه الظروف وهذه المؤثرات تتحرك المشاعر العدوانية عند بعض الأشخاص وهم يشعرون أن الآخرين هم الجحيم... وتتحول المدينة إلى غابة.. وتتحول تلك المشاعر العدوانية إلى سلوك يليق بتلك الغابة. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان.. ولماذا أخذ العنف يتجه نحو الأطفال؟ هل لأنهم يمثلون البراءة في عالم خلت قسماتُه من الجمال والوسامة.. وهذا في حد ذاته مثير لبعض الناس؟ لقد وصل الاعتداء على الأطفال إلى تبني جمعية من الجمعيات تطلق على نفسها اسم جمعية محبي الأطفال Pedophile Society في مدينة بوسطون بولاية نيويورك وهي تنادي بممارسة الجنس مع الأطفال ويرفعون أقذر شعار عرفته البشرية وهم ينادون بأن ممارسة الجنس مع ذوي الثماني سنوات متأخر جداً Sex at eight is already late فتصوَّر. هل هناك انحطاط أبعد من هذا؟ ما الذي يدفع إلى مثل هذا الانحراف الذي يستهدف الأطفال؟ وهذا ما نريد أن نعرفه من المنتديات كالذي اليوم ولعله يكون فاتحة لمناقشة قضايا اجتماعية جوهرية لُذنا بالصمت حيالها تحت بند المسكوت عنه وتحت دعاوى واهية أن ما يحدث دخيل على عاداتنا وتقاليدنا. ولنفترض أن ذلك صحيح، ألم يكن هذا مؤشر اختراق لتلك العادات والتقاليد؟ لقد هبَّت علينا رياح صفراء من صندوق باندورا الممتلئ بالشرور. إن أبواب الحرية الجنسية التي نشاهدها على بعض الفضائيات قد فتحت على مصاريعها ليمر من خلالها كل شذاذ الآفاق والمنحرفين أخلاقياً والذين يملكون شهوة عارمة لتدمير المجتمع. إن التقدم الحضاري مهما بلغ من مراتب فإنه يظل دون فائدة إذا سُلب الإنسان إنسانيته وإذا فشل في بناء علاقة بين الإنسان والمحيط الذي يعيش فيه.. إن الذي يلوث البيئة ويدمرها والذي يتاجر في السموم والمخدرات والذي يزرع الموت ويسفك دماء الأبرياء هم في الواقع نفايات ذلك التقدم الحضاري الذي يفتقر إلى القيم الروحية وهو لا يستطيع أن يحتمل الآخرين. فهل تسرب إلينا ذلك الوباء العالمي مثلما تتسرب إلينا انفلونزا الخنازير أو المعيز وما سيأتي؟