بدءاً يحمد للحكومة أنها سمحت بعرض تقارير المراجع العام على البرلمان والسماح للوسائط الإعلامية بنقل حيثياتها دون تدخلات أو حجب بعض منها، ولكننا نخشى أن يتدخل أحد عباقرة الخطوط الحمراء والستائر المتعددة ويقنع الحزب الحاكم أو الجهاز الحكومي بسنسرة ما يقدم من تقارير بعد أن يحول تلك الجلسات العلنية إلى مغلقة بحجة أن أعداء النظام قد يستغلون هذه التقارير التي تشير إلى الفساد ومكامن الخلل ضده ويزايدون عليها، مع العلم بأن نشرها مؤشر للشفافية وتأكيد على جدية الحكومة في الإصلاح ومعاقبة المفسدين، في حين أن دفن الرؤوس في الرمال واستخدام الستائر الكثيفة لن يفيد النظام، بل سيعمل على زيادة تفريخ الشائعات والمزايدة على الفساد، كما سيغلق كوة الأمل نحو الإصلاح. ونحسب أن الكثيرين يرون أن ما يعلنه المراجع العام يمثل رأس جبل الجليد من التجاوزات المالية، باعتبار أن المراجع العام يعمل وفق ما هو متاح من مستندات وكشف الحساب الختامي الذي يقدم له، وما يطلع عليه من تجنيب للمال العام وفق الحسابات المفتوحة في المصارف لتلك المؤسسات المتجاوزة، كذلك فإن الكثيرين يتساءلون عن مدى فاعلية تقارير المراجع العام وهل تهتدي بها السلطات في معاقبة المفسدين وإبعاد العناصر التي ساهمت في تبديد المال العام؟ لكن فلنترك الإجابات للقراء والمراقبين بل للحكومة نفسها، ولندلف إلى ملامح مختارة من تقرير المراجع العام في الفترة من 1/9/2012م إلى 31/8/2013م على المستوى القومي والولائي، حيث شكلت التجاوزات نسبة زيادة عن العام الماضي بمبلغ «32» مليون جنيه. وكشف المراجع العام عن امتناع ست وحدات حكومية عن المراجعة منها شركة كنانة «أبينا عديل»، وأشار إلى أن خمسين وحدة لم تقدم حساباتها الختامية حتى يوم الثلاثاء أول أمس موعد تقديم التقرير للبرلمان «نقدمها عشان تفضحنا»، وأشار إلى استمرار مسلسل التجنيب «معقول نسلمها كلها للمالية»، وقال إن المبالغ المجنبة في عام 2012م على المستوى القومي والولائي بلغت «284.4» مليون جنيه و «12.1» مليون دولار و «134.4» ألف يورو «كمان جابت ليها تجنيب بالعملة الصعبة» وربما هذا المبلغ يغطي حجم العجز الذي تدعم به الحكومة الوقود. وأشار المراجع إلى أن عشر وحدات حكومية مازالت تمارس التجنيب خارج الموازنة «قوة عين عديل»، كما كشف المراجع عن وجود «15» شركة وهيئة حكومية عائداتها صفرية رغم وجود ربط لها في الموازنة، مما يعتبر مخالفة للقانون «يعني منتهية وتغرف من الموازنة»، بينما هناك «16» وحدة حققت أداءً فعلياً إلا أنه لم يعكس ذلك في الحسابات الختامية «يعني إيرادات غير معلنة»، وكشف التقرير ضريبة جديدة ابتدعها ديوان الضرائب باسم ضريبة «المخلص» يتم توريدها باعتبارها أمانات متنوعة باسم الديوان بلغت قيمتها «4.9» مليون جنيه تم إخفاؤها عن المراجعة «حقتنا برانا مالكم بيها»، لكن الفاجعة هي عندما أشار المراجع العام في تقريره إلى عدم وصول الدعم الاجتماعي لبعض الشرائح المستهدفة الذي بلغ «30.9» مليون جنيه أي ثلاثين وتسعة من عشرة مليار بالقديم «دي كان ممكن تدفع على الأقل مصاريف المدارس»، وكشف المراجع العام أيضاً عن تجاوزات في صرف الحكومة في بنود السفر والمؤتمرات بنسبة 23% من المعتمد، وتجاوزات في المصروفات الإدارية والمصرفية بنسبة 930% من المعتمد «صرف رغم أنف سياسية الترشيد وربط الأحزمة»، كما أشار المراجع إلى اختلاف في الأسماء بكشف الأجور والسجل الاسمي، فضلاً عن استمرار سداد مرتبات لمبعوثين على الرغم من انتهاء فترتهم أو لم يتم التجديد لهم «يعني فهلوة وشطارة». وعلى صعيد آخر اتهم المراجع العام وزارة المالية بالتسبب في تحميل البلاد مصاريف إضافية تبلغ «28» ألف يورو غير مبررة بعدم الحرص والمتابعة في عمليات إعادة تأهيل مصانع النسيج الحكومية «حالتها هي ولي أمر المال في الدولة». أخيراً تلك ملامح مختصرة عن تقرير المراجع العام مصحوبة بتعليقات كبسولية قصيرة، فهل يصبح تقرير المراجع العام هذه المرة مرجعية أساسية في العدالة لكل بنوده وهدى للإصلاح الإداري والمالي للدولة؟ أم أن التقرير سيلفه النسيان ولن يتذكره أحد إلا عند التقرير الجديد، وعندئذٍ «فإن الهمباتي بتاع شعار كلو بالقانون أبو شال ذهبي سيقول مغتبطاً يا جماعة تقرير شنو الشغالين به، نحن البنعملو ما بنخليهو.. على الطلاق التقرير ده ثقافة بنستفيد منها في لعبنا».