في كل يوم ينتظر فيه تقارب الشقة بين أطراف النزاع في دولة جنوب السودان ولملمة اطرافه التي يخشي معها تشظي البلد الوليد إلى دويلات، تتباعد الأطراف وتتسع هوة الشقاق بين الحكومة برئاسة سلفا كير ميارديت ونائبه السابق وخصمه اليوم رياك مشار، وآخر الأنباء المحبطة في هذا الصدد هي إلغاء قمة الإيقاد التي كان من المنتظر أن تعقد على مستوى الرؤساء اليوم بجوبا، وفقاً لوزارة الخارجية السودانية. ولكن التطور اللافت في القضية الجنوبية هو الانتقادات الحادة والقوية التي وجهها سلفا لبعثة الأممالمتحدة في الجنوب «اليونمس»، متهماً إياها وفقاً لصحيفة «سودان تربيون» بمحاولة الاستيلاء على جنوب السودان، وأنها ترغب في أن تكون حكومة لدولته، ولم يستبعد أن تسمي المنظمة الأممية رئيسة بعثتها هيلدا جونسون رئيساً مشاركاً بدولة الجنوب، وأضاف سلفا أنه في حال كان ذلك موقفاً يمثل الأمين العام للأمم المتحدة، فينبغي أن يكون واضحاً بشأن رغبة الأممالمتحدة في الاستيلاء على دولة الجنوب، واتهم المنظمة الأممية بمعاملة مشار كأنه قائد حكومة. الزميلة «السوداني» في عدد الأمس نقلت من موقع «بلاك أجندة» ما يعزز حديث سلفا بأن دوائر استخبارات إفريقية ستقدم أدلة لمجلس الأمن والأممالمتحدة حول مساعدة موظفي الأممالمتحدة لمشار، وأضافت أن سفارات غربية على صلة بمشار، ولما كانت التهمة التي وجهها سلفا لمشار وبموجبها اعتقل مجموعته وفي مقدمتها الأمين العام للحركة الشعبية باقان ووزير رئاسة الجمهورية السابق دينق ألور ووزير المالية السابق كوستا مانيبا، ورغم أن واشنطون تحفظت على وصف ما حدث في جوبا إذا كان انقلاباً أم لا، إلا أنها أخيراً وعلى لسان الناطق الرسمي باسم وزارة خارجيتها قالت في الأسبوع الماضي إنه لا توجد أدلة على أن ما حدث في جوبا انقلاب. وكل تلك المستجدات تطرح السؤال عما إذا كانت واشنطون قد استدارت مائة وثمانين درجة عن موقفها المؤيد لسلفا واتخذت موقفاً لصالح مشار، ووظفت الأممالمتحدة لتحقيق مساعيها تلك. فلا تذكر الأممالمتحدة إلا وتذكر الولاياتالمتحدة بالدرجة الأولى، لأنها الممول الرئيس للمنظمة الدولية، وتالياً نادى الاتحادي الأوروبي الممثل بدولتين في مجلس الأمن الدولي، ولا يمكن للمنظمة الدولية ان تخطو اية خطوات ذات شأن دون ان تأخذ الضوء الأخضر من واشنطون، لاسيما أن دولة الجنوب صنيعة امريكية بامتياز، وسبق لها ان تغاضت عن رفض واشنطون تقديم التأشيرة للرئيس عمر البشير للمشاركة في أحد مؤتمراتها بمقرها في نيويورك، رغم أن اتفاقية المقر بين الطرفين لا تخول لواشنطون منع أي رئيس دولة عضو في المنظمة من المشاركة، وفي البال رؤساء دول امتد تحالفهم مع واشنطون لعقود آخرهم الرئيس المصري المخلوع حسني الذي تخلت عنه واشنطون لتطيحه ثورة 2011م الشعبية، ولم تستجب حتى لشفاعة حلفائها من الدول العربية وإسرائيل كما ورد في مذكرات وزير الدفاع الامريكي قيتس التي نشرها أخيراً، بيد أن الخبير الإستراتيجي حسين كرشوم له رأي مغاير، فهو يرى أن خطاب سلفا الذي انتقد فيه الأممالمتحدة كان من داخل معسكرات المنظمة، على إثر قيام المنظمة بفصل الدينكا عن النوير، الشيء الذي يراه سلفا عاملاً لتأجيج الصراع الإثني، بينما فسرته المنظمة بارادتها لدفع اي احتكاك بين الطرفين، وسبب آخر ساقه حسين لغضب سلفا متمثل في تأخر قدوم الأعداد الإضافية من الجنود ل «اليونمس» التي أقرتها المنظمة أخيراً ويزيد عددهم عن خمسة آلاف عنصر بالتقريب، فسلفا يريد أمرين، الأول أن تأتي هذه القوات اليوم قبل الغد، وثانياً وهو الاهم أنه يريد منها أن تقاتل الى جانبه لسحق التمرد الذي يواجهه، تماماً مثلما فعلت قوات المنظمة الأممية في الكنغو حيث شاركت مع حكومتها في القضاء على التمرد هناك، وذلك في الواقع يخالف مهمة «اليونمس» المتمثلة في حفظ السلام ولها قواعد في عدد من الولايات كجونقلي والوحدة واعالي النيل. ونفى أن يكون لواشنطون موقف محدد من الفرقاء في الجنوب، فالدولة الجنوبية أحد انجازاتها، وهي حريصة على سلامتها وتطورها، بيد أن التمرد الأخير أربك حساباتها، لأنها لم تكن تتوقعه، ولا ينفي هذا وجود أصوات في الحكومة الأمريكية ترى أن سلفا قد انقلب على قيادة الجيش الشعبي، وأبعد أطرافاً لها صلة بالمملكة المتحدة مثل دينق ألور وباقان أموم، وبسؤاله عن أن تطور الأحداث الذي قد يفضي لتشظي الدولة الجنوبية ألا يدفع واشنطون لنصرة طرف على آخر حفاظاً على الدولة نفسها، قال حسين إن واشنطون حريصة على انجاز تسوية سياسية لتأسيس حكومة قومية في الجنوب، فهي تدرك جيداًً مدى خطورة العامل الإثني في الجنوب، كما أن الأحزاب اتفقت مع حكومة سلفا على الحكم القومي عشية الاستقلال، وعزا التصريحات الأمريكية بعدم وجود دليل على الانقلاب إلى أنه بالفعل لا توجد أية حيثيات موضوعية تؤيد وقوع انقلاب في الجنوب. ويبدو أن تصريحات سلفا الحانقة على الأممالمتحدة قد تشير إلى أن وضعه العسكري غير مريح رغم أن حليفه يوري موسفيني قد ألقى بثقله في الصراع الجنوبي الجنوبي، وطالما كان الحال كذلك وواشنطون التي تفاخر بدورها في ميلاد دولته تقف على الحياد، فإن سلفا قد يجنح للمهادنة ويطلق سراح مجموعة مشار، رغم إصراره الظاهر على مسألة التحقيق معهم. Clojure Docs: Returns non-nil if nums are in monotonically decreasing order, otherwise false. →