حالة الشد والجذب التي امتلأت بها الساحة السياسية حول رؤى متفق عليها للخروج من الأزمة السياسية الحادة والتي تمخض عنها اتفاق الأحزاب السودانية المعارضة على أهمية تشكيل حكومة انتقالية تستوعب ألوان الطيف السياسي كافة، ومن ثم مشاركتها في الانتخابات مثلت هبوطاً آمناً وخطوة انتقائية لم تكن متوقعة منها لحل قضايا الساحة السياسية. التطور المتواتر للأوضاع أثار العديد من التساؤلات ذات التقاطعات الجذرية التي تحمل بين طياتها المغزى من قبول الحزب الحاكم لهذا الاقتراح، وهل من تنازلات تمت لأجله؟ مجمل هذه الاستفسارات عندما وجهناها للقيادي بالمؤتمر الوطني د. إسماعيل الحاج موسى خلال حديثه للصحيفة أكد أن الساحة السياسية أفضل من أي وقت مضى، على الرغم مما أثاره خطاب الرئيس من لغط ولبس في إدراك معانيه، مستدركاً بقوله إن الجو العام الذي قُدَم فيه والحضور الذي أَمهُ، وكذلك حضور الفرقاء بشّر بأن القلوب والعقول مفتوحة والحاجة الملحة لإيجاد التوافق السياسي، مستنكرًا أن تكون هنالك تنازلات من قبل المؤتمر الوطني مدللاً بدعوته لاستمرار استقطاب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني للحوار الهادف. إذن كل الرؤى تتفق في أن المخرج الحقيقي من هذه الأزمة التي تمر بها الدولة تكمن في تكوين حكومة انتقالية تجمع كل فرقاء الوطن من تنظيمات سياسية، ومنظمات مجتمع مدني، وحتى من عامة الشعب بكل أعراقه وأثنياته عبر برنامج إسعافي عاجل لمعالجة كل الأزمات التي تمر بها الدولة السودانية، من أزمات اقتصادية وحروبات تدور في جبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق ودارفور. يعتقد بعض المراقبين أنه وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي يعتري العلاقة ما بين قوى المعارضة السودانية والنظام الحاكم، إلا أنها دوماً تؤكد أن موقفها منها لم يتغير حتى بعد كشف المؤتمر الوطني عن نيته إجراء حوار وطني مع القوى السياسية كافة، يجعل الرؤية غير واضحة من مدى سعي الأولى للمشاركة في الفترة الانتقالية، وهي تدعو إلى إسقاط النظام الحاكم إن لم يتم تنفيذ شروطها الأربعة التي وضعتها كجسر لتهيئة المناخ للحوار لتجاوز الأزمة الوطنية، وهذه الشروط تمثلت في إلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين والأسرى، والتحقيق في قتلى (انتفاضة سبتمبر) الماضي، ووقف الحرب والشروع الفوري في مفاوضات غير مشروطة لإنهاء القتال مع الحركات المسلحة، وقيام وضع انتقالي كامل يجسد الإجماع الوطني كخطوة نحو الإصلاح السياسي والدستوري. هذه الشروط جعلت د. صفوت فانوس أستاذ العلاقات الدولية يشير إلى صعوبة التنبوء بما سيحدث من تطورات، ولكنه أكد إمكانية قيام حكومة انتقالية في المدى القريب إذا اتخذ النظام الحاكم خطوات عملية تجاه اشتراطات القوى المعارضة بمنح الحريات كافة حتى تستطيع الأخيرة القيام بدورها المنوط بها، مشددًا على ضرورة تكوين لجان وطنية لوضع الدستور المقبل. كل المؤشرات تبرهن على أن السودان مقبل على هيكلة بناء جديدة تقوم على أُسس مختلفة تماماً عن ما كان عليه في السابق، وهو ما يضع خطاب رئيس الجمهورية بين مطرقة تنفيذ الوعود والسعي للوفاق الوطني، وسندان التنازلات التي طالما نادت بها بعض القيادات السياسية حمايةً للسودان من المزيد من التشرذم والشتات، خاصة وأن الخطاب أحدث حراكاً قوياً بين الأحزاب المناوئة للحكومة والمعارضة لها، والتي وصفها بعض المتابعين للساحة السياسية بأنها تعتبر خطوة إيجابية تصب في إطار الخطوات العملية لتنفيذ مبادرة الحوار الوطني الشامل. الكثير من المفاجآت تحملها الأيام المقبلة، والتي (قد) تكون فيها الإجابات الشافية لكيفية تكوين حكومة انتقالية، وهل ستستقبل الأحزاب المشاركة إن لم يتم قبول بعض من شروطها؟ أم سيتنازل المؤتمر الوطني من قصره العاجي ويقبل بشروطها درءًا لمزيد من التمزق ورتقاً لنسيج الحركة السياسية في السودان.