الوجبات السريعة، الطرق السريعة، البريد السريع، القطار السريع، الحرب الخاطفة، اغسل سيارتك في دقيقة، تحميض الأفلام في خمس دقائق التنظيف الجاف السريع إجراء عمليات جراحية وأنت في طريقك إلى العمل عش سريعاً ومت صغيراً.. ألخ. لماذا هذه السرعة، ولماذا هذا الجري؟ ومن أين وإلى أين؟ وهل الدنيا طارت؟ هل السرعة هي صيحة إنسان هذا الزمان الذي يُعرف بعصر السرعة؟ كل يوم يحقق فيه العلم شيئاً جديداً فهو في مجال اختصار الوقت وتقصير الزمن وصار الناس يعيشون في جيوب زمنية عبارة عن كبسولات صغيرة تنقلهم من محطة إلى محطة وهم يلهثون ثم يقضون ما تبقى من وقت بحثاً عن شيء يقتلونه به. ولم يبق إلا أن يطالب الإنسان بيوم سريع ينتهي في أقل من أربع وعشرين ساعة وسنة تمر سريعة تنتهي في أقل من أربعة أشهر. إن عصر السرعة قضى على استمتاعنا بالزمن.. وأذكر أنني عندما كنت في كندا التحقت بكورس لتعليم القراءة السريعة.. هذا الكورس يمكنك من قراءة كتاب كامل في خمس دقائق أو أقل وهي طريقة تعرف بالقراءة الرأسية. أي أنك تقرأ من أعلى الصفحة إلى أسفلها، بينما يتركز نظرك على منتصف الصفحة ونظرك الجانبي على أطرافها وتمسح الصفحة بنظرك ثم تقلبها وتمسح غيرها. وفي عملية المسح هذه تكون قد مسحت معك كل الأفكار الرئيسة وفي النهاية تكون قد قرأت الكتاب بأكمله في أقل من خمس دقائق. ويقولون إن الرئيس الأمريكي السابق جون كيندي كان يقرأ بهذه الطريقة كتاباً من الغلاف إلى الغلاف في خمس دقائق. و لم استمر في ذلك الكورس طويلاً لأني توصلت إلى أن القراءة نفسها متعه تأخذك عبر أفكار الكاتب فتقف على أسلوبه وطريقة تفكيره والاسترخاء بين الفقرات ولكن بهذه الطريقة الرأسية السريعة تعتمد على مسح أشبه بالمسح الجوي.. يوسع قاعدة نظرك دون أن يعطيك أي تفاصيل.. لن تجد متعة للقراءة إذاً. فقط معلومات «تسغرب» المخ. حِنة عصّرية إلى زمن قريب كانت الحنة أو الحناء تطبع على أيدي وأرجل البنات بطريقة معينة وبشكل معين يغطي كل راحة القدم والأصابع. ثم تطور الحال وأصبحت تضاف لها بعض الرتوشتات الصغيرة التي لم تغير في الشكل العام المرسوم على الأيدي والأرجل. ولكن ظهر نوع جديد من الشكل أصبح يتسلق أيدي البنات وأرجلهن كالأرضة. وأصبحت النقوشات صغيرة ملتوية متشابكة ومعقدة تقضي على الشكل الأصلي للرجْل. وتنتشر فيها كالدوالي ولتثبيت هذا النوع كان لا بد من استنباط مادة جديدة مثبتة، وقد اكتشفت العبقرية النسائية هذه المادة في الصبغة الحجرية التي برهنت الأبحاث والدلائل والحوادث المتكررة أنها يمكن أن تؤدى إلى تسمم حاد يؤدي إلى الوفاة. ولكن لا حياة لمن تنادي. فكيف انتهى عصر الحنة ذات الخطوط الواضحة وحلت محلها الحنة الأرضة؟ الإجابة تأتي من نظرة بايولوجية إلى تطور الكائنات فلا بد أن الموضوع قد اتخذ الشكل التالي: في البدء كانت هناك مجموعة واحدة من النساء تتحنن بخطوط واضحة تغطي الأصابع وكفة اليد والقدمين، ولكن قانون الطفرة أتى بنوع جديد له تلك الخطوط المتعرجة. ومضت فترة والنوعان يعيشان سوياً. يرعيان ويأكلان ويمرحان في سهول السودان. ولكن فجأة ظهر خطر داهم من مكان ما أصبح يهجم على النساء مما يجعلهن يلذن بالفرار وكان هذا الخطر يلحق بالنساء ذات الحنة الواضحة الخطوط ويلتهمهن ويأكلهن، أما النوع الثاني فهو الأقدر على استعمال رجله في الجري لأن الخطوط التي تغطي تلك الأرجل كانت متعرجة وخفيفة وتعطي حرية أكبر للحركة. وبمرور الزمن انقرض النوع الأول لأنه لم يتكيف مع العوامل الطبيعية الجديدة، وساد النوع الثاني الذي عم القرى والحضر وهو النوع الذي نتكلم عنه الآن. هذه خلاصة النظرية البايولوجية لما يمكن أن يكون قد حدث في مجال تطور الرسم الحني الذي يستخدم مواد ضارة سامة. وبنفس النظرية سيأتي اليوم الذي سينقرض فيه هذا النوع أيضاً لأن تلك الصبغة تكون قد تسببت في إيجاد عينات جديدة من السرطان أشد بأساً وأشد فتكاً من ذلك الخطر الداهم الذي كان يطارد النوع الأول في سهول السودان الواسعة. وعندما لمحت عروساً تقف بالقرب من الكوافير في انتظار عريسها وعلى رجليها تلك النقوش والرسومات المتشابكة المتعرجة المنتشرة كالأرضة تذكرت قول الشاعر: متين يا سيدي تتعطف متين ترضى وأنا الواقف هناك مشرور