جاءتني الرسالة التالية من الأخ إيهاب عبد الرحيم يقول فيها: لقد اطلعت على عامودك يوم امس الثلاثاء. وفى الحقيقة كان مميزاً، ولكنك كنت قاسياً بعض الشيء عندما ذكرت أن سائقي الركشات عبارة عن صبية.. أنا أحد سائقي الركشات «جوكي» وزول بتاع معيشة.. خريج هندسة بدرجة البكالريوس، ويوجد الكثير من الخريجين ممن يمتهنون هذه المهنة، وذلك بسبب عدم وجود وظائف، ونفكر حالياً فى عمل نقابة لسائقي الركشات، لأننا نعاني من ناس المرور والمحلية.. هل تعلم ان ترخيص الركشة وتأمينها اول مرة يكلف مليوني جنيه، وقبل فترة كان قسم الدروشاب تخرج منه الدوريات حملة للركشات في المساء بعد الدوام وتستمر حتى الساعة العاشرة مساءً، وأية ركشة تم قبضها فى الحملة يتم فكها بعد أن يدفع صاحبها من «100» جنيه وانت ماشي إلى أن تصل الى «400» جنيه، او يتم ايداع الركشة فى الحوش المخصص من المحلية للترخيص وهذا بدون علم المعتمد. اما طلي الركشات باللون الاصفر فهو اقتراح جميل، لكن اية محلية لديها لون معين حتى يتم التعرف على الركشة بأنها تابعة لاية محلية ... وفى أية حاجة فى الصالح والطالح.. يعنى فى ناس كلام فارغ وفى ناس المعايش. إيهاب عبد الرحيم تعليق: أولاً أشكر الأخ جوكي الركشة خريج «بكالريوس» هندسة، المهندس إيهاب عبد الرحيم على رسالته التي تعكس غيرته على أبناء مهنته. وأود أن اؤكد له احترامي له ولإخوته الذين يخرجون ويتزاوغون من بين فروج زحمة المرور في براعة يحسدون عليها، وأسأل الله أن يحفظهم من شرور المرور ومطباته، وأن يرجعهم إلى أهلهم كل يوم سالمين غانمين. وآخذ ما قلته في آخر سطر من رسالتك «فى أية حاجة فى الصالح والطالح.. يعنى فى ناس كلام فارغ وفى ناس المعايش». وأنا أوجه مقالي للطالحين وإلى ناس الكلام الفارغ مش الناس القيافة زيكم الذين حكمت عليهم الأقدار والمعايش أن يرتقوا هذا المركب الركشي الصعب. لقد وجهت لهؤلاء رسالة من قبل تحت عنوان «سائقو الركشات... تعالوا إلى كلمة سواء» ومما قلته فيها: أولاً أهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك.. وكما تعلمون فهو شهر بركات ورحمة وشهر انتعاش في عملكم.. وتعتمد عليكم كثير من الأسر في قضاء مشاويرهم للأسواق وللإفطارات، ويمتد هذا الانتعاش إلى نهاية الشهر الكريم حيث تصل الحاجة لكم قمتها في الليلة الأخيرة إلى طلوع الفجر. وفقكم الله إلى خدمة مواطنيكم فهم لا يبخلون عليكم بما تطلبونه من أجر يدفع لكم قبل أن «تفرملوا». الأمر الذي دفعني للكتابة لكم والطرق على مروءتكم ونخوتكم، هو أنني شعرت بأنكم تقومون بتصرفات ربما لا تدرون خطورتها، ولا يجدي في هذه الحالة أن نستنجد بشرطة المرور لأنهم يسجلون غياباً ملحوظاً في معظم الشوارع، وقد كتبنا إلى أن جفت الأقلام ولم يتحرك أحد لتدارك الأمر. والحال هكذا لم أجد بداً إلا أن أخاطبكم لعل قلة منكم تستجيب، ولو استجابت تلك القلة فستحدث أثراً ملحوظاً في مستوى الضوضاء والتلوث الضوضائي. لقد حلت الركشة و «توهطت» واحتلت مكانة مرموقة وسط وسائل النقل الشعبية، وفتحت الرزق أمام عشرات الآلاف من الأسر التي ضاقت بها وسائل العيش بما رحبت. وقبلنا بها ولم نطالب بإيقافها أو إيقاف تصاديقها ورخصها لأننا مجتمع تكافلي، بالرغم مما تسببه الركشة من ارتباك في المرور وخاصة في الشوارع الرئيسة كشارع النفيدي «الستين سابقاً» أو شارع الشهيد عبيد ختم أو شارع المطار أو حتى الشوارع المركب عليها لافتات تلفت النظر إلى عدم مرور الركشات. وبالرغم مما يرتكبه بعض سائقيها من مخالفات أخلاقية وجنائية في جنح الظلام استناداً إلى انعدام الإضاءة والظلام الحالك وإلى لون الركشة الأسود. كل هذا قبلنا به ولم يتحرك أحد لإيقافه. ولكن الأمر الذي يمكنكم أن توقفوه رحمة بالمواطنين الذين يدفعون لكم بسخاء هو تلك الأصوات المزعجة التي تركبونها على عوادم الركشات. لقد جاءت الركشة وهناك مواصفات عالمية التزمت بها الشركات المصنعة وهى تخفيض الضوضاء إلى أقصى حد مسموح به. ولكن عبقرية بعضكم تفتقت عن اختراع جديد لم تسبقنا إليه البشرية، ويبدو أننا دائماً نوفق بصورة ممتازة لاستنباط الخطأ، فقد أضفنا إلى عادم الركشة وهو المعمول خصيصاً لتخفيض الصوت إضافات تجعل صوته يرتفع إلى عنان السماء. وبعضهم قال لي إننا نحرق العادم بالنار ليطلق ذلك الصوت المفرقع. لماذا؟ لا أدري. أنا اسكن حي جبرة شمال. وعادة أصحو في الرابعة صباحاً .. إلى ما بعد صلاة الصبح. في ذلك الوقت الذي ينزل فيه الرحمن إلى السماء الدنيا باسطاً يديه ليتوب مسيء الليل، يأتي أحدكم لينقل الرغيف من المخبز بجوارنا ليوزعه على البقالات في الحي وفي الأحياء المجاورة.. ولكنه يعلن عن مقدمه من مسافة كيلومترات بذلك الصوت المفرقع الذي يجعل الديوك تصحو من منامها فزعة «فتعوعي» في غير موعدها.. ويجعل النائمين من العجائز وكبار السن والأطفال في حالة أقلها أن يلعنوا سائق الركشة ذلك والدعاء في ذلك الوقت مستجاب بإذن الله. تحدثت مع الأخ أزهري صاحب البقالة فقال لي: هذا ابن أختي وأنا سأتحث معه. وفعلاً تحدث معه ومن يومها قلع الأخ ما ركبه على عادم ركشته من إضافات وأقلع عن تلك العادة الذميمة ونعمنا نحن براحة بال. فله الشكر والتقدير. في هدأة الليل وسكونه والناس نيام .. يشق ذلك الهدوء وذلك الصمت صوت ركشة رعناء لا لشيء إلا لأن صاحبها يطرب لهذه الفرقعة المستمرة وهو لا يعلم إنه بإزعاجه لأي شخص يكون قد ارتكب ذنباً لا يغفره إلا أن يتوب ويقلع عن تلك العادة الذميمة ويستسمح كل الذين أزعجهم فيسامحونه، وهذا ليس في مقدور أحد أن يقوم به. ومن ناحية أخرى، تجد في تجمعات الركشات هناك مثلاً أكثر من عشرين ركشة. وبها ليس أقل من أربع عشرة ركشة تصدر تلك الأصوات المزعجة وبذلك ارتفع مستوى الضوضاء في المدينة.. والضوضاء تقاس بما يسمى بالديسبل والمستوى المسموح به الذي تتحمله الأذن البشرية هو بين 70 80 درجة وهي درجة الصوت الذي يطلقه الطفل في الغرفة فتسمعه الأم وهي في مطبخها. وما زاد على ذلك يعد ضوضاء غير مسموح بها وتشكل خطراً على الأذن البشرية ومستقبلات الصوت في الدماغ. وبما أن الأذن مرتبطة بالتوازن فإن توازن الإنسان العادي وسط ضوضاء يختل ويجعله متوتراً، ومن ضمن الأسباب التي تجعل بعض الناس في الأسواق ومواقف الحافلات يستل سكينه ويغمدها في صدر آخر لأتفه الأسباب، ذلك التوتر الناتج عن التلوث الضوضائي خاصة إذا اضفت لها عنصراً آخر وهو السخانة وارتفاع درجة الحرارة. والناس كلهم فائرون ودمهم «فاير» وعلى «الهبشة». ولذلك أناشد إخوتي سائقي الركشات أن يترفقوا بمواطنيهم، وألا يكسبوا ذنوباً تكتب في ميزان سيئاتهم، ويأتي سائق الركشة يوم القيامة وقد أزعج هذا وطيّر النوم من عين هذا وأفزع هذا، ولو أتي بجبل أحد من الحسنات ستفنيها حقوق هؤلاء الخلق. تصور فقط وفي يوم واحد من الصباح إلى المساء كم شخصاً أزعجته بذلك الصوت المفرقع الذي لم يأتِ مع الركشة، واضرب ذلك كله في عدد الأيام التي قدت فيها ركشتك. وكان من الممكن أن نطلب من إدارة المرور أن تجبر كل شخص يصدر عن ركشته هذا الصوت أن يصلحه فوراً، ولكن هذا لن يؤدي إلى نتيجة، ولذلك لجأت لكم إخوتي راجياً أن يأتي القرار منكم اقتناعاً وليس إجباراً، هذا إذا علمت إنك ستكسب كل دقيقة وثانية ذنباً يضاف إلى حصيلتك من الذنوب. ونتمنى لكل منكم موسماً تصل مشاويره إلى رأس الرجاء الصالح وبالعكس. هذا ما كتبته من قبل وأنا أتوسل إليكم، فأرجو أن تناقشوه في اجتماع نقابتكم التي سترعى حقوقكم، راجياً منها أن تراعي أيضاً حقوق الآخرين. ولك جزيل شكري وتقديري.