كل يوم تشرق فيه الشمس يثبت فيها الحزب الشيوعي السوداني انتهازية جديدة، ويتعاظم تطرفه ونهجه الجانح نحو الحرب واللا سلم وبالأمس وبمجرد انهيار مفاوضات أديس أبابا بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، خرج الحزب الشيوعي من مخبئه وأبلغ الحزب رسمياً رفضه تلبية مبادرة الرئيس المشير البشير للحوار الوطني، وقال فى خطاب معنون إلى أمين العلاقات السياسية بالمؤتمر الوطني مصطفى عثمان إسماعيل إن اجتماعاً للمكتب السياسي للشيوعي قد التأم وقرر عدم تلبية الدعوة من منطلق موقف الحزب المبدئي «الذي لا يرفض الحوار كمبدأ ولكن لا يقبله بدون تهيئة المناخ لعقده» إلى هنا ربما الحديث مقبول لكن انظر لاشتراطات الشيوعي لقبول الحوار «إلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف الحرب وذلك لإفساح المجال للجو الديمقراطي المعافى» ومن هذا وضحت نوايا الشيوعي الذي خرب أجواء المفاوضات التى انتهت إلى الفشل بسبب تعنت عرمان وإصراره على طرح القضايا القومية دون أن يخرج ورقة تحمل رؤيتهم للمنطقتين ولو كنت مكان وفد الحكومة لما قبلت بحوار مباشر مع عرمان إلا بعد تحديد الأجندة، وكنت أتصور أن وفدنا يفكر بذات عقلية مفاوض قطاع الشمال الذي دس ورقته الأساسية بخبث حتى يخرج الحكومة عن طورها بطرح أجندة غير أجندة المنطقتين، وبالتالي كسب عرمان وجوقته بلقاءات مباشرة مع وفد الحكومة وخرجوا بمكاسب دون أن يكسب وفد الحكومة ولم تفلح الوساطة التي هي الأضعف والأقل نفوذاً من رد «عرمان» إلى صوابه ومطالبته بإخراج رؤيتهم الحقيقية في هذه الجولة، كما أن الوساطة نفسها أعطت عرمان مشروعية عندما قبلت به مفاوضاً باسم قطاع الشمال وهو يأتي بوفد طابعه قومي وهو يقصي كل قيادات المنطقتين ما عدا قائد الجيش جقود والدكتور أحمد إسماعيل، كما أن دور أبناء المنطقتين ضمن وفد الحكومة وإبراز وجهة نظرهم كان ضعيفاً جداً إن لم يكن سلبياً، مقابل الأدوار التي قام بها فرح عقار مثلاً وأظهرها الإعلام مثل مطالباته بحكم ذاتي للمنطقتين إذا عدنا لاشتراطات الشيوعي المتعلقة بتهيئة الأجواء فهي ممكنة إذا كانت المعارضات سلمية ولكن في وجود معارضين محاربين يصعب على الحكومة إطلاق الحريات ووقف الحرب حتى يشرع الجميع في الحوار ولا بد من قناعة بالسلام والاستقرار فكيف يتم حوار مع رجل يحمل ويشهر سلاحه في وجهك وينوي تدميرك؟؟ إذن لا بد من إخضاع كل من يحمل السلاح إلى العملية السلمية لإرساء قيم الحوار والحجة وبذلك يصبح الحوار والمنطق ممكناً وتكون الأجواء معافاة ويسهل فيها التواصل لكن بمثل موقف عرمان المتعجرف وموقف الوساطة المتأرجح ينتابني إحساس أن الوساطة متعاطفة مع حالة التماهي في المفاوضات سيما وأن وفد الحركة الشعبية يفكر بصوت مسموع وبنقاش مفتوح دون أن تأخذ الوساطة الحذر وتضغط بصوت مسموع لإعادة مجموعة عرمان إلى التفاوض وتهددهم بعقوبات رادعة قضية أخرى وهي أين دور حكومة الجنوب في العملية؟ خاصة أن مجموعة عرمان والحلو وعقار ظلوا يقاتلون إلى جانب قوات سلفا كير واستعان بهم في محاربة معارضيه، وكان من المنتظر أن يكون هناك دور إيجابي للسيد سلفا كير لكنه لم يحدث لماذا لا أدري؟؟ هل لأن الحكومة السودانية لا ترغب في منح الجنوب دوراً أكبر في تسوية قضية بقايا الحركة الشعبية في الشمال أم أن سلفا كير صار مشغولاً بنفسه وغير قادر على القيام بعمل آخر؟ على كل موضوع الحوار مع الكتلة العلمانية بحاجة إلى مراجعة دقيقة ومعرفة أصل تفكيرهم تجاه قضايا البلاد وإلا سيتمسكون بمواقفهم الإقصائية للآخرين ويراوغون دون الوصول إلى اتفاقيات مثمرة ولأن منهج السودان الجديد لا يقبل الآخر ولا القسمة على اثنين فسيظل الحزب الشيوعي متمسكاً بتناقضاته وبموقفه من التغيير الشامل لكل نظم الحياة بالسودان، وفي سبيل ذلك يدفع في اتجاه الخط السالب وعرقلة كل خطوات تقارب بين أبناء الوطن، ومن العبث أن نضيع الوقت والفرص تتسرب وتضيع من بين أيدينا ومن العبث أن تكون طرائق الحوار والتفكير معه بذات طرق ومنهج الحوار مع بقية القوي الوطنية وبالضرورة تحديد منهج يلائم تفكيرهم الواهن، حتى يغيروا من أساليبهم المضللة والمتأرجحة حتى في القضايا الوطنية المصيرية، وإذا نظرنا إلى نقاط وشروط الشيوعي للحوار كمبدأ فإننا نجد أنه إذا حلت كل تلك الملاحظات وانتهت الحروب وبنيت جدر ثقة بين أبناء الوطن فلماذا وفي أي شيء يتحاورون؟ طالما كل القضايا تم حلها.. قضية أخرى مهمة ولمعالجة ضعف عناصر الوساطة الذين أصبحوا يعتبرون العملية السلمية في المنطقة وظيفة أكثر من أنها قضية حياة وموت ومرتبطة بهلاك شعوب ودمار مدن وقرى ودول، على الاتحاد الإفريقي أن يقوم بعملية تدعيم أو توسيع لهذه الوساطة التي ضعفت وتوقف مستوى تفكيرها عند محطة لا يستطيع أن يتحرك منها إلا بعناصر وقيادات جديدة على الأقل تعيد الأمل لأهل السودان نفسياً!!