في البدء وبعد تحية القراء الافاضل الذين امطروني بوابل من الرسائل والمكالمات والاهتمام، لابد لي من كلمة أولي بها الفضل أهله، وأقول لقرائي الكرام لولا الحفاوة والصدق وجميل القول مما لقيني به الإخوة الكرام د. بابكر عبد السلام رئيس مجلس الإدارة والاخ سعد العمدة المدير العام والأخ الصادق الرزيقي رئيس التحرير، لما سعدت بكم ولا سعدتم بي.. وانا بصدق احس باحساس العائد إلى اسرته. قلنا إنه من المستحيل أن تكون هناك رسالة ثانية، لأن الرسالة تستوجب رسولاً والرسالات قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن محمود محمد طه يخالف اجماع الأمة على ختم الرسالة فيقول ان النبوة قد ختمت ولكن الرسالة لم تختم.. فأعجب كيف يصح أن يكون هناك رسول وهو ليس نبياً في ذات الوقت، إلا إذا كان الذي نبأه هو الشيطان. إن محمود يستقي دينه من المتشابه ومن الأوجه المختلفة فيحملها فوق ما تطيق. ولعله قد استند في دعواه هذه إلى قول الحق عز وجل «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين»، والاستاذ محمود محمد طه يبحث بكل ما لديه من طاقة ومن جهد في مسائل الرسالة والبنوة ليفتح الباب على مصراعيه لدعوى وجود رسول آخر غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورسول الرسالة الثانية حسب الاهداء والبشرى التي حملها محمود محمد طه إلى الإنسانية انما هو رجل ابن امرأة من رفاعة أو من أية جهة أخرى تأكل القديد وتشرب الحليب وتجوع وتعطش وتشبع وترتوي.. وتنام وتصحو.. أي أنه رجل من لحم ودم.. ولا أدري بعد أن أقيم الحد على محمود محمد طه وفارق الحياة.. هل تظل دعوى الرسالة الثانية قائمة حتى الآن؟! وإن كانت قائمة فمن هو رجلها وكيف نعرفه؟ إن الرسالة الثانية تأتي بالأصول كم يزعم محمود محمد طه، لأن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذي لم يصلِ عليه محمود محمد طه في أي كتاب من كتبه.. جاءت بالفروع، ومعلوم أن الأصول أرقى من الفروع، بل إن الأصول حاكمة والفروع محكومة. ولذلك فإن الرسالة الثانية جاءت لتبطل الرسالة الأولى، ومع أن محمود محمد طه ينكر ذلك إلا أنه يعترف به ويقر ويكرر ذلك في مواقف كثيرة، ويكرر ان الرسالة الثانية هي حالة فردية، وبناءً على هذه الفرضية الباطلة التي تفرق بين السنة والشريعة تحكماً بغير دليل أو حجة، نرى محمود محمد طه في كتابه الرسالة الثانية يجعل الأمة الواحدة أمتين أمة المؤمنين.. وأمة المسلمين، وذلك في مستوى الفهم والسلوك.. مع أن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله «وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون». ويورد محمود محمد طه حديث «واشوقاه إلى اخواني» ويجعله حجة في تقسيم الأمة إلى أمتين، وكله من باب التحكم والإفراط في اتباع الرأي والهوى ومخالفة النص والهدى، مع ان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر اصحابه بأن أجر الواحد من إخوانه الذين يشتاق إليهم يعدل أجر سبعين من أصحابه، وذلك (لأنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون على الخير أعواناً).. إن محمود محمد طه يتبع في أفكاره أسلوب الفلاسفة والزنادقة الذين يبنون أطروحاتهم على توليد الأفكار، وكثير من المدارس الفلسفية القديمة والمعاصرة لم تحتج في تديبجها فلسفاتها وتقديمها إلى البشرية إلى أكثر من رجل وكرسي، ففلسفات الإغريق كلها وليدة آلية الرجل والكرسي والديالكتيك والمدرسة الهيجيلية المعاصرة كانت وليدة ذات الآلية الشقية، فأنجبت المادية الجدلية أو مدرسة النقائض التي لا تقوم على المشاهدة ولا المعاينة ولا البحث العلمي، بل تقوم على الاسترخاء واطلاق العنان للأفكار لتتولد في ذهن فيلسوف مسترخٍ على كرسي وثير، ولولا ان ماركس عاش عالة على صديقه الثري فردريك انجلز لما وجدت الماركسية ولا قامت دولة شيوعية في الدنيا ابداً، فالماركسية بنيت على الديالكتيك وهو فلسفة هيجل الاسترخائية، ومحمود محمد طه يتبع نفس الأسلوب.. إلا أنه يجد على الشر أعواناً كما سنبين ذلك في قصة آية الاذن. محمود محمد طه يغري الذين يدعوهم إلى التنصل من الالتزام وإلى التنصل من العبادات كلها، فهو يقول إن الجهاد في سبيل الله ليس أصلاً في الإسلام، وهذا قول مولد يعتمد على الفلسفة لا على النص.. ولو أن محمود محمد طه اكتفى بالنص وقدمه وشرحه لاستخرج منه من المعاني ما يفوق ويتعدى الحصر والعد، فالنصوص المتوافرة لا تقول إن الجهاد ليس أصلاً في الاسلام ولكنها تقول «لا إكراه في الدين» أي ان الجهاد لم يفرض لحمل الناس بالقوة لاتباع الأنبياء والرسل.. ولا إلى العبادة.. بل إلى شيء آخر غاب عن محمود محمد طه وعن شيطانه الذي سنحكي قصته. بالاضافة إلى أن كثيراً من آيات القرآن الحكيم جعلت للجهاد والقتال غاية ينتهي اليها ومبرراً لا ينبغي تجاوزه.. قال تعالى: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةً ويكون الدين كله لله». «وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة» فالقتال نفسه ليس غاية. كما أن محمود محمد طه يتجاوز آية سورة التوبة التي جعلت القتال والجهاد أصلاً في الدين لا فكاك منه مع انها لم تجعل القتال لاكراه الناس على العبادة.. ولكنها جعلته لاكراه الناس على العبودية لله.. قال تعالى في سورة براءة :«قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون». والجزية نفسها ليست غاية ولكنها ضرورية في حال الذمي دليلاً على إذعانه لناموس العبودية. وبذات القدر وبنفس الأسلوب الفلسفي الجدلي يجعل محمود محمد طه من العبادات ألعوبة في يديه.. فالصلاة ذات الحركات ليست أصلاً في الإسلام، والزكاة ذات المقادير ليست أصلاً في الإسلام، والحج إلى عرفات ليس أصلاً في الإسلام، والحجاب ليس أصلاً في الإسلام، والطلاق ليس أصلاً في الإسلام، والتعدد ليس أصلاً في الإسلام.. ومحمود محمد طه سعى جاهداً لإضحاكنا بهذه الأقوال ولكنه لم يفلح في ذلك كما افلح في حكاية ان الطلاق ليس اصلاً في الاسلام.. ومحمود محمد طه يجعل من الخابور والصامولة أو «الخرم» كما ورد في الرسالة الثانية أصلاً في الإسلام. فالرجل يحمل خابوراً ويبحث عن خرم يناسب هذا الخابور.. ويظل يدور ويبحث ويجرب ويفتش حتى يعثر على الخرم الذي يوافق خابوره. طبعاً إذا سمحت إدارة «الإنتباهة» بنشر الأسطر الثلاثة الماضية من قولي (فالرجل يحمل خابوراً... إلى قولي يوافق خابوره) فجزاها الله خيراً على سعة الأفق.. وإذا رفضت الإدارة نشر مثل هذا الإسفاف الجمهوري فجزاها الله خيراً على حرصها على ذوق المواطن المسلم، وعلى حرصها على عدم خدش حياء المسلمة العفيفة.. وأنا لا أمانع ولا أحتج.. مثل هذا الإسفاف وغيره هو الذي يسعى بعض الجمهوريين إلى عرضه على المسلمين في السودان وفي غيره من بقاع الأرض من خلال الحزب الذي يسعون إلى تسجيله.. مع أن الفكر الجمهوري كله قد حوكم من قبل ليس مرة ولا مرتين بل مرات، وقال القضاء كلمته، وقالت لجان الفتوى في الأزهر وفي رابطة العلماء وفي غيرها من المحافل كلمتها، وأصدرت رأي الشرع في الفكر الجمهوري برمته، وحملت نبيه إلى المشنقة، وأصدرت فيه حكم الشرع وأراحت الدنيا من شره. وسنعود إلى حكاية آية الإذن في الحلقة القادمة بإذن الله.