من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    الزمالة يبدأ مشواره الأفريقي بخسارة أمام ديكيداها الصومالي    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    استشهاد أمين عام حكومة ولاية شمال دارفور وزوجته إثر استهداف منزلهما بمسيرة استراتيجية من المليشيا    المفوض العام للعون الإنساني وواليا شمال وغرب كردفان يتفقدون معسكرات النزوح بالأبيض    الارصاد تحذر من هطول أمطار غزيرة بعدد من الولايات    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    د. معاوية البخاري يكتب: ماذا فعل مرتزقة الدعم السريع في السودان؟    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    دعوات لإنهاء أزمة التأشيرات للطلاب السودانيين في مصر    الاجتماع التقليدي الفني: الهلال باللون باللون الأزرق، و جاموس باللون الأحمر الكامل    يا ريجي جر الخمسين وأسعد هلال الملايين    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجادل (الجمهوري) المعاظل محمد وقيع الله (4 من 5)

قدم الشاعر الطريف، المعابث، حسن عمر الأزهري (ابن عمر)، محاضرة صاغها بالشعر، دون أن يدخل فيها جملة واحدة من النثر، فطرب لها الفقيه، الداعية، محمد الأمين القرشي، رحمه الله، وأنشد في عبقرية الشاعر المحاضر، قائلا:
ومن عجبٍ محاضرةٌ بشعرٍ كأنَّ الشِّعرَ في فمِكُم سيجارا!
ولما ابتلي شيخنا، الدكتور الأمين داود، رحمه الله، بشهود محاضرة، قدمها المدعو الفتان، محمود محمد طه، وسمع ما فيها من ضروب الهرطقة والزندقة، ما وسعه إلا أن يقبس بيت القرشي ويعدله، ليقول:
ومن عجبٍ محاضرةٌ بكفرٍ كأنَّ الكفرَ في فمِكُم سيجارا!
ومن يبتلى، كما ابتلينا، بقراءة نصوص الفكر الجمهوري التأسيسية، لا سيما كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام)، لا يسعه إلا أن ينشد فيها:
ومن عجبٍ تآليفٌ بكفرٍ كأنَّ الكفرَ عندَكُم سيجارا!
ذلك أن الكفر الصُّراح، الذي لا لبس فيه، هو السمة اللازمة المائزة لمقولات الفكر الجمهوري، ولذا - إن شئت - قلت الكفر الجمهوري.
فالكفر يسيل ويسري من هذا الفكر، كما يسيل ويسري زعاف الأفاعي في مسيل فرات!
أدلة الكفر
وحسبك أن تعلم من أحكام الإسلام المقررة، حكما يقول إن من ينكر حكما معلوما من الدين بالضرورة، فإنه يكفر كفرا بواحا، لتعلم، حينئذ، أن مؤلف كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام)، يكفر في كل صفحة خطها فيه، كفرا بواحا يخرجه عن الملة الإسلامية، بإجماع العلماء الثقاة!
بل إن عنوان كتابه نفسه كفر يخرجه عن الإسلام، لأنه يزدري الرسالة الأولى من الإسلام، تلك الرسالة التي جاء بها محمد، صلى الله عليه وسلم، ويتجه إلى التعويض عنها بتكوين دين جديد، يدعوه بما سمى به عنوان الكتاب.
ولو تصفحت بعض عناوين الكتاب، لدلتك على ما احتواه من فنون الكفر وأفانينه.
وإليك بضعة عناوين جانبية، من الباب الخامس، من كتاب الإفك إياه:
الفصل الثالث: الجهاد ليس أصلا في الإسلام
الفصل السابع: تعدد الزوجات ليس أصلا في افسلام
الفصل الثامن: الطلاق ليس أصلا في الإسلام
الفصل التاسع: الحجاب ليس أصلا في الإسلام
ويعرف محمود الجهاد تعريفا خاطئا، ويشوهه عمدا، من أجل أن ينقض عليه بالنقض والدحض، فيزعم أن معناه قتل الكفار إذا لم يقبلوا اعتناق الإسلام، ويزعم أن هذا المعنى موافق لآي القرآن المدني، الذي سمح للسمسلمين بالجهاد، وأمرهم به، ومخالف لآي القرآن المكي الذي حض المسلمين، على الدعوة بالموعظة والكلمة الحسنى، ولم يقرهم على ممارسة الجهاد، ولم يحضهم على ممارسته.
وطبقا لنظريته العجيبة، في نسخ اللاحق بالسابق، دعا إلى نسخ مبدأ الجهاد، وإلغاء آية السيف التي في سورة براءة، المدنية، وإحياء آية الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، التي وردت في سورة النحل المكية.
وعندما تحدث عن تعدد الزوجات الذي أباحه القرآن، ذكر أنه شريعة متخلفة، لا تليق بعصر تحرر المرأة.
وادعى أن منع التعدد يلتمس في قول الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فواحِدةً).
وفي قوله تعالى:(وَ‌لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ).
ومما هو ظاهر أن محمودا لم يفهم المقصود من العدل المطلوب في الآية الشريفة، وهو العدل في توجيه الميول القلبية والعواطف النفسية، التي لا سلطان لأحد عليها، ولا سبيل إلى مطالبة الناس بالعدل فيها، وليس من العدل مطالبتهم بالعدل فيها.
فليس مفروضا على الرجل أن يتمكن من إسداء الحب إلى أزواجه بدرجة واحدة حتى يباح له الاقتران بهن.
وإلا لكان أكثر الصحابة، وكان أكثر التابعين، وأكثرهم كانوا - فيما يبدو - معددين، مخطئين، عندما شرعوا بتثنية الأزواج، وتثليثهن، وتربيعهن!
شطحات ميتافيزيقية
وعندما تحدث المدعو محمود عن تحريم الطلاق، استشهد بحديث بسند مرسل، أي ضعيف، يقول:" أبغض الحلال إلى الله الطلاق ".
وأضاف إلى ما سبق كلاما ميتافيزيقيا، شاطحا، يذكر قارئ أفلاطون، بإحدى شطحاته، في محاورة الجمهورية، عندما تحدث عن توليد النسل الأثيني، المرتجى لتحقيق حلم المدينة الفاضلة، عن طريق توقيت لحظة إيداعهم الأرحام، اتساقا مع حركات النجوم، أو كما قال!
وفي شطحته قال محمود:" الأصل في الزواج ديمومة العلاقة الزوجية بين الزوجين. ذلك بأن زوجتك إنما هي صنو نفسك. هي انبثاق نفسك عن خارجك. هي جماع آيات الآفاق لك في مقابلة نفسك، على فحوى آية (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، ولكنا لا نملك النور الذي به نختار في الزواج نصفنا الآخر اختيارا صحيحا ". ص 156.
وضرب لذلك مثلا، استقاه من وحي دراسته القديمة للهندسة، قائلا:" مثلنا في ذلك يقرب منه مثل الأعمى الذي يجلس وبين يديه (خوابير)، بعضها مربع، وبعضها مستطيل، وبعضها مثلث، وبعضها مبروم،وبعضها نصف دائرة، وبعضها قطاعات دائرة على أحجام مختلفة، وأمامه سطح عليه (أخرام)، يناسب كل منها (خابورا) من (الخوابير) التي بين يديه. فهو يحاول أن يضع (الخابور) المناسب في (الخرم) المناسب، فيتفق له ذلك حينا، ويعييه أحيانا، بل قد يعجز تاما عن التوفيق التام بين (الخابور) (الخرم). وفي الحق أن هذا هذا المثل لا ينطبق تمام الانطباق على حالة اختيارنا الزوجة، بل أن الأعمي في هذا المثل أقرب إلى التوفيق، والتسديد، من أحدنا وهو يمارس تجربة الاختيار هذه ". ص 156 – 157.
أي أن البشر في عهد الرسالة الإسلامية الأولى، كانوا أكثر من عميان، حين اختاروا زوجاتهم.
وبالطبع فقد أغفل هذا المنخرط في تشويه الإسلام: شرعا، وتاريخا، وحضارة، حالات اختيار الزوجات المسلمات لأزواجهن، باعتبار أن هذا ما حدث قط، مع أنه حدث كثيرا، كما تفيد صفحات تاريخ الإسلام. وأول، وأشهر، من فعلت ذلك أم المؤمنين الكبرى عليها الرضوان.
وكأنما لم يكفنا هذا الدجل المفتعل، حتى يضيف إليه الدجال المفتعل، شطحة أسطورية، أنكر منه، فيقول:" عندما سقط آدم بالخطيئة وحواء، وأخرجا من الجنة، هبط كل منهما في مكان من الأرض، منعزل عن صاحبه، وطفقا يبحثان: آدم عن حواء، وحواء عن آدم، وبعد لأي وجد آدم حواء، ولم يجدها. ووجدت حواء آدم، ولم تجده. ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، يبحث كل آدم عن حواه، وتبحث كل حواء عن آدمها، وأبواب الضلال واسعة، وأبواب الرشاد ضيقة، ولكنا، والحمد لله، نستقبل في كل يوم مزيد من النور، به تضيق دائرة الضلال، وتنداح دائرة الرشاد ". ص 158.
وهكذا يترقى المجتمع البشري، في عهد الرسالة الإسلامية الثانية، ويصل إلى ما لم يصل إليه أتباع الرسالة الإسلامية الأولى، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى القرن العشرين.
فهؤلاء ما كان لهم نور يهديهم إلى اختيار الأزواج، مثلما تاح لأهل القرو العشرين، الذي التقت فيه النظائر بالنظائر، وانضمت فيه الشكول إلى الشكول، وأصبح الزواج، من ثم، علاقة أبدية، لا تحتاج إلى أن تفصم، أو تصحح بالطلاق!
السفور الذي يحقق العفة!!
وعندما تحدث الدجال عن الحجاب، قال إن:" الأصل في الإسلام السفور .. لأن مراد الإسلام العفة .. وهو يريدها عفة في صدور النساء والرجال، لا عفة مضروبة بالباب المقفول، والثوب المسدول ". ص 158.
وهذا كلام يشبه كثيرا، أغاليط المغالطين المحترفين، الذين عرفوا قديما بالسفسطائيين.
وإلا فكيف تكون عفة بدون حجاب؟!
وكيف تكون عفة مع السفور؟!
وبعبارة أخرى كيف يساعد السفور على العفاف؟!
وكيف لا يساعد حجاب المرأة المسلمة على تحقيق العفة في المجتمع المسلم؟!
وهل كان المجتمع الإسلامي الأول، في عهد الصحابة والتابعين، يحقق عفته بالباب المقفول، والثوب المسدول، ولم تكن لأهله عفة في الصدور؟!
ثم ما هو وجه التناقض بين أن تجتمع العفة في الصدور، مع العفة بواسطة الباب المقفول، والثوب المسدول؟
وواضح أن الدجال قصد بعبارة الثوب المسدول، حجاب المراة المسلمة الماجدة، وزيها الشرعي؟!
إن أسئلة منطقية مشروعة، تنهض في وجه اعاءات الدجال، ولكنه قطعا يتجاهلها، ولا يجيب عنها.
بل لعله ما كان يحب أن يسمعها من مخالفيه.
وبالقطع فإن واحدا من قطيع أتباعه، الذين شروه عقولهم بثمن بخس، ما خطر له أن يرفعها إلى حضرته.
ولو خطرت له على بال لما تجرأ لرفعها إليه.
ماذا بعد؟!
وبعد أن قررنا هذه الحقائق، بأدلتها الطوال، ما عاد للمجادل المعظال، مجال للمقال، ولكنه مع ذلك قال:
" ثم جاءت مقابلة الصحفي صلاح شعيب مع وقيع الله، فهاجم الفكرة الجمهورية، بإثارة مزاعم لا علاقة لها بالفكرة، ولا مصادرها، وحين طالبته بالأدلة، لم يهتم، وأخذ يكرر ما قال من قبل، وكان تعقيبي: فهل مجرد قول وقيع الله، بأن الأستاذ قد أنكر دعائم الإسلام، يعتبر حيثيات يمكن أن يطلقها في الهواء، ثم يقرر على أساسها، بأن الأستاذ محمود معادٍ للإسلام؟! أم إن هذه الدعاوى تحتاج إلى إثبات من كتب الأستاذ محمود، لتصبح بعد ذلك، حيثيات تناقش، فتقبل أو ترفض، على أساس الفهم؟!".
هذا طرف يسير من الأدلة الكثيرة، التي تؤكد كفر شيخك، شيخ الضلال، الذي أضلك وأزلك.
وقد أوردتها لك في ثنايا ردي عليك بدهر سابق.
ولكنك شخص معاظل مجادل.
لم أر من هو أعبط منه في خمسين عاما.
المجادل (الجمهوري) المعاظل
محمد وقيع الله
(5)
لم أتحدث عن تواضع محمود، إلا لكي أبدي التناقض الحاد، والانفصام العنيف، في شخصيته المزدوجة العجيبة التركيب، حيث يبدي صاحبها التواضع الشديد من جهة، ويظهر العلياء والتكبر الفظيع من جهة أخرى.
وقد قلت:" كان محمود محمد طه ، زعيم الجمهوريين ، يسكن في حي شعبي من أحياء مدينة أم درمان، إحدى مدن العاصمة السودانية الثلاثة. وقد اندهش كل من زار هذا البيت، حيث أخذ ببساطته الشديدة، وبساطة ساكنه، الذي لا يتكلف شيئا في الحياة، ولا يتعلق به من اللباس إلا ما يرتديه سائر فقراء السودانيين من الزي الشعبي ".
وما قمت في سياق ذلك بالإشادة بتواضع نمط السكنى والعيش واللباس لدى محمود، كما زعم المجادل المعاظل، وما كان يعنيني أن أشيد به، لأني أعرف أن كثيرا من فقراء الزهاد، ادعو في خاتمة مطافاتهم، علوا لا يليق بهم وما ينبغي لهم.
وأشدهم هؤلاء تواضعا من ادعوا المهدية.
وأوسطهم طريقة من ادعوا صفة النبوة، ولا سيما من من ادعوا منهم صفة النبوة العيسوية.
وأشدهم غلوا وتكبرا من ادعو صفة الألوهية، كما فعل فرعون موسى، وكما ادعى فرعون السودان.
وإنما أطلقت على محمود محمد طه لقب الفرعون لأنه شارك فرعون الأصلي في صفات العلو، والغُلُواء، والادعاء.
وفي الحقيقة فإن في قلب كل إنسان فرعون صغير، يخيل إليه، ويوسوس له، أنه الأذكى، والأصلح، والأفضل، والأعظم.
ومن صدق فرعونه الصغير تضخم فيه الفرعون حتى يصبح هو هو.
ومن قهر فرعونه الصغير نجا، وصار من المخبتين، الصالحين، الذين يمشون على الأرض هونا.
وقد بان تعالي محمود، عندما ادعى أنه قد وصل إلى مقام، لم يصل إليه بشر من قبله، وهو مقام الالتحام بالإله، والتماهي فيه، وأخذ صفاته العلا.
وبذا باين نهج فقراء الصوفية، الصالحين، المتواضعين، الصادقين، الذين تحدثوا عن المعنى النقيض، وهو معنى الفناء في الله تعالى.
بمعنى التضحية بكل مرتخص ونفيس، وبشهوات النفس، وحاجاتها، وأهوائها، ومتع الحياة جميعا، من أجل التفرغ لعبادة الله عز وجل، بشتى ضروب التعبد، بمعناه الواسع، حتى ينالوا رضاه، سبحانه وتعالى.
أما هذا الشخص المتكبر، المدعو محمود محمد طه، فقد جاء ليزعم أنه قد سقطت عنه تكاليف العبادات، بما فيها الصلاة (ذات الحركات، كما سماها) والحج (ذو الخطوات) والصيام (الذي يقتل الشهوات) وذلك لأنه تخطى المرحلة التي تطلب منه فيها تلك العبادات والطاعات!
وهكذا أصبحت العبادات التي يتدأب بها صالحو الصوفية، ويقهرون بها (الأنا) الصغرى، ويطوعونها، ويهذبونها بها، تنفخ روح العجب والغرور، وتضخمها في ذات الغالي، المغالي في الغرور، دجال الرسالة الثانية من الإسلام، المدعو محمود محمد طه.
أنانية زعيم الجمهوريين
وتتضح أنانية هذا الشخص من مراجعة فكره المبثوث في كتابه التأسيسي (الرسالة الثنية من الإسلام).
فبينما ينسخ هذا المدعي رسالة الإسلام الأولى، ويؤذن بترقة البشرية، في عهده، إلى عهد الرسالة الثانية، ويجعل الترقي في التشريع أساسا للترقي البشري.
ويجعل معيار الترقي هجر التشريع الغليظ، وهو تشريع الرسالة الأولى من الإسلام، التي جاء بها محمد، صلى الله عليه وسلم.
وابتكار التشريع الأقل غلظة، وهو تشريع الرسالة الثانية من الإسلام، التي جاء بها وتزعمها هو، حيث تترقى الإنسانية، من المرحلة البدائية، إلى مرحلة التحضر والعيش الكريم.
وينتقل المجتمع الإسلامي من مرحلة الرأسمالية، التي سادت في عصر الرسالة الأولى، إلى مرحلة الإشتراكية، التي هي شريعة الرسالة الثانية.
وينتقل المجتمع الإسلامي من مرحلة الدكتاتورية، التي هي حكمت عصر الرسالة الأولى من الإسلام، إلى مرحلة الديمقراطية، التي هي شريعة الرسالة الثانية من الإسلام.
بينا يجعل محمود هذا كله يدور، ويتم دوره، على مستوى التطور الجماعي للأمة الإسلامية.
فإذا به يجعل أساس التطور على المستوى الفردي يتم بطريقة أخرى مختلفة تمام الاختلاف.
حيث يحدث الترقي لشخص واحد فقط من الأمة الإسلامية وليس لها جمعاء.
وهذا الشخص السعيد، الذي يُحظى وحده بالترقي، ويصل إلى مرتبة الإنسان الكامل، التي تؤهله للالتحام بالإله، وحلول روح الإله فيه، هو محمود محمد طه، وحده، ولا أحد معه، يشاركه العلو.
ولذلك عندما ادعى شخص جمهوري، تمتع بغباء مفرط، اسمه محمد خير على محيسي، أنه وصل إلى المرحلة التي بلغها محمود، شن قطيع الجمهوريين عليه حملة قاسية، وجرى فصله من الحزب الطائفي.
وقد التقيت هذا الشخص في عام 1974م بأم درمان، واستمعت إليه، غير مرة، وهو يعبر عن مراراته ومعاناته، وشكاواه من عنت رفاق السوء الجمهوريين، وتكبر زعيمهم، الذي نقل عنه إنه ادعى أنه لم يخطئ يوما واحدا في حياته، مع أنه ظل يكتب ويتكلم لمدة عشرين عاما (حتى ذاك العام!).
وليس مهما أمر هذا الشخص الموهوم، ولكن تهم العبرة المستخلصة مما لحق به من النكال الجمهوري، بسبب تطاوله على زعيمهم المغرور، ومنازعته أوهام الوصول، التي احتكرها لنفسه، وبخل بها على من سواه من العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.