قدم الشاعر الطريف، المعابث، حسن عمر الأزهري «ابن عمر»، محاضرة صاغها بالشعر، دون أن يُدخل فيها جملة واحدة من النثر، فطرب لها الفقيه، الداعية، محمد الأمين القرشي، رحمه الله، وأنشد في عبقرية الشاعر المحاضر، قائلاً: ومن عجبٍ محاضرةٌ بشعرٍ كأنَّ الشِّعرَ في فمِكُم سيجارا! ولما ابتلي شيخنا، الدكتور الأمين داود، رحمه الله، بشهود محاضرة، قدمها المدعو الفتان، محمود محمد طه، وسمع ما فيها من ضروب الهرطقة والزندقة، ما وسعه إلا أن يقبس بيت القرشي ويعدله، ليقول: ومن عجبٍ محاضرةٌ بكفرٍ كأنَّ الكفرَ في فمِكُم سيجارا! ومن يُبتلى، كما ابتُلينا، بقراءة نصوص الفكر الجمهوري التأسيسية، لا سيما كتاب «الرسالة الثانية من الإسلام»، لا يسعه إلا أن ينشد فيها: ومن عجبٍ تآليفٌ بكفرٍ كأنَّ الكفرَ عندَكُم سيجارا! ذلك أن الكفر الصُّراح، الذي لا لبس فيه، هو السمة اللازمة المائزة لمقولات الفكر الجمهوري، ولذا إن شئت قلت الكفر الجمهوري. فالكفر يسيل ويسري من كتابات زعيم الحزب، كما يسيل ويسري زعاف الأفاعي في مسيل فرات! الأدلة على كفر محمود محمد طه وحسبك أن تعلم حكمًا من الأحكام الإسلامية المبدئية، يقول إن من ينكر حكمًا من أحكام الدين المعلومة بالضرورة، فإنه يكفر كفرًا بواحًا، لتعلم أن مؤلف كتاب «الرسالة الثانية من الإسلام»، يكفر في كل صفحة خطها فيه، كفرًا بواحًا، يُخرجه عن ربقة الملة الإسلامية، بإجماع العلماء الثقاة! بل إن عنوان كتابه نفسه كفر يخرجه عن الإسلام، لأنه يزدري الرسالة الأولى من الإسلام، تلك الرسالة التي جاء بها محمد، صلى الله عليه وسلم، ويتجه إلى التعويض عنها بتكوين دين جديد، يدعوه بما سمى به عنوان الكتاب. ولو تصفحت عناوين الكتاب، لدلتك على ما احتواه من فنون الكفر وأفانينه. وإليك بضعة عناوين جانبية، من الباب الخامس، من كتاب الإفك «إياه»: الفصل الثالث: الجهاد ليس أصلاً في الإسلام الفصل السابع: تعدد الزوجات ليس أصلاً في الإسلام الفصل الثامن: الطلاق ليس أصلاً في الإسلام الفصل التاسع: الحجاب ليس أصلاً في الإسلام ويعرف المؤلف الجهاد تعريفًا خاطئًا، ويشوهه عمدًا، من أجل أن ينقض عليه بالنقض والدحض، فيزعم أن معناه قتل الكفار إذا لم يقبلوا اعتناق الإسلام، ويزعم أن هذا المعنى موافق لآي القرآن المدني، الذي سمح للمسلمين بالجهاد وأمرهم به، ومخالف لآي القرآن المكي، الذي حض المسلمين على الدعوة بالموعظة والكلمة الحسنى، ولم يقرهم على ممارسة الجهاد ولم يحضهم على ممارسته. وطبقًا لنظرية المؤلف العجيبة، في نسخ السابق للاحق، دعا إلى نسخ مبدأ الجهاد، وإلغاء آية السيف التي في سورة براءة، المدنية، وإحياء آية الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، التي وردت في سورة النحل المكية. وأصر على النسخ ذلك مع أنه لا يوجد تعارض بين الآيتين من أي نوع ولا أي اتجاه. نسخ فقه الأسرة وعندما تحدث عن تعدد الزوجات، الذي أباحه القرآن، ذكر أنه شريعة متخلفة، لا تليق بعصر تعليم المرأة وتحريرها. وادعى أن منع التعدد يلتمس في قول الله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فواحِدةً». وفي قوله تعالى: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ». ومما هو ظاهر للقارئ العادي، أن المؤلف لم يفهم المقصود من العدل، المطلوب في الآية الشريفة. وهو العدل في توجيه الميول القلبية، والعواطف النفسية، التي لا سلطان لأحد عليها، ولا سبيل إلى مطالبة الناس بالعدل فيها، وليس من العدل مطالبتهم بالعدل فيها. فليس مفروضًا على الرجل أن يتمكن من إسداء الحب إلى أزواجه بدرجة واحدة حتى يباح له الاقتران بهن. وإلا لكان أكثر الصحابة، وكان أكثر التابعين، وأكثرهم كانوا فيما يبدو معددين، مخطئين، عندما شرعوا بتثنية الأزواج، وتثليثهن، وتربيعهن! شطحات ميتافيزيقية وعندما تحدث المؤلف عن تحريم الطلاق، استشهد بحديث مرسل، أي ضعيف، يقول: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق». وأضاف إلى حجته الضعيفة كلامًا ميتافيزيقيًا، شاطحًا، يذكر القارئ بإحدى شطحات أفلاطون، في محاورة الجمهورية، عندما تحدث عن توليد النسل الأثيني، المرتجى لتحقيق حلم المدينة الفاضلة، عن طريق توقيت لحظة إيداعهم الأرحام، مع حركات معينة من حركات النجوم، أو كما قال! وفي شطحته قال محمود: «الأصل في الزواج ديمومة العلاقة الزوجية بين الزوجين. ذلك بأن زوجتك إنما هي صنو نفسك. هي انبثاق نفسك عن خارجك. هي جماع آيات الآفاق لك في مقابلة نفسك، على فحوى آية «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»، ولكنا لا نملك النور الذي به نختار في الزواج نصفنا الآخر اختيارًا صحيحًا». ص 156.. وضرب لذلك مثلاً، استقاه من وحي دراسته القديمة للهندسة، فقال: «مثلنا في ذلك يقرب منه مثل الأعمى الذي يجلس وبين يديه «خوابير»، بعضها مربع، وبعضها مستطيل، وبعضها مثلث، وبعضها مبروم، وبعضها نصف دائرة، وبعضها قطاعات دائرة على أحجام مختلفة، وأمامه سطح عليه «أخرام»، يناسب كل منها «خابورًا» من «الخوابير» التي بين يديه. فهو يحاول أن يضع «الخابور» المناسب في «الخرم» المناسب، فيتفق له ذلك حينًا، ويعييه أحيانًا، بل قد يعجز تمامًا عن التوفيق التام بين «الخابور» «الخرم». وفي الحق أن هذا المثل لا ينطبق تمام الانطباق على حالة اختيارنا الزوجة، بل إن الأعمي في هذا المثل أقرب إلى التوفيق، والتسديد، من أحدنا وهو يمارس تجربة الاختيار هذه». ص 156 157.. أي أن البشر في عهد الرسالة الإسلامية الأولى، كانوا أكثر من عميان حين اختاروا زوجاتهم. وبالطبع فقد أغفل هذا المنخرط في تشويه الإسلام: شرعًا، وتاريخًا، وحضارة، حالات اختيار الزوجات المسلمات لأزواجهن، باعتبار أن هذا ما حدث قط، مع أنه حدث كثيرًا، كما تفيد صفحات تاريخ الإسلام. وأول وأشهر من فعلت ذلك أم المؤمنين الكبرى عليها الرضوان. وكأنما لم يكفنا هذا الدجل المفتعل، من الدجال المفتعل، حتى أضاف إليه شطحة أسطورية، أنكر منه، فقال: «عندما سقط آدم بالخطيئة وحواء، وأخرجا من الجنة، هبط كل منهما في مكان من الأرض، منعزل عن صاحبه، وطفقا يبحثان: آدم عن حواء، وحواء عن آدم، وبعد لأي وجد آدم حواء، ولم يجدها. ووجدت حواء آدم، ولم تجده. ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، يبحث كل آدم عن حواه، وتبحث كل حواء عن آدمها، وأبواب الضلال واسعة، وأبواب الرشاد ضيقة، ولكنا، والحمد لله، نستقبل في كل يوم مزيدًا من النور، به تضيق دائرة الضلال، وتنداح دائرة الرشاد». ص 158.. وهكذا يترقى المجتمع البشري، في عهد الرسالة الإسلامية الثانية، ويصل إلى ما لم يصل إليه أتباع الرسالة الإسلامية الأولى، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى القرن العشرين. فهؤلاء ما كان لهم نور يهديهم إلى اختيار الأزواج، مثلما تاحَ لأهل القرن العشرين، الذي التقت فيه النظائر بالنظائر، وانضمت فيه الشكول إلى الشكول، كما قال، فأصبح الزواج، من ثم، علاقة أبدية، لا تحتاج إلى أن تفصم، أو تصحح بالطلاق! السفور الذي يحقق العفة!! وعندما تحدث الدجال عن الحجاب، قال إن: «الأصل في الإسلام السفور.. لأن مراد الإسلام العفة.. وهو يريدها عفة في صدور النساء والرجال، لا عفة مضروبة بالباب المقفول، والثوب المسدول». ص 158.. وهذا كلام يشبه كثيرًا، أغاليط المغالطين المحترفين، الذين عرفوا قديمًا بالسفسطائيين. وإلا فكيف تكون العفة دون حجاب؟! وكيف تكون العفة مع السفور؟!. وبعبارة أخرى كيف يساعد السفور على العفاف؟! . وكيف لا يساعد حجاب المرأة المسلمة على تحقيق العفة في المجتمع المسلم؟!. وهل كان المجتمع الإسلامي الأول، في عهد الصحابة والتابعين، يحقق عفته بالباب المقفول، والثوب المسدول، ولم تكن لأهله عفة في الصدور؟! ثم ما هو وجه التناقض بين أن تجتمع العفة في الصدور، مع العفة التي تتحقق بالباب المقفول، والثوب المسدول؟ وواضح أن الدجال قصد بعبارة الثوب المسدول، حجاب المرأة المسلمة الماجدة، وزيها الشرعي!! وهذه جملة أسئلة منطقية مشروعة، تنهض في وجه ادعاءات الدجال، ولكنه يتجاهلها، ولا يجيب عنها. بل لعله ما كان يحب أن يسمعها من مخالفيه. وبالقطع فإن واحدًا من قطيع أتباعه، الذين شروه عقولهم بثمن بخس، ما خطر له أن يرفعها إلى حضرته. ولو خطرت له على بال لما تجرأ ليرفعها إليه. ماذا بعد؟! وأخيرًا بعد أن قررنا هذه الحقائق، بأدلتها الطوال، ما عاد للمجادل المعظال، مجال للمقال، ولكنه مع ذلك قال: «ثم جاءت مقابلة الصحفي صلاح شعيب مع وقيع الله، فهاجم الفكرة الجمهورية، بإثارة مزاعم لا علاقة لها بالفكرة، ولا مصادرها، وحين طالبته بالأدلة، لم يهتم، وأخذ يكرر ما قال من قبل، وكان تعقيبي: فهل مجرد قول وقيع الله، بأن الأستاذ قد أنكر دعائم الإسلام، يعتبر حيثيات يمكن أن يطلقها في الهواء، ثم يقرر على أساسها، بأن الأستاذ محمود معادٍ للإسلام؟! أم أن هذه الدعاوى تحتاج إلى إثبات من كتب الأستاذ محمود، لتصبح بعد ذلك، حيثيات تناقش، فتقبل أو ترفض، على أساس الفهم؟!». ونقول له لقد أوردنا لك الآن، مجددًا، بعض الحيثيات، والأدلة، والبراهين، التي تؤكد كفر شيخك، شيخ الضلال، الذي أضلك وأزلك. وقد أوردناها لك في ثنايا ردنا عليك بدهر سابق. ولكنك شخص معاظل مجادل. لم أرَ من هو أعبط منه في خمسين عامًا.