إن السياسات الدكتاتورية الفاشلة في إفريقيا ما هي إلا نتاج طبيعي لماهية المجتمع الإفريقي الذي ينتج مثل هذا النوعية من القادة وذلك أنه نفس المجتمع الذي يمجدهم ويطلق أسماءهم على الطرق والمباني والفنادق، فكم من الطرق والمنشآت التي حملت أسماء موغابي والقذافي وبن علي ومبارك في عدد غير يسير من الدول الإفريقية، وعليه فإن القضاء على الدكتاتوريين الأفارقة من خلال النفي كما حدث مع بن علي أو المحاكمة والاضطهاد كما هو الحال مع مبارك أو حتى القتل الوحشي كمصير القذافي لن يعدو كونه محاولة تسكين للألم لا ترتقى إلى مرحلة العلاج وإلا ما الذي استفادته مصر من ثورتها على مبارك وما التغيير الذي أحدثته ثورة التحرير؟ إن فترة حكم القذافي على ليبيا فترة سيئة السمعة لا جدال في ذلك والقذافي نفسه اعترف بذلك قائلاً: «إن ثورتنا الدموية شابة وحارة» وأصبحت ليبيا تحت حكم القذافي إحدى الدول الراعية للإرهاب كما اتهم الغرب عملاء ليبيين بتفجير ملهى لابيل وإسقاط طائرة لوكربي الأمريكية وطرد كل اليهود من ليبيا بالرغم مما تردد بأن جدته يهودية.. إقليمياً خاضت ليبيا صراعات مريرة ضد كل من مصر وتشاد وغيرهما من دول الجوار الإفريقي وخطط بعضهم لاغتيالات واغتيالات مضادة ضد زعيم ليبيا كما استخدم الشرطة السرية والجواسيس لمطاردة وتعقب معارضيه السياسيين في الدول الغربية مثل أوربا والولايات المتحدةالأمريكية واصطيادهم وقد شكل نظام القذافي خطرًا على الغرب لدرجة أن الرئيس الأمريكي ريغان قد أمر بقصف طرابلس مما أسفر عن مقتل مائة شخص ضمنهم ابنة القذافي الصغرى، ويقول تقرير نشرته وكالة جنوب السودان للأنباء إنه وبالرغم من مساعدة الإسرائليين والمبشرين المسيحيين لحركة أنانيا من خلال التدريب والتنظيم والتسليح فإن القذافي يعتبر أول من قدّم مساعدات عسكرية كبيرة إلى كل من حركة أنانيا والحركة الشعبية لتحرير السودان ولقد تشكلت حركة أنانيا في العام 1977 من بقايا فلول انتفاضة العام 1975 بقيادة العميد فنست كوني ونائبه قبريال جيمس بول وقد وصف آروب مادوت في كتابه: «السودان وطريق السلام المؤلم» مساعدة القذافي للحركة قائلاً: لقد زار وفد من حركة أنانيا ليبيا طلباً للدعم العسكري وقد قدم لهم العقيد هذا الدعم إلا أنه كان متأكدًا من أن حركة أنانيا بتنظيمها الهش وقيادتها الضعيفة غير قادرة على مواجهة نظام نميري وإسقاطه ولم يكن على القذافي إلا الانتظار طويلاً حتى ظهرت الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 1983 والتي احتضنتها إثيوبيا كعادتها وعندما رأى فيها القذافي القدرة على مواجهة نميري قام بدعوة جون قرنق إلى طرابلس وأعلن تبنيه للحركة بغية إسقاط النظام بالسودان آنذاك. وصرح جون قرنق قائلاً: وصلنا إلى تفاهم جيد مع القذافي وقدم لنا الكثير من الأسلحة والذخائر بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات ولذلك لدينا مخزون جيد من الأسلحة والذخيرة الأمر الذي مكننا من إعداد كمين للأعداء واستولينا على كل معداتهم. وبالطبع لم يفعل القذافي ذلك بدوافع إنسانية بل لتصفية حسابات سياسية مع الرئيس نميري على مبدأ عدو عدوي صديقي، وهي ذات العلاقة التي ربطت بين الثوار الليبيين والناتو إذ لا توجد علاقة بينهما غير الرغبة في إسقاط القذافي وذلك أن المعايير المزدوجة أساس السياسة الدولية كما أن الانتهازية هي عملة رجال الأعمال وإلا ما الذي يدفع القذافي إلى مساعدة وتسليح جيش إفريقي مسيحي ضد زعيم عربي مسلم، بيد أن ليبيا كانت ترسل الأسلحة والذخائر يومياً إلى معسكرات التدريب بيلبام وبنوقا في إثيوبيا وعندما أصبح الدعم اللوجستي للحركة واضحاً تبنت الحركة إستراتيجية تقوم على تخريج كتيبة كل شهر يتم في تخريجها دعوة السفير الليبي ليرسل المكتب الليبي في أديس أبابا عدداً من الأسلحة والذخائر بعدد الجنود الخريجين، كما لعب القذافي دورًا كبيرًا في الصراع المسلح بين الفلسطينيين واليهود وكذلك في حركات التمرد في دارفور والجيش الجمهوري في إيرلندا ولقد تورّط القذافي بشكل عميق في المشاكل والحلول على صعيد القارة الإفريقية شارحاً مبرراته بالقول: لقد قضيت أربعين عاماً وأنا أدافع وأحمل شعار الوحدة العربية ولكن ليس هناك حياة لمن تنادي، لقد عدت اليوم إلى أرض الواقع وأنا اليوم أتحدث عن الوحدة الإفريقية فإفريقيا جنة بما تملكه من موارد طبيعية من ماء ومعادن وأريد لن أحول ليبيا إلى بلد أسود لذلك أدعو الليبيين إلى الزواج من نساء سود كما أدعو النساء الليبيات إلى الزواج من رجال سود ومع هذا التحول الفكري الواضح مولت ليبيا الاتحاد الإفريقي والبنك الإفريقي للتنمية من بين مؤسسات إفريقية أخرى، ولعل هذا هو السبب وراء النظرة العدوانية من قبل الاتحاد الإفريقي إلى المجلس الوطني الانتقالي.