ما هو أحرج موقف مر بك في حياتك؟ عندما يسألك شخص هذا السؤال.. يتبادر إلى ذهنك موقف مرَّ عليك، وبقي خالداً في ذاكرتك لن تنساه أبداً. وقد يكون على قساوته مضحكاً وطريفاً، ولا تخشى أن يطلع عليه الناس. وكان هذا السؤال من الأسئلة الراتبة في برامج المنوعات، حينما كانت أجهزة الإعلام «راديو وتلفزيون» قليلة وبسيطة، والقصد من السؤال هو إثارة جو من الفرفشة والضحك. ويبدو أن هذا السؤال اليوم قلت فعاليته، لأن المواقف المحرجة أصبحت «عادية» في معظمها إن لم تكن كلها، وما يحرج الناس بالأمس.. يكون عادياً اليوم. مثلاً: كان الإنسان حساساً إذا صادف حرجاً في قلة المال بالقدر الذي يحافظ على مكانته واحترامه لدى الآخر.. وكان إذا صادف أحدهم صديقاً أو قريباً أو جاراً له في المواصلات العامة يسارع بدفع قيمة التذكرة عنه، ويحلف كمان، حتى لو للحافلة كلها معارف. واذكر حادثة طريفة لاحد الموظفين الشباب الذي كان ينتظر في «محطة» وقد تأخر زمنه عند الصباح، فجاءت حافلة مسرعة وكانت مكتظة بالركاب فاشار إليها الموظف بعلامة يده انه مستعد للوقوف على حيله، وفعلاً هدن السائق قليلاً وركب الموظف على السلم. وكان يحمل معه حقيبة صغيرة.. فنادته من داخل الحافلة قريباً منه إحدى السيدات بالاسم/ «جيب شنتطك يا فلان عشان تقدر تمسك ما تقوم تقع وتتكسر على اهلك كمان»، قالت ذلك على سبيل المداعبة وطلعت السيدة من معارف ذلك الشاب «المستعجل». لكن المفاجأة أنه حينما التفت إليها وناولها الشنطة اكتشف ان هنالك خمس أخريات من الطالبات داخل الحافلة، واصبح جملة اللائي يعرفنه «ستة تذاكر».. اقصد ست سيدات. ضحك الشاب وهو يسلم على السيدة الأولى ضحكة عادية، ولكن حينما وقعت عينه على الاخريات كان مع كل اشارة لاحدى الطالبات تزيد الضحكة، حتى كاد ان يصاب بهستيريا الضحك «لشلاقته». وحظه ذلك الصباح. مثل تلك المواقف ما كان يكترث لها الإنسان.. «لأن قيمة التذكرة كانت زهيدة»، بل ربما كانت تزيده رضاءًَ عن نفسه بانه محترم في أعين الناس وكريم.. ولكن ضيق ذات اليد مع الغلاء علم الناس «الطناش».. والمواقف المحرجة في غير المال تكثر في المواقف الادبية. اي إنسان يحب ان يبدو محترماً لدى الآخر، بل إن البعض يحاول جاهداً أن يكون متفوقاً على الآخرين أو متميزاً.. خصوصاً معشر الجنس اللطيف وهذه غريزة لها مميزات ايجابية على اي حال لكن الانسان «المزودها حبتين».. أو كما يقال بلغة شباب اليوم «فاكيها في روحو»، كثير الوقوع في الحرج لأن اعين الناس له بالمرصاد، عسى ان يجدوا فرصة في مرمطة الغرور الزائف. بل إن المواقف المحرجة تكثر اكثر عند طلاب القمم.. ففي محافل الوزراء والرؤساء والملوك أُلفت لها كتب ونكات. وقد تأتي منها طرائف إما في البروتكولات أو في تباين التقاليد والعادات من دولة لدولة. ومن هذه المواقف الطريفة ما حدث لرئيس الوزراء الياباني الاسبق «بوشير موري» في أول زيارة رسمية له لامريكا، حيث أنه لم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة الانجليزية، فاستعان بالمترجم الخاص ليلقنه بعض الكلمات الضرورية. وأثناء مقابلته مع الرئيس «بيل كلنتون» أخطأ وقال له :«Who are you?» «من أنت»، فاستغرب كلنتون للسؤال ورد ّ قائلاً:(Well I'm Hilaery husband) أي: «حسناً، أنا زوج زوج هيلاري».. فقال له «بوشير موري:(and am also) و«أنا أيضاً».. ذلك حسبما قد حفظ من الانجليزية. أما زوجة كلنتون هي ايضاً وقعت في مواقف محرجة، فحينما تقلدت منصب وزيرة خارجية وكانت في زيارة لفرنسا، وأرادت ان تصعد درج قصر الاليزيه لتصافح الرئيس ساركوزي الذي كان في انتظارها، انخلع الحذاء من قدمها فصافحته وهي حافية، ثم عادت تضحك لتلتقط حذاءها المخلوع. طبعاً كلما كان الانسان كبيراً أو مهماً.. أو «عامل فيها» يكون اكثر عرضة للحرج، لانه تقع عليه «هيلمانه» انه يمثل الآخرين أو يمثل دولة بحالها. وقد تفرض عليه البروتكولات أن يكون منضبطاً وأنيقاً في ملبسه ولبقاً في حديثه وحتى عند جلوسه حول مائدة الطعام لازم يكون راقياً.. و«عارف اي حاجة». لكن الإنسان يرتاح أو «ياخد راحتو» حينما يرجع إلى حقيقته ويتواضع بعيداً عن الكلف التي تدخله «في اضافرينو». وحكى لي أحد الشباب قال انه كان ضمن اوركسترا لفرقة غنائية «جاز» مشهورة.. وسافروا يوماً في رحلة فنية لانجلترا، وفي الفندق جلس صاحبنا مع باقي اعضاء الفرقة في صالة راقية لتناول طعم الإفطار.. وكانوا كلهم باللبس الافرنجي وزي الفرقة الموحد والمائدة افرنجية كانت شوكة وسكين والجرسونات والمخاطبة باللغة الانجليزية وكذلك الوجبات.. وصاحبنا لا يجيد ولا يحب ولا يعرف كل ذلك.. أهم شيء انه ماهر في عزف الآلة الموسيقية وحافظ المقطوعات وفنان 100%.. وحسب قوله طلب كما طلب صديقه «المقرضم» الذي يجاوره، فجاءت النتيجة دجاجة «ملظلظة» محمرة ومجمرة على سرويس فاخر.. استعصى عليه كثيراً وهو يعالجها بالسكين والشوكة، وكادت ان تطير من السكين وتخرج خارج الصالة في احدى هجماته القاسية التي انقض فيها عليها، وكان حينها جائعاً جداً. فما كان منه إلا أن همس في اذن صديقه وجاره في السفرة الذي قضى على صحنه دون رحمة وقال: «والله يا عادل.. الدجاجة دي القاها براي جوه الاوضة اعمل فيها عمايل.. بلا شوكة بلا سكين .. اسع جدادتك دي انت قطعتها كيف يا شقي الحال»؟