يتميز العصر الحالي بأنه عصر الإعلام والمعلومات، لما يمتلكه من قدرة على التأثير والإقناع، وتشكيل الأفكار، وصياغة الرأي العام فقد أصبح الإعلام عاملاً من عوامل التنمية وعنصراً متزايد الأهمية في التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتتزايد أهمية الإعلام في العصر الراهن يوماً بعد يوم، وأصبح بوسائله المختلفة أفضل القنوات تأثيراً وأسرعها وصولاً لأكبر عدد ممكن من الجماهير، وغدت أكثر تعقيداً بفضل كثرة المحطات الإذاعية والتلفزيونية وازدياد ساعات بثها، وزاد استخدام الأقمار الصناعية من دائرة البث كما ظهرت وسائل اتصال حديثة مختلفة نتيجة لاندماج ثورة الاتصالات وثورة المعلومات وثورة الحاسب الآلي وظهرت خدمات عديدة ومتنوعة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للأفراد إلى المعلومات من أجل العمل والترفيه مثل الحاسبات الشخصية المتنقلة والاتصالات الرقمية والألياف الضوئية وما نتج عن ذلك من خدمات اتصالية جديدة مثل الفيديو تلكس والتليتكست، والاتصال المباشر بقواعد البيانات وعقد المؤتمرات عن بعد والبريد الالكتروني، وفي الوقت نفسه انعكست هذه التطورات على الصحف والإذاعة والتلفزيون والسينما وتفرعت عنها وسائل الاتصال الصغيرة أو المحلية التي اندمجت مع قنوات الاتصال الشخصي التقليدية وأصبحت معاً أداة لمساعدة وسائل الاتصال الجماهيرية في مجال المستحدثات الجديدة والتطوير. والإعلام هو أداة معرفة يومية للجمهور العام، فله دور كبير في تعريف كيفية التعامل مع الأزمات المختلفة، ففي مرحلة ما قبل الأزمة: فإذا كانت من النوع المتوقع فالإعلام يتركز دوره في هذه المرحلة على التعريف بالأزمة وكيفية مواجهتها بشكل وقائي مخطط ومحدد في خطوات، وهذا تفادياً لزيادة سوء الموقف. ومع حدوث الأزمة: فعلى الإعلام أن يعالج الموقف بشكل علمي، بداية التعامل مع ذعر الجمهور وطرح الحلول المتعددة التي يمكن أن تستخدم لمواجهة الأزمة. أما في مرحلة ما بعد الأزمة: فدوره يتحدد في دراسة وتحليل أسلوب المعالجة الذي تم اتباعه من سلبيات وإيجابيات والمساعدة في طرح خطط وقائية جديدة تتفادى سلبيات الخطط والمعالجات الإعلامية السابقة. ولكن التغطيه الإعلامية عندنا قد تفتقر لمهارات وقدرات رجال الإعلام المناسبة من أجل القيام بهذا الدور، إضافة إلى ميل العاملين في الدولة للتقليل من أهمية دور الإعلام ضمن شركاء آخرين في تحقيق الأهداف وبالتالي تحديد مدى المعلومات والمعرفة التي يمكنهم الحصول عليها. هذا إضافة إلى اعتبار الإعلام مجرد وسيلة لنشر المعلومات. إن مهمة وسائل الإعلام لا تبقى مقتصرة على تلقي وبث الأخبار والمعلومات ولا على تفسيرها وتحليلها، بل هناك مهمة غائبة وهي «المساهمة في رقي وتطوير المجتمع نفسه من خلال دفع القراء والمستمعين والمشاهدين إلى إدراك خطورة الأزمات وإلى البحث عن حلول»، وبالتالي تتلخص الوظيفة الإعلامية في مجالين: * أن تقوم وسائل الإعلام في المجتمع بدور المنبه من خلال إثارة اهتمامه بنواحي الأزمة. * حشد الدعم الشعبي والجماهيري للتعاطي مع الأزمة والتي تفقد مضمونها دون مشاركة شعبية فاعلة. هذا هو الجانب العلمي في الإعلام الذي يفترض أن يتنزل على أرض الواقع في أجهزتنا الإعلامية الرسمية والخاصة بصفتها «الوطنية».. ولكن!! ما قادني للحديث وبهذه المقدمة هو موقف إعلامنا من الكثير من القضايا الراهنة.. ورغم ما يقوم به الساسة من تنويرات عديدة لكل القطاعات السياسية والحزبية في البلد إلا أن الإعلام «إلا في بعض الصحف» لم يحرك ساكناً تجاه هذه القضايا إلا بعد تحولها الى «أزمة» والنتيجة: غابت الحقائق عن الجمهور وغابت المعرفة وغابت التفاصيل وغابت القراءات لما يمكن أن يحدث.. وكما «نشتري يوم الوقفة» وكما يفاجئنا «رمضان يوم 29 شعبان» فتلك القضايا تتحول الى أزمة بسبب غياب أو «تغييب» الإعلام الذي يطبق اليوم «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي» وبين هذه وتلك يحدث ما يحدث وحينها فقط تنتات الأجهزة الإعلامية نوبة «صحيان» فجائية بعد أن تكون القضية المعنية قد تحولت القضية الى أزمة. إن التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الإعلام والاتصال والتكنولوجيا في الوقت الحالي جعلت الإعلام يخترق كل الحدود والحواجز ويصل إلى جميع الناس بدون استثناء. وتلك الوسائل الجديدة عززت دور الإعلام فقد أتاحت له فرصة نقل الأخبار والمعلومات بأسرع وقت وبتكاليف أقل.. ولقد شهد العالم في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي تطورات وتحركات سياسية كبيرة مما دفع الدول والحكومات باللجوء إلى مختلف الوسائل والأساليب الإعلامية والاتصالية من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها وتعميق مبادئها والترويج لايديلوجيتها، وظهر الإعلام السياسي الذي يهتم بالجوانب والقضايا السياسية ويقوم بإحداث التأثير والتغيير في الآراء والأفكار والقناعات لدى الجمهور ويسهم في عملية صنع القرار السياسي. وصار يحظى باهتمام الوحدات والتيارات السياسية كونه المعبر عن فكرها وفلسفتها ونشاطاتها وتطورها وقدرتها على التأثير في الجمهور. تطور الإعلام السياسي مع تطور وسائل الإعلام المختلفة اذ أصبح يهتم بكيفية توظيف واستغلال تلك الوسائل في العملية السياسية، إذ يقوم بنقل وتحليل النشاط السياسي وإتاحة المجال أمام السياسيين وقادة الرأي للحصول على المعلومات والبيانات، وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم وقراراتهم ومواقفهم، مما يساعد في كل العمليات والخطوات المصاحبة لصنع القرار السياسي فضلاً عن اعتماد الجمهور عليها في تكوينه واعتقاده واتجاهاته ومواقفه المختلفة إزاء الأحداث والسياسات التي تقع داخل الواقع المحيط به. والسؤال هنا هو أين إعلامنا من كل هذا.. وهنا لا أريد ان أتحدث عن المقدرات والإمكانات ولكن غياب المبادرات هنا هو اللاعب الأساس في هذه القضية. ولننظر في الحالة المصرية القريبة جدا ونرى دور الإعلام في قيادة الرأي العام وإقناعه.. فالجميع يدرك تماماً أن الشرعية في مصر قد تم وأدها ذلك لا جدال فيه.. وحين هب العالم الغربي وغيره للرفض والاستنكار.. لعبت الآلة الإعلامية الموالية للانقلابيين في تصوير وتوثيق كل الأحداث السالبة عن الحكم الشرعي وزادت عليها.. «صنعت» حقائق زائفه بالاستنطاق للمواطنين وكل فئات المجتمع وصورتها بنظام الفيديو وما ادراك ما تقنيات الفيديو ووزعتها على كل السفارات والأجهزة الإعلامية العالمية والمحلية الموالية والمناهضة.. ورغم الزيف والمعالجات إلا انها نجحت في تحييد الإعلام العالمي وبالتالي المنظمات الدولية التي كانت تدين على استحياء.. فماذا حدث؟ ان الذي حدث هو ان السلطة الانقلابية وعبر الإعلام نجحت في مخططاتها وحدث ما حدث وأصبحت هناك فقط أصوات متفرقة «تركيا» تغرد وحيدة دون ان يعيرها العالم أدنى سمع.. وكلنا نتابع عبر القنوات الفضائية العالمية محاكمة «الشرعية» في مصر.. دون ان يحرك العالم ساكناً. والذي أود ان أقوله لماذا لم تقم الأجهزة الإعلامية عندنا مثلاً برصد وتصوير وتوثيق ما فعله قطاع الشمال وسعيه الدائم لوأد اية محاولة للوصول لاتفاق مع الحكومة وتمليكها للأجهزة والمحطات العالمية لإعلامها «ان لم تكن تعلم» بحقيقة التخريب والدمار الذي قادته هذه الفئة في ربوع كردفان والنيل الأزرق؟ وتبثها تباعاً ليعلم العالم الخارجي الحقائق قبل ان تبدأ القنوات «العميلة» في شن حملتها المضادة وتزييف الواقع.. والسعي لإدانة الحكومة والتهديدات الجوفاء التي أطلقتها وستطلقها بالفعل. ان الفرق بين الذي حدث بمصر وأحداثنا كبير جداً.. فهناك تزييف للحقائق والمشاهد أعدت بمهارة.. وهنا الحقائق على الأرض تنادي ولكن لم يفتح الله على إعلامنا بالتقاط قفاز المبادرة ليوضح للعالم حجم الجرم الذي تم في حق الوطن من قبل المخربين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله في الذين أدمنوا الاتيان بردود الفعل دون صنع الفعل نفسه..!! لا شكّ أنّ الإعلام يمثّل بؤرة اهتمام الرّأي العامّ عند حدوث أزمة، والإعلام يمكن أن يلعب دورا جدّيّا وحيويّا في التّوعية بالأزمات المحتملة. ودور الإعلام الرّئيس هو التّأكيد على صالح المواطن وتبصيره لكلّ ما يمكن أن يضرّه، و خلق إحساس بالمسؤوليّة الجماعيّة وتأكيد روح التّكامل والتّعاون. ويسعى الإعلام عند حدوث الأزمات إلى الحصول على المعلومات اللاّزمة، والقيام بالاستعانة بالخبراء لإجراء التّحليلات والتّعليقات، والهدف هو خلق رأي عامّ واع ومهّيأ لامتصاص ما حدث.. فهل إعلامنا اليوم يفعل ذلك؟ أم انه يكتفي بالتعليق على الأحداث التي صاحبت غيابه عن ملعب القضية واكتفائه بالانتظار «لينشر فقط» ما تم؟ أين التقارير الإعلاميّة التي تتناول جميع عناصر الأزمة وتأثيرها، وخاصّة فيما يتعلّق بالجمهور والرّأي العامّ؟ وبما أنّ التّهديدات والمخاطر المرتبطة بالأزمة علاوة على ضغط الوقت ترفع من درجة التّوتّر ولاعقلانيّة الجمهور، ومن ثمّ يكون أكثر عرضة للاستهواء والوقوع تحت تأثير الشّائعات، كان من الضّروريّ تكرار الرّسائل التّحذيريّة. وكلّما زادت المصادر الّتي يسمع منها الفرد رسالة التّحذير والدّفاع كلّما زاد الاعتقاد في مصداقيّته، ولذلك فإنّ استخدام مصادر وقنوات إعلاميّة متعدّدة يزيد من احتمال وصول التّحذير أو المعلومة بالنّظر إلى فئات مختلفة من الجمهور، كما أنّه يؤدّي إلى التّغلب على حالات التّشتّت المعتاد الّتي تنتاب بعض فئات الجمهور.. فهل أدى إعلامنا الرسمي هذا الدور؟ أن أي إعلام لا بد له من أهداف يعمل من أجلها، ولكي يحقق صفته وهدفه لا بد له من تبني أهداف تحمل في جوهرها ودلالاتها مسؤولية المجتمع الذي ينشط فيه هذا الإعلام، ومن أهمها فهم وإدراك ما يحيط بالإنسان من ظواهر وأحداث وتنمية الحس الوطني والقومي لدى المواطنين، وكشف الأفكار الهدامة والداعية إلى تعميق الخلاف في المجتمع والتركيز على الإحساس بالمال العام وتقديره والحفاظ عليه.. ولن نتساءل عن دور الإعلام الرسمي في ذلك.. فما نتابعه حالياً يجيب وبجلاء. فإن كانت وسائل الإعلام، بكل تقسيماتها، تمثل فاعلاً محورياً في صياغة عالم اليوم، فإنه يمكنها أن تلعب دوراً توعويا وتربويا مهما في خلق وعي بالأزمات من خلال الإخبار والشرح والتفسير، أو الميل إلى تغطيتها بطريقة درامية إثارية يغلب عليها التسطيح وتغييب وعي الأفراد والاختيار بين هذين النمطين، هو الذي يجعل الإعلام يتموقع ضمن الفاعلين الساعين إلى تجاوز الأزمات، أو أولئك الباحثين عن تضخميها واستثمارها في الحصول على عائدات آنية.