دول الجوار الإفريقي هل يقوم السودان بدور فعال تجاه قضاياها الداخلية؟ وهل مطلوب منه ذلك لواجبه تجاه جيرانه أم من منطلق إجرائي وقائي للحفاظ على أمنه وسلامته؟ لأن ما يطول تلك الدول قد يدلف إلينا قسراً عبر حدودنا معها كما حدث قبل فترة مع دولة الجنوب التي صدرت لنا مشكلاتها الداخلية والأمنية دون أن يكون لنا ناقة أو جمل فيها. ثم ماذا بشأن الممارسة السياسية بالسودان بالمعيار الديمقراطي الحقيقي وما تقييم التجارب الديمقراطية الثلاث السابقة التي مرت بالبلاد ورابعتها التجربة الحالية، هذا إذا سلمنا أنها كانت تجارب ديمقراطية، فعلى حد قول ضيفنا في هذا الحوار عندما سألناه هل فشلت الديمقراطية نفسها أم أنه تم إجهاضها، قال مجيباً إنه أصلاً لم تكن هناك ديمقراطية بالسودان حتى تفشل، مرجعاً ذلك ومؤرخاً له منذ الاستقلال عام 1956م وحتى الآن. ويرى أن الأحزاب السياسية تساوي صفراً مقابل المجموع الكبير للشعب السوداني، فهي أقلية ويعبر عنها بأنها (الشعب السياسي) فقط والآخرون من أغلبية الجماهير هم الشعب الحقيقي. وهل تشبه الليلة بارحة الستينيات فيلعب السودان دوراً مثمراً في حل مشكلة دولة الجنوب السوداني كما حل من قبل مشكلة دولة الكنغو آنذاك، وماذا عن لعبة الكراسي بالسودان والإصلاحات والانتخابات والزمهرير والشتاء العربي المحرك أمريكياً؟ وما موقع اللجان الثورية بالسودان من الإعراب الآن بعد وفاة الزعيم الليبي السابق القذافي.. كل ذلك في حوارنا.. مع الأستاذ عبد اللَّه زكريا رئيس المركز العالمي للدراسات الإفريقية والأب الروحي للجان الثورية بالسودان.. فإلى مضابط الحوار. حوار: أحلام صالح: ما تقييمك للتجربة الديمقراطية بالسودان ولماذا دوماً تفشل على مدى ثلاث حقب رابعتها الحقبة الحالية (نظام المؤتمر الوطني)؟ السودان منذ الاستقلال عام (1956م) تبنى الديمقراطية الليبرالية الغربية، وهذا النوع لا يتفق فقط مع السودان بل أيضاً لا يتفق مع كل ما يسمى دول العالم الثالث، لأن أوربا وأمريكا لها تاريخ وحضارة تختلف كلية عما يسمى العالم الثالث، هذا أولاً وثانياً، فإن الديمقراطية الغربية فشلت في موطن نشأتها في أوربا وأمريكا وتحولت أنظمة الدول الأوربية وأمريكا إلى نظام دكتاتورية المال. إذن ما هو المطلوب بالضبط حتى نجد ديمقراطية مناسبة؟ قبل أن نتحدث عن الديمقراطية في السودان لا بد أولاً من التفكر في ديمقراطية تتطابق مع مكونات الشعب السوداني الروحية وما يميز مجتمعنا السوداني من عقائد وأعراف تختلف تماماً عما يقوله المفكرون والسياسيون السودانيون عن الديمقراطية. هل لديك ملاحظات حول الممارسة السياسية بالسودان وأثرها في الجماهير؟ في تجربتنا السياسية منذ الاستقلال لم نستطع أن نفرق بين الشعب السوداني السياسي والشعب السوداني الحقيقي، فالشعب السياسي عبارة عن أقلية تفرض دكتاتورية على الشعب الحقيقي سواء أكانت دكتاتورية حزبية أو عسكرية، بمعنى آخر خضع السودان منذ الاستقلال إلى دكتاتورية الشعب السياسي التي فرضت على الشعب الحقيقي.. وجميع هذه الدكتاتوريات فشلت فشلاً ذريعاً. عفواً ولكن السودان حكم مدنياً وحكم عسكرياً وإفشال المشروع الديمقراطي قائم في الحالتين؟ لا فرق في أن يكون الشعب السياسي حزبياً أو عسكرياً، ولكن المهم أن نسأل أنفسنا عن الشعب السياسي المكون من مجموعة أصفار والشعب الحقيقي الذي هو صاحب السيادة الحقيقية بالتعريف الذي لا يخالفه أحد، لأن الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب. وأين يوجد هذا الشعب الحقيقي الذي تتحدث عنه.. أم أنها مدينة فاضلة تجاهد لبنائها وسط أنقاض ومتناقضات السياسة؟ الشعب الحقيقي موجود في مواقع العمل وأماكن السكن بملايينه الأربعينية، والحديث عن أنظمة دكتاتورية وأنظمة شمولية وأنظمة ديمقراطية هو خداع للشعب السوداني وإزهاق لحقوقه. وهل خداع الشعب وإزهاق حقوقه يدخل في دائرة فشل الديمقراطية بالسودان؟ أصلاً لم توجد ديمقراطية حتى تفشل، ولكن فشلت المعارضة مع الحكومة في إحداث تغيير يقود لديمقراطية حقيقية مثلى. وفشلت الحكومة في تطبيق الديمقراطية المثلى الحقيقية، والفشل سببه ما حدث من انشقاقات وصدامات داخل كل حزب وكذلك بين كل الأحزاب. كثرت الانشقاقات داخل أحزابنا وتنظيماتنا السياسية في وقت نحتاج فيه للوحدة الوطنية.. ما السبب بنظرك؟ سبب الانشقاقات والخلافات هو الصراع حول السلطة وليس خدمة للشعب السوداني، وحتى ما تم من إنجازات في تاريخنا السياسي من الأنظمة التعددية أو نظام الحزب الواحد أو الأنظمة العسكرية تم فيه تدمير جميع هذه الإنجازات بسبب الصراع على السلطة. الإصلاحات التي تمت أخيراً بالدولة وتعديل المناصب القيادية.. كيف تراه بعين الشعب ومصلحته؟ الإصلاحات التي تمت بالدولة أخيراً هي فقط داخل مكونات الشعب السياسي، ولا فرق بين فرد سياسي وآخر وحزب سياسي وآخر، فالأمر مهما حاولت السلطة الحاكمة تجميل وجهه لا يعدو أن يكون لعبة كراسي سلطة وتغيير سيناريو يحمل نفس المعنى ولا يخدم الشعب الحقيقي بشيء. الانتخابات المرتقبة عام (2015م) ما هو تصورك لمشاركة القوى السياسية فيها؟ إذا شاركت القوى السياسية التي خارج الحكومة الآن أو حتى التي داخلها في الانتخابات القادمة، عام (2015م)، فهي مشاركة ستكون بعيدة عن الشعب الحقيقي، لأن الديمقراطية الحقيقية لا علاقة لها بالانتخابات، فجميع أفراد الشعب ليسوا بالسلطة. ضع كفي ميزان يحملان الشعب من جهة والأحزاب من جهة أخرى بمنطق الديمقراطية أو الشورى؟ الأحزاب جميعها تساوي صفراً بالنسبة لمجموع أفراد الشعب السوداني الذين يجب أن تكون مشاركتهم بديمقراطية حقيقية، والديمقراطية تعني مشاركة كل الناس بالحكم، ولا توجد مشكلة فكرية بين الشورى والديمقراطية، فهما وجهان لعملة واحدة لغير المتطرفين من الجانبين. انفتاح السودان أخيراً في علاقاته مع دول الجوار الإفريقي ما رأيك فيه؟ من واجب السودان أن تكون له أفضل العلاقات مع دولنا الإفريقية وخاصة دول الجوار، وقد ساهم السودان في تحقيق السلام والاستقرار في جميع الدول الإفريقية وعلى رأسها دول الجوار السوداني، وأي تقاعس أو تخلٍ عن ذلك الدور المهم يؤثر سلباً في السودان واستقراره الداخلي. إذن فأنت ترى ضرورة توطيد العلاقات مع دول الجوار الإفريقي من منطلق واجب الجوار والمصلحة المشتركة؟ ليس من مصلحتنا عدم القيام بواجبنا تجاه إفريقيا، لذلك فالسودان يؤمن بالوحدة الإفريقية والعربية، ولن تتم هذه الوحدة في ظل أي صراع بين دول المنطقة أو داخلها، فإذا كان السودان حارساً أميناً على مصالح دول الجوار وأمنها وسلامها فإن ذلك ينعكس عليه إيجاباً، ويكون صمام أمان شامل له على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والقبلية والإقليمية والعربية... إلخ. وماذا عن دور السودان بوصفه وسيطاً ومصلحاً لما يحدث بالجنوب من صراعات ومشكلات داخلية؟ في هذا التوجه فدولة الجنوب هي الأقرب بالنسبة لاستقرار دولة الشمال السوداني، فسياستنا هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية والصراع الداخلي لدولة الجنوب، والآن ما يحدث بالجنوب من صراع داخلي سواء أكان سياسياً أو قبلياً، فإن موقف دولة السودان الشمالي المحايد يعتبر في منتهى الحكمة، لأنه لا يجوز أن نتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى كما يؤكد ذلك العرف والقانون الدولي. سبق أن نجح السودان في حل مشكلة دولة الكنغو في الستينيات وأنهى حروبها وصراعاتها بوساطة.. فهل يتكرر نفس الشيء بالجنوب السوداني؟ تدخلنا في حقبة الستينيات بالوساطة لحل مشكلة حرب دولة (الكنغو) يختلف، فقد تدخل السودان لحسم الصراع الدائر بين الرئيس (الكنغولي) آنذاك (لومبا) وقوى الاستعمار الغربي بالكنغو وحسم الصراع لصالح الكنغو، أما في دولة الجنوب الآن فالصراع داخلي بين أبناء وطن واحد، والسودان يلعب فيه دوراً بالوساطة ضمن منظومة دول (الإيقاد)، ولو رضي طرف بالمفاوضات بالخرطوم ربما يرفض الطرف الآخر. في أي إطار يندرج تدخل يوغندا في الجنوب السوداني أثناء حربه الداخلية تدخلاً عسكرياً؟ تدخل يوغندا كان لتأييد طرف من طرفي الصراع على الآخر في نزاع الجنوب، بدليل أن نائب رئيس دولة الجنوب السابق (رياك مشار) جعل من شروط نجاح التفاوض بأديس خروج القوات اليوغندية من الجنوب، وإذا كانت الذريعة للتدخل اليوغندي بالجنوب هي جيش الرب الذي يحارب النظام اليوغندي (الحاكم)، فلماذا توغلت القوات اليوغندية إلى مدينة بور في أعالي النيل. يرى البعض أن عجز الاتحاد الإفريقي عن القيام بدوره واحتواء مشكلات القارة الإفريقية هو الذي يؤجج الأوضاع والحروب بها؟ الاتحاد الإفريقي عجز ويعجز دوماً عن القيام بدوره في حل الصراعات الداخلية ومشكلات الدول الإفريقية، لأنه لا يملك القدرة المالية الكافية التي يجب أن تتوفر بمساهمات مالية مشتركة، فإذا تمت المساهمات وتحسنت الأحوال المالية للاتحاد، فحينها ينفذ قرار تكوين جيش إفريقي مشترك تابع للاتحاد الإفريقي، وتكون مهمته التدخل السريع لحسم صراعات ومشكلات الدول الإفريقية، ولكن أين المال اللازم لذلك. وهل هذا الباب (العجز المالي) والتجييش لجيوش الاتحاد.. هل هو الباب الذي تدخل به الأممالمتحدة وتتذرع به للتدخل في شؤون الدول الإفريقية الداخلية؟ بالتأكيد الأممالمتحدة تجد ثغرة تنفذ من خلالها للتدخل السافر بإفريقيا لوجود فراغ أمني لا يستطيع الاتحاد الإفريقي سده، فتنتشر قوات حفظ السلام الأممية وفقاً للبند السابع في كل حدب وصوب إفريقي، ووفقاً لهذا البند تجيش الأممالمتحدة الجيوش حيث يجوز لها بموجبه (حماية المدنيين العزل إذا تعرضوا لخطر محدق). ما يحدث بدولة الجنوب له آثاره دوماً التي تنعكس على جنوب كردفان والنيل الأزرق بالشمال السوداني.. ما قولك؟ أولاً جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق مرتبطان بما يحدث من صراع في جنوب السودان، أما مشكلة دارفور فيمكن حلها، في دارفور دون تدخل من أية جهة. ما هي مآلات حركة اللجان الثورية بالسودان والعالم العربي أخيراً سيما بعد وفاة الزعيم معمر القذافي؟ منذ قيام الحكومة الانتقالية السودانية برئاسة المشير (سوار الذهب) عام (1985م) لم تكن للجان الثورية بالسودان بوصفها تنظيماً سياسياً أية علاقة مع ليبيا، لذلك فزوال النظام الليبي السابق بقيادة الراحل الرئيس معمر القذافي لم يؤثر علينا من قريب أو من بعيد في حركة اللجان الثورية بالسودان، لأنها حركة سودانية لحماً ودماً ونشأةً وتكويناً، فهي مستقلة استقلالاً كاملاً عن أية جهة في أي مكان. ما هي إذن برامجكم العملية المستقبلية الفاعلة بالساحة السودانية؟ الحركة تنظم الآن لعقد مؤتمرها العام، ونشاط اللجان الثورية لا يقاس بنشاط الأحزاب السياسية الأخرى، لأنها حركة ثقافية في المقام الأول وتعلن عن مواقفها بوضوح وشفافية تجاه الأحداث الوطنية والخارجية بطريقتها الخاصة. ما هو تقييمك لما تعارف على تسميته ثورات الربيع العربي وكان من أوائل من أطاحتهم بليبيا الرئيس السابق (القذافي)؟ أنا أسميه الشتاء العربي القارس والزمهرير العربي المحرك أمريكياً لقتل الناس وتدمير العالم العربي الإسلامي والإفريقي من الداخل بايعاز من الخارج الاستكباري، واستعماره استعماراً ناعماً بأيدي أبنائه على النهج الحديث.