كثيراً ما أشعرُ بالحزن من حال أحزابنا السياسية وأتساءل كيف نُقبل على ممارسة سياسية تُفضي إلى مستقبل زاهر لهذه البلاد بينما أحزابُنا لم تتجاوز مرحلة المراهقة بل الطفولة السياسية؟! كيف ننطلق نحوالمستقبل وأحزابُنا تؤذِّن في مالطا فهى في وادٍ والشعب في وادٍ والتحدِّيات التي تكتنف المشهد السياسي في وادٍ آخر تماماً كمن يطفئ الحريق الهائل بكوب ماء أو من يبكي على عنز الجيران التي ماتت بينما والدتُه تُوارَى الثرى؟! أقول هذا الكلام بين يدي مداولات منتدى الصحافة والسياسة الذي تحدث فيه عددٌ من الرموز السياسية من بينهم السيد الصادق المهدي الذي قال عجباً!! فقد عُقدت الندوة حول الدستور فماذا قال المشاركون وماذا قال المهدي؟! الصادق المهدي طالب بضرورة الاتفاق حول مفوضية قومية تُعِدُّ لمؤتمر دستوري لإجازة مشروع الدستور الدائم... يا سبحان الله... نفس الكلام الذي ظل المهدي معتقلاً بين جُدُره منذ سنوات يتغيَّر الواقع السياسي وتنشأ تحدِّيات جديدة وينفصل السودان إلى دولتين وتجري قبل ذلك انتخابات ويتغيّر الكون ولا يتغيَّر طرح الصادق المهدي الذي يعلم أنه مجرد كلام والسلام... كلام غير قابل للتطبيق لأنه لا أحد يستطيع أن يحدِّد لنا شكل ذلك المؤتمر الدستوري وعضويته والتمثيل فيه والأحزاب والقوى المشاركة وحجم تمثيلها؟! المؤتمر الشعبي ممثلاً بكمال عمر المحامي ترك الدستور ودعا إلى حكومة قومية باعتبار أن المناخ السياسي غير مهيّأ لصناعة الدستور!! الحزب الشيوعي ممثلاً بيوسف حسين طالب بحكومة انتقالية مدتها ثلاث سنوات تعمل على حل القضايا العالقة ودعا إلى تكوين «لجنة شعبية» يرأسها الصادق المهدي للتوعية بالدستور!! أما ضحكتم قرائي الكرام؟! بالله عليكم هل رأيتم مثل هذا اللعب؟! أقول اللعب لأن سياسيينا يضيِّعون أوقاتهم وينشغلون بمناقشة مدى تأثير دم البعوض على الوضوء بعد أن فرغوا من قتل الحسين في كربلاء!! حرب يخوضها الأجانب من دولة جنوب السودان في بعض ولايات السودان الشمالي من خلال عملائهم عقار والحلو وعرمان لا تجد حظها من النقاش أو تصدر بشأنها بيانات من الأحزاب بل تنخرط بعضُ تلك الأحزاب في تجمعات سياسية مؤازرة لمن يخوضون الحرب على بلادنا ويقودهم الشيوعي فاروق أبو عيسى الذي لا وزن له في السودان!! بالله عليكم كيف يرضى المهدي أن يضمَّه تجمُّع واحد مع أبو عيسى والشيوعيين الذين يسحبون كثيراً من رصيده الجماهيري تماماً كما كان يفعل ياسر عرمان الذي كان المهدي متحالفاً معه تاركاً ابنته تنقاد له وتصحبه إلى كثير من المناشط التي يقوم بها؟! لم أسأل بالطبع عن موافقة المهدي على أن يتولى رجل في وزن أبو عيسى قيادة تجمُّع يكون المهدي أحد أعضائه.. كما لم أسأل المهدي عن رأيه فيما جرى في النيل الأزرق وجنوب كردفان حيث ظل الرجل صامتاً بل محايداً بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي «لتحرير» السودان بالرغم من أنه لم يعد جيشاً سودانياً بعد انفصال الجنوب!! إن حالة الشلل التي أصابت المهدي تفتك بحزبه ففي حين أن الرجل لا يكفّ عن الكلام حول قضايا أكون كبَّرت من حجمها إن قلت إنها نوافل تجده في نفس الوقت صامتاً لا ينبس ببنت شفة حول قضايا سيادية خطيرة مثل تحالف كاودا أو مواقف عرمان والحلو وعقار الذين يُصرُّ على أن يستقوي بهم في معركته ضد الحكومة تماماً كما يفعل المؤتمر الشعبي المنقاد بمراراته الشخصية التي تجعله يقدِّم الخاص على العام والمتغيِّر على الثابت لدرجة التحالف مع الحزب الشيوعي والحركة الشعبية!! أقول ذلك ناصحاً متجرداً بالرغم من أن مصلحة منبر السلام العادل «الأنانية» تكمن في إضعاف جميع الأحزاب الأخرى التي يصعد اليوم على حسابها ويشقُّ طريقه بقوة نحو المستقبل فهو الحزب الوحيد الذي ينشط اليوم من خلال مبادراته وندواته ونشاطه السياسي لدرجة أنه أصبح الشغل الشاغل لعرمان في حله وترحاله والمرصود الأول من قِبل السفارات وأجهزة الاستخبارات!! أقول إن السودان يحتاج إلى أحزاب قوية وقد أعجبني كلام الرئيس البشير خلال مؤتمر حزبه بولاية الخرطوم ظُهر السبت الماضي حين أكّد على أهمية قيام أحزاب قوية وتعهَّد بتوفير الحريات للأحزاب السياسية حتى تنطلق الممارسة السياسية الراشدة اللازمة لقيام الحكم الراشد والتي لا تستقيم بدون منافسة حقيقية لاستقطاب الولاء الجماهيري لتحقيق التداول السلمي للسلطة. إنني لأطلب من الرئيس البشير الذي أعلم أنه كان يعني ما يقول حين تعهّد بتوفير الحرية الكاملة للأحزاب السياسية حتى تقوى وتنافس على السباق الانتخابي القادم ذلك أنه من شأن اشتداد ساعد الأحزاب أن يقوِّي من الحزب الحاكم الذي لن يأخذ الأمر مأخذ الجد ما لم يشعر بالتحدي ومن هنا أطلب من الرئيس أن يأمر ولاته ومعتمديه في شتى أنحاء السودان بأن يُتيحوا الحريات للأحزاب السياسية بدون تضييق على قيام الندوات والمحاضرات والنشاط السياسي. أقول ذلك بين يدي ما تعرض له منبر السلام العادل من تضييق في منح الإذن بقيام ندوات خارج دُوره في بعض الولايات والمدن وأرجو ألا نضطر إلى مواجهات قانونية أو إقامة دعاوى تتيح لنا ممارسة حقنا الدستوري وثمة سؤال منطقي أوجِّهه إلى المؤتمر الوطني: هل تطلبون إذناً من الشرطة والأجهزة الأمنية قبل إقامة مناشطكم وهل يطلب الوالي أو المعتمد «رئيس المؤتمر الوطني» إذناً من أحد؟! أختم بالقول إن على أحزابنا السياسية أن تعلم أن ممارسة نشاطها من دار واحدة أو من مقرها ومركزها الرئيسي لن يمكِّنها من الالتصاق بالجماهير والاحتكاك بقضاياها ومن استكمال هياكلها التنظيمية فهلاّ استعاضت عن الندوات التي تُدار في مقر الحزب بالتوسع الأفقي والزحف نحو الجماهير في العاصمة والولايات؟! إن على المؤتمر الوطني أن يحمد الله كثيراً أن رياح الثورات العربية تجاوزته بالرغم من التململ بسبب الضائقة المعيشية وعليه أن يعلم أن ضعف الأحزاب السياسية هو السبب الأول في إنقاذه من رياح التغيير مع عامل آخر مساعد هو أن الرئيس البشير يحظى بقبول جماهيري كبير كان له أثر واضح في التماس العذر له بمنطق عين الرضا عن كل عيب كليلة لكن بالرغم من ذلك على المؤتمر الوطني أن يعمل على أن يوفِّر ذات المناخ الذي وفّرته الثورات العربية اتّعاظاً بما جرى في تلك الدول وهذا ما لن يتأتّى ما لم تقم ممارسة سياسية راشدة تُتيح الحريات للأحزاب والقوى السياسية وتُعين الأحزاب على أن تتقوّى وتنهض وعلى المؤتمر الوطني أن يعترف أنه ما كان من الممكن أن يكون بهذه القوة لو لم يكن مُمسكاً بزمام السلطة، فهلاّ أقام العدل ومكّن الأحزاب من بعض ما توافر له من إمكانات مادية هائلة وهلاّ ضبط الممارسة السياسية لمنسوبيه في الجامعات بعيداً عن البلطجة والفهلوة التي رأيناها رأي العين في انتخابات بعض الجامعات!!