لا قومية ولا انتقالية بل برنامج «مشترك» ترتضيه كل القوى السياسية السودانية ..هكذا قالها السيد رئيس الجمهورية في البحر الأحمر عشية الجمعة الماضية وهكذا انقطع الطريق أمام المهرولين تجاه السلطة من أجل عسل المناصب. فالرجال الذين ارتضوا الحوار مع المؤتمر الوطني بكل أطيافهم السياسية ظنوا أنهم سينالون إحدى الحسنيين «أما الحكومة الانتقالية او شقيقتها القومية» فهم إذاً يراهنون على نظام المحاصصة أو الكوتات الذي يعطي هؤلاء المهرولين سلطة بلا تفويض ومهام بلا قدرات أو مشاركة بلا انتخابات ولكن هذا الوعد أيضاً قد تلاشى وأصبح سراباً . أما الرسالة التي أطلقها الرئيس البشير بالبحر الأحمر ربما أراد عبرها أن يبلغ كل الواقفين على الرصيف بأن الإنقاذ لا زالت حية وتجري الدماء في شرايينها وأنها لن تخلي مواقعها وقصرها إلا عبر شرعية الجماهير وستكون الانتخابات في أجلها المضروب بلا تأجيل وعلى المتوثبين للسلطة والباحثين عنها العودة إلى القواعد بحثاً عن تفويضات شعبية تحملهم على أجنحتها إلى قمة جبل السلطة ..وعلى كل فإن الحراك الكثيف الذي يجري الآن في مفاصل القوى السودانية بكل مكوناتها لا جدوى منه ولا قيمة له إن كان غاية ما ينشده هؤلاء «مشاركة كيري» في حكومة تبقت لها شهور قلائل من نهاية تفويضها. أثقال بحر أبيض الأقدار وإرادة أهل الجنوب فرضت واقعاً جديداً على أهل بحر أبيض فتحملت ولاية الشمبلي ثقلاً كبيراًَ على وهن وضعف في البنى التحتية بعد أن أصبحت هذه الولاية جنوباً جديداً للدولة السودانية وبحدود مفتوحة تمتد لمئات الأميال ولم تقفل هذه الحدود لأن الطبيعة ومناخاتها لا تقبل بأي محاولة لا تعترف بقانون الطبيعة ..وتعتبر ولاية النيل الأبيض هي ذات البوابة التي رحل عبرها الجنوبيون وحزموا أمتعتهم جنوباً وفاءً لإرادة الانفصال ولكن حكومة الشنبلي تستقبلهم أيضاً في رحلة عكسية هرباً من جحيم الحرب الأهلية بين سلفا ومشار ..ولكن حينما تتوتر الأجواء وتخرج الأنفاس الساخنة بين الخرطوم وجوبا تصبح حدود بحر أبيض مع دولة الجنوب محاور للحرب واللاسلم واللاإنسانية ..وتتحول المنطقة بكاملها إلى منطقة حرب ونزوح ولجوء الخاسر الأول فيها حكومة الشمبلي، خصوصاً أن بعض القرى والأراضي الزراعية والثروات الحيوانية وحتى المشروعات التنموية والخدمية تتأثر سلباً حينما يعلو منطق السلاح في دولة الجنوب ورغم كل هذه الأحمال المثقلة على حكومة النيل الأبيض إلا أن الشنبلي يواجه حملة متعددة الوجوه تحركها مجموعات مناوئة له ولكن هذه الحملة وصفت بأنها غير منطقية وتسندها مصالح وتقاطعات لا علاقة لها بأداء وقدرة الشنبلي على قيادة حكومته فالرجل يبدو أنه ورغم العثرات يملك الإرادة والفكرة لتلبية حاجيات المواطنين هناك . أفورقي والشرق لا يجد البعض تفسيراً منطقياً للعلاقة التي تربط نظام أسياسي أفورقي والمكونات السياسية والحزبية لشرق السودان هل هي علاقة عمق قبلي ..أم تحالف إستراتيجي؟ وهل صحيح أن الجبهة الوطنية الحاكمة في اريتريا لديها ممثلين وأذرع داخل هذه المكونات ؟ ثم ما هو سر الزيارات المتكررة المعلنة وحتى غير المعلنة بين قيادة البلدين علماً بأن الدولة الاريترية تعاني من وضعها الاستثنائي الشاذ فهي ليست لها عضوية في أي من اليات المنظومة الدولية والإقليمية ولذلك هي دولة لوحدها وبمزاجها السياسي الخاص إذن ما الذي تريده الخرطوم من أسمرا ؟ وما الذي يريده أفورقي من الحكومة السودانية ومن أحزاب الشرق أيضاً التي صنع منها أفورقي اتفاقية شرق السودان في أكتوبر من العام 2006 ولهذا فإن محاولة تفكيك هذه التساولات الحائرة إلى حقائق تقتضي بالضرورة فهم العلاقة أو بالأحرى الرعاية الأبوية أولاً من قبل نظام أفورقي لأحزاب وتيارات الشرق . فضائية «كرش الفيل» لم تكن الخرطوم عاصمة فقط للدولة السودانية بالفهم والمعايير المتعارف عليها ولكنها مدينة بمزاج خاص وبمفاهيم واشتراطات استثنائية ومن بركات هذه «الخرطوم» أن كل أهل السودان جاءوها بأمتعة وبغير أمتعة واستوطنوا في حضنها وبين جناحيها «الأزرق والأبيض» وملأوا أطرافها وامتداداتها وأصبحت كما الفيل الضخم لا حدود لرأسه وذيله فصعب الامر على ولاة الأمر بهذه الولاية ليس الدكتور الخضر لوحده وإنما كل الولاة السابقين واللاحقين فلم يكن بمقدورهم أن يصيغوا خطاباً سياسياً وإعلامياً يستوعب كل هذا الركام من البشر ومن التنوع والتجاذب والتفاوت في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والموجودة الآن في «كرش الفيل» ..ولكن يبدو أن قناة الخرطوم لسان حال الولاية حاولت جاهدة مخاطبة كل هذا الركام وتستوعب رغباته وأشواقه ومزاجه ولكن الأمر يبدو وكانه مستحيلاً فالخرطوم في حاجة إلى من يخاطبها بكل أحزانها وتراجعاتها وتقاطعاتها فحاولت فضائية الخرطوم أن تصلح من واقع الولاية برسائلها الإعلامية ولكنها أدركت أنها أيضاً في حاجة الى اصلاح وترتيب والعمل على صناعة واقع جديد فالتحدي إذن لا يواجه فقط فضائية الخرطوم فحسب وإنما كل المنظومة الإعلامية التي تدير شأن الخطاب الإعلامي لولاية الخضر فهي مطالبة بصياغة خطاب إعلامي مرشد يستوعب كل تناقضات هذه الولاية . سند الخيرية تستجيب بالأمس اتصل بنا الأخ معاوية إبراهيم مدير مستشفى المناقل ونقل إلينا البشرى والاستجابة لما نشرناه الأسبوع قبل الماضي في هذه «الزاوية» وقلنا إن منظمة سند الخيرية تعهدت ووعدت أهل المناقل قبل اكثر من ثلاثة اشهر بانها ستقدم عونها «وسندها» لمستشفى النساء والتوليد من خلال اكمال عمليات «التشطيب والتقفيل» للمبنى ولكنها تراخت أو أن الوعد تطاولت مسافاته فالحقيقة كانت غائبة عن أهل المناقل . أخبرني الأخ معاوية بأن وفداً رسميا ً من منظمة سند الخيرية زارهم بالمستشفى برفقة وزير الصحة بولاية الجزيرة الدكتور الفاتح محمد مالك وأحد المهندسين ومعهم كل خرط وتصميمات المستشفى وشرعوا في أخذ المقاسات لاكمال التقفيلات وذلك بحضور معتمد المناقل .ومن المتوقع أن تبدأ عملية التشطيب خلال الايام القليلة القادمة كما ستبدأ عملية سفلتة الشوارع الداخلية للمستشفى نهاية هذا الاسبوع .