أبو عبيدة عبد الله: أعادت صورة بيت الضيافة مساء أمس بين قيادات المؤتمر الوطني والشعبي، الأذهان إلى العام 1999 حينما كان قيادات الحزبين ينتمون لحزب واحد. ورغم قناعة الكثيرين أن اللقاء الذي تم بالأمس بين الترابي والبشير لم يكن الأول. و معلوم لدى الكثيرين أن عدة لقاءات تمت من قبل بين الرجلين إلا أن أهمية لقاء أمس يجيء باعتباره اللقاء الأول رسمياً منذ المفاصلة. البشير استقبل ضيفه بكل أركان حربه من الوطني طه والجاز والزبير وإبراهيم أحمد عمر ونافع وآخرون. ومن الجانب الآخر الترابي وعبدالله حسن أحمد وبشير آدم رحمة وكمال عمر والسنوسي وآخرون. إذاً من هنا بدأت مرحلة جديدة بين الحزبين اللذين اشتطا في الخصومة وفجرا طيلة السنوات الماضية، خصومة مرت من خلالها مياه كثيرة تحت الجسر وصلت حد الاعتقال لقيادات الشعبي وعلى رأسهم الترابي، ومنذ المفاصلة سارع الوطني للبحث عن حلفاء جدد في الساحة السياسية وسعى لترميم العلاقة فاستطاع أن يأتي بكثير من المعارضين بالخارج إلى الداخل، خطا ذات الخطوة التي سار عليها الترابي عقب المفاصلة بعد أن وقّع مع الحركة الشعبية اتفاقية جنيف التي تم اعتقال الترابي بشأنها، حيث سعى المؤتمر الوطني للبحث عن منفذ يوقف به نزف الحرب بالجنوب بأسرع ما يمكن فكانت نيفاشا والتي يَتّهم الشعبي من وقعوها بأنهم تعجلوا ومرروا كثيراً من البنود دون مراجعة. رغم ذلك حقنت تلك الاتفاقية الدماء بين الشمال والجنوب، لكن سرعان ما انفجرت قضية دارفور والتي يُتهم المؤتمر الشعبي بأنه وراء تلك القضية. وهو ما نفاه الشعبي أكثر من مرة ، حيث يجيء الاتهام من أن معظم إن لم نقل كل قادة العدل والمساواة والتي كانت أقوى الحركات المسلحة في ذلك الوقت تنتمي إلى المؤتمر الشعبي. وظل الترابي وقادة حزبه شامتين في الوطني وظلوا يتفرجون عليه والحرب تلتهم مناطق دارفور منطقة تلو الأخرى. إلى أن وصلت مجلس الأمن وإلى المحكمة الجنائية الدولية. كل ذلك الوقت كان الشعبي يتفرج على الوطني دون أن يمد له يد المساعدة رغم قناعة الكثيرين بأن الترابي هو مفتاح كل اللعبة من خلال «كارزيميته» ليس وسط منسوبي العدل والمساواة بل داخل قيادات المؤتمر الوطني ممن هم معجبون به ويعدونه أباً روحياً لهم وسبق أن قالها الترابي من قبل «هناك من قلبهم معي داخل الوطني» وهو التصريح الذي أربك قيادات الوطني وبدأت تتحسس عضويتها وقياداتها. ومن بين المحطات التي يجب التوقف عندها، أن الخلاف حينما وقع بين الترابي والبشير. أعلن كثيرون من قيادات الوطني الحالية مساندتهم للترابي وفي مقدمتهم النائب السابق للرئيس الحاج آدم يوسف حيث كان وقتها وزيراً للزراعة وصدرت بحقه مذكرة توقيف لاتهامه بالمشاركة في محاولة انقلابية ضد النظام، و محمد الحسن الأمين نائب رئيس البرلمان السابق وقيادات شبابية وطلابية من بينهم حاج ماجد سوار وزهير حامد وخالد الضو وقائمة طويلة. لكن كل تلك التطورات لم تمنع قيادات الحزبين من الالتقاء خارج الأُطر الرسمية في الأتراح والأفراح، حيث كان لقاء تلك القيادات خبراً تهتم به كل وسائط الإعلام. وذلك بسبب البون الشاسع والتصريحات التي لم يكن أحد يتوقع أن «يبلها أصحابها في مثل هذا اليوم ويشربوا مويتا». حيث كان من أبرز من هاجموا المؤتمر الشعبي من الوطني د.نافع علي نافع ومن الشعبي كمال عمر وبشير آدم رحمة. لكن من لم يتحدثوا في الوطني عن الشعبي كثيراً علي عثمان ومن الشعبي من لم يهاجم الوطني عبد الله حسن أحمد. إذاً بعد كل هذا ما الذي جمع الرجلين أو قيادات الحزبين للم الشمل، هل هي مبادرة الرئيس الأخيرة أم الخطر الذي يحيط بالحركات الإسلامية في العالم العربي. أعتقد أن كل ما ذكر صحيح وأن اجتماع الأمس الذي مَهّد له الترابي بحضوره للاستماع لخطاب البشير وبدخوله البرلمان قبل أيام. إذاً من هذه الساعة بدأت دورة جديدة للحزبين، ربما نشهد فيها تماسك يد الترابي مع البشير مجدداً معلنين توحيد الشعبي مع الوطني. لتبدأ عجلة جديدة ربما تكفكف كثيراً من الجراحات التي أصابت الوطن جراء الصراع والضرب تحت الحزام. ويمكن أن نقول عن لقاء أمس إنه وضع نقطة على كل الفترة الماضية وبدأ بكتابة «سطر جديد».