جلست على مقعد منخفض في مواجهة طاولة امتلأت بمختلف أنواع «منكهات» الشاي والقهوة، وانشغلت في عمل فطائر الزلابية ايذاناً ببدء يوم طويل جديد عليها.. خمس سنوات وهي في هذا المكان لم يتغير شيء سوى سنوات عمرها التي ازدادت نضجًا، جاءت الى هنا بعمر الزهور الآن هي ناضجة بما يكفي لتعيل ابناء اختها المتوفاة بل وتعتني بهم بافضل شكل وتهتم بتعليمهم بصورة خاصة وتعطي اصغرهم «50» قرشاً يومياً لشراء حبوب التسالي من جارتهم حسنية.. يأتيها راكضاً ويقول«اديني قرطاس». وتمنحه مبتسمة وهي تقول «الله يخلي ليك خالتك» تراها من بعيد شابة حسناء بوجهها من الحزم ما يكفي قطيع نساء ولها من الاصرار ما يقود جيشاً.. قررت ان تكمل تعليمها وفعلت تستيقظ باكراً تستذكر دروسها قبل ان تحمل متاعها وتخرج مهرولة جلست لامتحانات الشهادة السودانية واحرزت درجات متقدمة ولكن حالت مصاريف الجامعة دون دخولها.. يبدأ يومها صباحاً ولا ينتهي الا بعد العاشرة ليلاً.. وهي مبتسمة وما زالت تنتظر الكثير من حياتها.. تبتسم للزبون في الفة وتنتهر المتربص في حدة.. كثيراً ما احست بالتعب والاعياء وخصوصاً ذلك الصداع الحاد الذي لا يهدأ الا بمسكنات قوية لكنه بدأ يزداد مؤخرًا.. كان عليها ان تدخر اجرة الطبيب اولاً لذا تجاهلت الصداع القاتل وتحايلت عليه لفترة قبل ان تتهاوى.. واختفت يوماً.. وآخر.. وآخر.. سأل عنها الزبائن وجدوها تعاني وحيدة بالمستشفى.. مسحتهم بنظرة تائهة قبل ان تفارق الحياة بهدوء كما كانت تعيش بهدوء..ركض الصغير الى حسنية قائلاً «اديني قرطاس». اعطته واعادت اليه نقوده دامعة وهي تقول «الله يرحم خالتك.»!