في صبيحة العام «1942» هبط المفتش الإنجليزي من سيارة الكومر قادماً من الدامر في قرية البسلي، حيث استقبله العمدة صالح جيب الله ووقف الصبي الحاج علي ابن العمدة ينظر باستغراب للإنجليزي بلونه المحمِّر الذي زادته حرارة الشمس الملتهبة احمراراً، ويتعجب من عينيه الخضراوين التي رآها لأول مرة، ونظر إليه المفتش ومسح على رأسه وقال له (أنت ابن «الأمدة» وقال له قريت مدرسة). ويقول العمدة والكاتب حاج علي صالح راوياً ذلك الحدث المفصلي في حياته أن أخيه الأكبر إبراهيم كان من المفترض أن يلتحق بالمدرسة بدلاً عنه، لكن لأنه رفض شرب الشاي السادة عاقبه والده العمدة فاستبدله به فأصبح أخوه أمياً بينما هو تعلم حتى المرحلة الأولية لكن والده منعه من مواصلة تعليمه حتى يكون كاتباً له في ديوان العمودية، وبالرغم من أن العمدة حاج علي لم يواصل تعليمه لكنه شق طريقه بعصامية في دنيا الكتابة والعمل السياسي عبر البرلمانات في العهد المايوي، وكان فاكهة هذه المجالس النيابية بخفة دمه وقدرته على السمر والاستشهاد بالشعر القومي حتى داخل جلسات البرلمان، وكان مهموماً بقضية نهر عطبرة بعد قيام خزان خشم القربة وتأثر سكانها بسبب التحولات التي تمت في النهر، وكثيراً ما كان يردد قصيدة عكير المشهورة الذي قال فيها: «حليل أتبرا كانت زمان مليانه دائماً خضرة باسمه ودافقه خير أطيانا بعد مو جنة سندس وليها ضل نديانه أمست نار بتشوي السالمة والعيانة» إلى أن يصل إلى البيت الذي يقول: «الخلا النفوس من البلد قنعانة شفنا المعزة تقرش في العضام جيعانة» ومن فرط تكراره لهذه القصيدة حفظ كثير من نواب البرلمان آنذاك جزءاً كبيراً منها. ورغم استشهاد العمدة حاج صالح بالعديد من أبواب الشعر لكنه أيضاً يعتبر شاعراً مجيداً. وكان الكاتب العمدة قد توسع في شرح العديد من ذكرياته في الجزء الأول من كتابه «مذكرات عمدة سابق»، بيد أن الجزء الثاني الذي نحن بصدده الآن ركز فيه كثيراً على قصاصات صحفية كتبها عن أعلام في المنطقة وشخصيات قومية معروفة بجانب العديد من قصائده، وقد كان الكاتب صديقاً للشاعر المجيد الراحل عكير الدامر الذي نظم في العمدة أبيات من الشعر إبان المعركة الانتخابية. وكذلك الشاعر الكبير رحمة الله قسم السيد، لكنه عندما هُزم في إحدى جولات الانتخابات البرلمانية نظم قصيدة عصماء أوردها في كتابه قال في مطلعها: نهري العظيم الديمة بيك انتشاري ما هزموك بي فكرة وعمل ومبادئ ضربوك ناس كتشينة داخل نادي ديل ما هن معاك في خط مغرب غادي ويعتبر العمدة بعلاقاته الواسعة والخدمات التي تمكن من تقديمها لمنطقته شديد الثقة والاعتداد بالنفس، ودائماً ما يداعب أصدقاءه قائلاً عندما ينجز شيئاً «أنا هين»، وهي عبارة حفظها حتى ابني الصغير. ونحن نقول بدورنا لعمدة نهر عطبرة أنت فعلاً ما هين.