نتمنى أن يفتح البلدان الشقيقان السودان وليبيا صفحة جديدة ناصعة البياض، وكما ذكرت في المرة الفائتة فإن ليبيا أمام تحديات عديدة وقد خرجت من الجهاد الأصغر المتمثل في الثورة الشعبية التي اجتثتْ بمشيئة الله النظام السابق وبدأت بعد ذلك مرحلة الجهاد الأكبر. وأن دول حلف الناتو ستسعى لاستنزاف أموال ليبيا واستعادة كل ماصرفته في الشهور السبعة الماضية ولن تكفَّ عن التدخل في سياساتها الداخلية ومحاولة توجيهها الوجهة التي تبتغيها ما استطاعت لذلك سبيلاً، والتحدي الآخر هو كيفية تنظيم البيت الليبي من الداخل في هذه المرحلة الانتقالية وما تليها من مراحل وهذا يقتضي مراعاة موازنات كثيرة وآن الأوان لإرساء نظام جديد دون أن يحدث شدٌّ وجذبٌ داخلي بين القيادات أو بين مناطق ومكونات المجتمع الليبي وتياراته المختلفة. وأن مرحلة تنزيل الشعارات لأرض الواقع هي دائماً من أخطر المراحل وأكثرها تعقيداً إذ أن الشعارات هي خطوط عريضة عامة ولكن الشيطان في التفاصيل الدقيقة عند الاصطدام بالواقع في مرحلة العمل وبدء التنفيذ. وقد أصبح النظام السابق في ذمة التاريخ. وقد سمعنا بآذاننا أن رئيس النظام الليبي المندحر قد سبّ في لحظات اضطراب نفسي شعبنا العظيم الكريم الذي ظل يفتح أبوابه لإيواء الآخرين ويقتسم معهم لقمة الخبز وجرعة الماء... الخ ولكنه وصفه ظلماً بأنه «ياكل من المزابل والكوش» ولذلك وصفناه في المرة الفائتة بالاندفاع والتهوُّر وهو الآن بين يدي العدالة السماوية ورب الكون هو أحكم الحاكمين. وأن صفحة ذلك العهد الليبي قد انطوت ولا تفتح إلا لأخذ الدروس والعبر، ونأمل أن يفتح البلدان الشقيقان صفحة جديدة وأن يقوم بينهما تكامل اقتصادي لا سيما في مجال الأمن الغذائي والسودان إذا استقرت الأحوال فيه أمنياً وتوقفت التحرُّشات والسهام المسمومة التي توجه إليه من كل حدب وصوب لأضحى سلة غذاء المنطقة. محطة ثانية: العلاقات السودانية القطرية: شهد العالم العربي وجود عدة مجلات كانت توزع على مستوى المنطقة منها عدد من المجلات المصرية العريقة بأسمائها المعروفة بعض المجلات البيروتية التي هاجر بها بعض ملاكها وأصحاب امتيازها وأصدروها من لندن أو باريس إبان أيام الحرب الأهلية اللبنانية ومن أشهر المجلات الثقافية العربية مجلة الرسالة لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ أحمد حسن الزيات. وفي عقود لاحقة من الزمان صدرت بعض المجلات أذكر منها الفيصل والمسلمون ومجلة المجتمع الكويتية. ومن أشهر المجلات العربية وأكثرها توزيعاً وتأثيراً مجلة العربي التي تصدر في الكويت وفي عهدها الذهبي أيام رئيس تحريرها المؤسس العالم الموسوعي الدكتور أحمد زكي، كان القراء من المحيط إلي الخليج يتلهفون لقراءتها. وتولى رئاستها بعد ذلك الكاتب المعروف الأستاذ أحمد بهاء الدين ومن الذين تولوا رئاسة تحريرها دكتور محمد الرميحي.. الخ، وأصدرت وزارة الإعلام القطرية في سبعينيات القرن الماضي بدعم سخي ورعاية كريمة من سمو الأمير مجلة الدوحة وعهدت رئاسة تحريرها في سنواتها الأولى للدكتور محمد إبراهيم الشوش وخلفه في رئاسة التحرير الأستاذ رجاء النقاش وكان سكرتير التحرير هو الأستاذ النور عثمان أبكر وكان يكتب فيها عدد من كبار الكتاب العرب منهم الأديب المبدع الدكتور محمد المنسي قنديل وساهم بالكتابة فيها عدد من السودانيين منهم الأستاذ الطيب صالح الذي كتب مقالاً ممتعاً بعنوان «المحجوب الشاعر» وكانت مجلة الدوحة نافذة إشعاع ثقافي وكانت توزع منها أعداد كبيرة في الخرطوم وكل أنحاء القطر وكانت تمثل رباطاً ثقافياً وثقياً بين السودان وقطر. وأقامت قطر قناة الجزيرة الفضائية التي استقطبت أعداداً ضخمة من المشاهدين على مستوى المنطقة العربية والعالم أجمع، وهي قناة مؤثرة ومثيرة للجدل أقامت الدنيا وشغلت الناس ولعبت دوراً كبيراً في ثورات الربيع العربي إذ أخذت في بث أخبارها مصحوبة بالصور الحيّة منذ بداياتها الأولى وتابعتها لحظة بلحظة ولازالت توالي هذه المتابعة. وإن قطر أضحت رقماً مرموقاً على المستويين الإقليمي والدولي بعلاقاتها الواسعة وهي تولي اهتماماً بالغاً بالسودان ولعبت دوراً مشكوراً غير منكور في سعيها لحل مشكلة دارفور وقد رعت وتكفلت بكل نفقات مؤتمر الدوحة وهي تتابع تنفيذ مقرراته مع تعهدها بالدعم والدفع السخي، وهي تتكفل بنفقات إقامة الطريق الواصل بين كسلا وأسمرا وتسعى لإقامة مشروع زراعي ضخم بشرق السودان يضاهي مشروع الجزيرة العملاق الجريح، وهذه أيادٍ بيضاء أسدتها وتسديها قطر ولها الإنحناءة والتقدير. وإن أمريكا ومن يلفُّون في فلكها يسعون لتقسيم السودان بالتدريج وفق خطة مرسومة تنفذ بأساليب عديدة خشنة أو ناعمة خبيثة، فهل نطمح في أن تقوم قطر الدولة الشقيقة العظيمة بعلاقاتها الواسعة ومكانتها السامية عند الآخرين بالتوسط لديهم ليكفوا أذاهم عن السودان بإيقاف محاولاتهم الخبيثة لتقسيمه لعدد من الدول أو بالأحرى الدويلات. محطة ثالثة: مجلس دارفور التشريعي الإقليمي إن اتفاقية الدوحة نصت على تعيين مجلس تشريعي إقليمي قوامه سبعة وستون عضوًا ويتم اقتسام العضوية مناصفة بين حزب المؤتمر الوطني وبين حركة التنمية والعدالة والحركات الأخرى الموقعة على اتفاقية الدوحة. وبكل تأكيد سيتبع قيام هذا المجلس تخصيص وظائف دستورية بكل مخصصاتها وامتيازاتها باختيار رئيس للمجلس ورؤساء لجان متخصصة وبهذا تتميز وتتفرد دارفور عن بقية أنحاء القطر بوجود حكومة إقليمية معينة ومجلس إقليمي معين. وأن وجود وزراء إقليميين يعني بالضرورة وجود وزارات إقليمية وأن تكون مع كل وزير سكرتارية ومكتب تنفيذي وفي كل وزارة مدير عام وموظفين مع وجود أمانة عامة للحكومة وميزانية تسيير للحكومة بأماناتها العامة ووزاراتها المختلفة.. وإذا تركنا ميزانية التسيير جانباً فهل تتبع حكومات الولايات مالياً للحكومة الاتحادية أم تخضع للحكومة الإقليمية؟ وأن دارفور عزيزة علينا جميعاً وفي بسط السلام فيها واستقرارها استقرار لبقية أنحاء القطر لذلك ينبغي أن تكون الأمور واضحة منذ البداية لئلا يحدث تضارب في الاختصاصات وأن الغموض يقود لمحاولات الضرب المتبادل تحت الحزام من وراء ستار يؤدي لإجهاض التجربة ولئلا يحدث صراع معلن أو خفي في المستقبل حول المنح والهبات والتدفقات المالية والعينية التي تأتي من الخارج ويطل سؤال: هل تشرف عليها الحكومة الاتحادية أم تشرف عليها الحكومة الإقليمية؟؟ ينبغي تحديد الاختصاصات وكل شيء يمر عبر الحكومة الاتحادية أولا لأن هذه مسألة سيادية شريطة أن تخصص لذلك مفوضية للأموال الواردة من الخارج لدارفور على أن لا يصرف منها قرش واحد لأي غرض آخر خارج نطاق دارفور الكبرى، ويمكن للمانحين تعيين مراقبين ومشرفين من جانبهم، ولكن أي تجاوز للمركز قد يكون نواة لحكم ذاتي يمكن أن يكون في مرحلته الأولى تحت مظلة الدولة المركزية ثم يبدأ التحلل منها بالتدريج.