اتابع باهتمام مباحثات الدوحة بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة، ومن خلال تصريحات الدكتور التجاني السيسي رئيس الحركة.. والدكتور امين حسن عمر عن الجانب الحكومي.. لاحظت تغييراً كبيراً في تصريحات الدكتور التجاني السيسي بعد مغادرة د.خليل الدوحة ورفضه للمفاوضات.. اذ تغير خطابه التفاوضي ورفع سقف المطالب.. وصعب المفاوضات بمطالب كثيرة، كما أعلن عن جدول زمني طويل لاستمرار المفاوضات وكأنه ومجموعته عشقوا حياة الفنادق.. وجاءوا للاستجمام وليس لحل القضية. الحركة طالبت بأن يكون اقليماً والاتفاق في ابوجا مع حركة اركو مناوي ان يكون هناك استفتاء في مارس القادم.. ثم طالب بتعويض مالي قدره «4» مليارات دولار من ميزانية بنك التنمية في دارفور الذي يبلغ رأسماله مليارين. هذه نقاط الخلاف الاساسية في منبر الدوحة الآن، ولا ادري ان التغيير الذي حدث في الخط التفاوضي وسقف المطالب.. قد تم بالتنسيق مع حركة العدل والمساواة أم لا.. بالرغم من انني استبعد ذلك تماماً. ثم نعود لوضع الدكتور خليل .. وتصريحاته الاخيرة.. بأنه سوف يغزو الخرطوم.. وانه وجد ملاذاً آمناً في طرابلس.. ثم جاء اتصال الرئيس البشير بالقائد معمر القذافي الذي اكد له عدم سماح الجماهيرية لأي عمل معاد للسودان.. وان وجود خليل وجود عابر.. ثم تأتي تصريحات في «الشرق الاوسط» تنفي ذلك الذي جرى بين الرئيسين تماما.. بل تم طرح مقترح جديد من د.خليل بدعم ليبي بضرورة تغيير منبر الدوحة بأن يتحول الى مصر أو ليبيا، ومصر اعتذرت وبقى الخيار المطروح ليبيا. والسؤال الضرورة.. لماذا يتغير منبر الدوحة- المعروف ان الدوحة دولة عربية شقيقة تحاول حل مشاكل الدول العربية.. دون اجندة خاصة وانما بإحساس قومي نبيل. واذا كانت دولة قطر دولة صغيرة المساحة..لا يعني هذا انها عاجزة عن القيام بدور يتجاوز حدودها وصغر مساحتها.. دولة قطر الآن اصبحت من الاقطار التي يثق فيها الجميع للشفافية التي تتعامل بها حكومة قطر. والدوحة تدعم كل الاقطار العربية. ولا نعرف كم صرفت قطر على ضيافة الوفود الدارفورية في المفاوضات. ومازالت الضيافة القطرية مستمرة للمئات من ابناء دارفور المواصلين للمفاوضات الآن. والدوحة لا أطماع لها في دارفور.. ولا أطماع لها في السودان فقد حباها الله بثروات هائلة.. وبقيادة حكيمة ومخلصة.. فلماذا يطالب البعض بتغيير منبر المفاوضات من الدوحة الى أي بلد آخر. نحن نتعامل مع كل العواصم العربية بمحبة كاملة وبثقة كاملة.. لكن لا يمكن بعد هذه المدة الطويلة والجهود الجبارة التي بذلتها قطر ان نوافق على تغيير مكان المفاوضات. ولا أدري لماذا هذا الحقد السياسي على دولة قطر.. هل لانها نجحت فيما فشل فيه الآخرون؟! الدوحة منبر تفاوضي محايد وحر وحريص على حل مشكلة دارفور، بذلت الوقت والجهد والمال الوفير من اجل حل عادل للقضية، لكن المحاور العربية المعادية للدوحة استكثرت عليها هذا النجاح الباهر.. هذا الاحترام الذي تلقاه الدوحة المميز وولي عهد وزير خارجية نابه وشعب وفي.. وحكومة مخلصة. لابديل للدوحة إلا الدوحة.. رضى الآخرون ام أبوا. هذا رفض نعلم اننا سندفع ثمنه غالياً.. سيتم دعم خليل بالمال والسلاح ليغزو الخرطوم رغم التصريحات التي تنفي ذلك، لكن هناك مؤشرات تأتي لتصريحات أخرى تؤكد دعم خليل وهذه تأتي في اطار الضغوط والتخويف ليقبل السودان باستبدال منبر الدوحة.. ولكن هيهات. نأمل ان يفكر الداعون لهذا التغيير مرتين.. وان يكونوا عقلاء.. نحن نريد حل المشكلة وليس تعقيدها.. ومن يريد ان يبحث عن بطولة فليبحث عنها في موقع آخر. علي كرتي رجل المرحلة الاستاذ علي كرتي وزير الخارجية عرف عنه انه من الرجال المبدئيين واصحاب الرأي الواضح والمواقف القومية. وكانت تجربته السابقة كوزير دولة بالخارجية حافلة بالنجاح... ساعده وضوحه في التعامل مع القضايا المصيرية. ومنذ ان تقلد الموقع الاول في الخارجية.. رمى حجراً كبيراً في بركة العلاقات السودانية المصرية الراكدة.. ووضع النقاط فوق الحروف. وهذا يؤكد حرص الوزير كرتي على ان تكون العلاقات السودانية المصرية خالية من اية شوائب وخالية تماماً من اية حساسيات، وان تناقش كل القضايا في مناخ معافى وان تكون الشفافية هي التي تحكم هذه العلاقات، وعلى الاشقاء في مصر ان يقبلوا كل ملاحظات اهل السودان حكومة وشعباً.. في سيرة البلدين الشقيقين.. لان هذا من شأنه المساعدة في تمتين العلاقات المشتركة، وابعاد كافة المتربصين بها الذين يسعون لزرع الفتنة بين البلدين الشقيقين. وبنفس المستوى المطلوب من سعادة الوزير علي كرتي.. ان يرمي حجراً مماثلاً في بركة العلاقات السودانية الليبية.. التي يلفها غموض اكبر من ذلك الغموض الذي وصف به العلاقات السودانية المصرية، بالرغم من أن الغموض الليبي اكبر وأكثر خطورة. واعلم تماماً ان القائد معمر القذافي يحب السودان ويحب اهله.. وبقليل من الجلسات المليئة بالشفافية.. يمكن حل كل طلاسم الغموض الذي يلف العلاقات السودانية الليبية، وعلى رأسها هذا الغموض المتناقض في التعامل مع الحكومة وحركات دارفور المتمردة التي تجد الدعم اللوجستي والمساندة المالية من الجماهيرية الليبية.. رغم النفي المتواصل. وهذا الدعم يؤكد التواجد المستمر لكل قادة الحركات الدارفورية في طرابلس، لذلك هم يطيعون القائد القذافي طاعة عمياء. لقد ظلت السياسة الخارجية للسودان في سنوات مضت تقوم على المجاملة... في كثير من الأحيان ومع عدد من الدول، وغاب الوضوح والشفافية. وهذه مهمة الوزير علي كرتي في اعادة الامور الى نصابها والحفاظ على العلاقات المشتركة بمزيد من المكاشفة والوضوح. والله الموفق وهو المستعان