سارة إبراهيم عباس: العمالة الأجنبية في السودان، من القضايا ذات الأبعاد الشائكة والمتعددة، وصارت ظاهرة اجتماعية مزعجة. ورغم ما تشهده البلاد من ظروف اقتصادية متردية وبطالة مرتفعة، وفقر يعانيه الكثير من السودانيين، الأمر الذي قد يرجع لعدة أسباب منها تجنب السودانيين العمل في عدد من المهن لأسباب اجتماعية، بالإضافة إلى قلة أجور العمالة الأجنبية إذا ما قورنت بالعمالة من السودانيين وساعات عمل كلاً منهم، لهذه الأسباب ولأسباب أخرى تحظى العمالة الأجنبية برضاء وقبول عدد كبير من أصحاب الشركات ورجال الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص. هذه الأسباب، وغيرها ما دعا الدائرة الاجتماعية بمركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث، لمناقشة هذه الظاهرة وآثارها على المجتمع السوداني، مستندةً على دراسة مسحية، ركزت على عمالة المنازل بولاية الخرطوم. تجسس: أشارت الدراسة إلى عدد من السلبيات منها داخل الأسرة، حيث أن العمالة الوافدة وما يترتب عليها من اعتماد كامل على العاملات والمربيات في الاضطلاع بمهمة التنشئة الاجتماعية، لها تأثير نفسي واجتماعي في شخصية الطفل، حيث تؤثر المربيات الأجنبيات بشكل ما في التكوين النفسي والاجتماعي مما يؤدي إلى خلق أنماط سلوكية سلبيه، إضافة لتخلي ربة الأسرة عن مسؤوليتها وانتشار روح الاتكالية لدى الفتيات، حيث أن الجيل الذي تربى على أيدي العاملات والذي يعايش تخلى الأم عن غالبية واجباتها المنزلية تترسخ في وجدانه صفات الاتكالية والاعتماد على الآخرين، لذلك فإن الفتيات يحرصن على أن يكون من أولويات شروط زواجهن توفير خادمة تقوم بأعباء المنزل مما يؤثر بدوره سلباً على جوانب اجتماعية أخرى كالزواج، ومنها الاقتصادية مثل تضييقهم فرص العمل للعمالة المحلية وتأثر دخل الأسرة، إضافة لعمليات التحويل للعملة الصعبة خارج البلاد، وما يشكلونه من رهق وإضافة على ما وفرته الدولة من فرص تعليم ورعاية صحية، وفضلاً عن ذلك أشارت الدراسة للناحية الأمنية وذكرت أن وجود الأجانب يشكل نوعاً من التجسس وتهديداً لأمن البلد، وفوق كل ذلك هناك غياب رقابة وضبط وتقنين مطلوب تجاه هؤلاء من قبل الجهات المسؤولة. تجارة بشر: وذكرت الورشة أن الأمر أصبح يمثل شكلاً من أشكال تجارة البشر ودون رقيب او حسيب، مشيرة إلى أن بعض الشباب الإثيوبى يجلب العاملات مقابل مبلغ مالى من صاحب الدار. بجانب عدم وجود ضوابط فحص طبى على العاملات مما يسبب الامراض المعدية والمزمنة. ولا تحمل العاملات اقامة سارية ولا يلتزمن بضوابط اللجوء والهجرة أو اقامة الاجانب، وأكدت الورشة ضرورة التدخل السريع من الجهات المختصة كادارة الهجرة والاجانب بالجوازات ووزارة الصحة ووزارة العمل وغيرهما من الادارات المختصة. إحصائيات مزعجة: وخلصت الورشة إلى بعض النتائج من خلال المسح الميداني، أهمها أن 90% من الزوجات لديهن عاملات بالمنازل وهن عاملات، وهذه النسبة الكبيرة تدل على أن عمل المرأة يعد أحد أسباب استخدام العاملات بالمنازل، وتلاحظ أن 69% من العينة ربطوا وجود العاملة وفق ظروف معينة وأسباب، إلا أن نسبة 25% رأت أن وجود العاملة ضروري وهي نسبة ليست بالهينة، وإن دل ذلك إنما يدل على أن هناك مؤشرات لتغيير اجتماعي وثقافي، ومن الآثار أيضاً أن نسبة 44% تقوم باستخدام عاملات عن طريق وسيط، مما يدل على أن المجتمع السوداني يحتاج إلى المزيد من العمل في ثقافة التعامل، وبلغت نسبة العاملات غير المكتملة أوراقهن الثبوتية 65%، وهو رقم كبير يشير إلى وجود مشكلة في تعامل أصحاب العمل مع عمال المنازل وعدم اهتمامهم بالتأكد من أوراقهم الثبوتية والاكتفاء ببعض الأوراق فقط، ومن المؤشرات الخطيرة أن نسبة اللائي يوجد لهن ضامن 53% إلا أن كثيراً من هؤلاء الضامنين هم عبارة عن مجموعة من الوسطاء غير الشرعيين، أي أنهم لا يملكون مكاتب تشغيل معتمدة، كما أن نسبة 47% لمن لا يملكن ضامناً هي نسبة كبيرة وهو ما يشكل مهدداً أمنياً، بالإضافة إلى المهددات الاجتماعية الموجودة أصلاً، وأكدت الدراسة أن ما نسبته 73% من العاملات بالمنازل لم يتم فحصهن طبياً، وهذا يعد مؤشراً خطراً إذا ما عرفنا أن هناك انتشاراً واسعاً لأمراض مثل الكبد الوبائي والإيدز والأمراض الجلدية نتيجة لزيادة الوجود الأجنبي، ويلاحظ أن 94% من العاملات بالمنازل تنحصر مهامهن في النظافة، ويرجع ذلك لارتفاع نسبة عمل الزوجات البالغة 90%، رغماً عن أن نسبة 3% مربية و 1% جليسة كبار يعد مؤشراً لوجود تغييرات اجتماعية بالأسرة إذا ما علمنا أن 90% من معايير اختيار العاملة يرجع للعمر وليس للدين، وربما تشكل العفوية داخل البيوت في التعامل مع العاملات خطورة، حيث أن ما نسبته 98% من العاملات في المنازل بإمكانهن أن يشكلن نقاط نشر لبعض الأمراض المعدية إن كن حاملات لها لاحتكاكهن المباشر بحمام الأسرة الخاص، هذا إذا ما عرفنا أن 73% من العاملات لم يقمن بعمل كشف طبي. أسباب خفية: وأيضاً من الأسباب الخفية لمشاركة العاملة الأسرة في حمام واحد، تصميم البيت السوداني، إضافة لغسل ملابسها أيضاً، حيث تظهر نفس الإشارة عن المهدد الصحي للأسرة من خلال احتكاك ملابسها بملابس أفراد الأسرة أثناء عملية الغسل وتداخله بكل ما يحمله من إفرازات أخرى، فإذا ما عرفنا أن ما نسبته 26% يقمن بغسل ملابسهن مع الأسرة مقارنة مع ما نسبته 74% يقمن بغسل ملابسهن في أماكن خاصة بهن، وعن المهدد الثقافي ورد أن هناك ما نسبته 66% لم يكن للعاملات أثر في تغيير تصرفات الأبناء في مقابل 34% من الأسر ترى أن هناك تغييراً في التصرفات، وهي نسبة لها تأثيرها أيضاً بمقارنة أن 90% من الزوجات عاملات، وهذا يعني أن وجود العاملة فترة طويلة في المنزل مع الأبناء وملاحظتهن لتصرفاته جعلت نسبة 34% يتأثر أبناؤهم بتصرفات العاملة، وإضافة لكل ما سبق أكدت الدراسة أن ما نسبته 99% تود الاستقرار في السودان، الأمر الذي قد يشكل تغييراً غير واضح المعالم في المجتمع السوداني مستقبلاً.