حراك كثيف مشوب بالحذر يكتنف الساحة السياسية بعد التقارب الذي حدث بين النظام الحاكم وحزب المؤتمر الشعبي الفصيل القديم للشراكة الإسلامية التي تبوأت سدة الحكم من تفجر ثورة الإنقاذ الوطني خلال العام 1988م، ويعود التوجس من هذا الحراك من هذه التحالفات القديمة المتجددة حول موقف حزب الإصلاح الآن المنشق عن المؤتمر الوطني من الوحدة التي تمت بين الحزبين، والتي تضع الإصلاح بين سندان التقارب مع المؤتمر الشعبي أو العودة إلى صفوف المؤتمر الوطني. تقارب الرؤى بين الشعبي والوطني جعلت عضو الإصلاح الآن الفريق محمد بشير سليمان يذهب بالقول إلى أن الحزب ليس لديه أسبقية التحدث فيما يتم عنه في جمع الصف الإسلامي، وإن كان الحديث من باب إعادة إنتاج الإنقاذ مرة أخرى فالإصلاح ليس من أهدافه إنتاجها من جديد لأن خطأ الممارسة في مشروع الإسلام السياسي لن ينطلي أو يُخدع به الشعب السوداني مرة أخرى، مؤكدًا أن الحديث خطوة للتمسك بالسلطة أكثر مما يجب، مشيرًا إلى أن هذا الطرح ينعكس سلباً على الذين يتحدثون عنه، لأنه لن يكون كسباً جماهيرياً في الشارع العام وأن الطرح عبارة عن توافق ثنائي سياسي، مؤكدًا أنه ليس الوقت المناسب سواء على مستوى البيئة الدولية أو الإقليمية نسبة للضغوط التي يواجهها من هذه الأطراف. هذا الحديث يؤكد الرأي الذي ذهب إلى عدم تأييد فكرة وجود جماعة إسلامية على سدة الحكم بالبلاد، وتدليلهم على عدم الرضا بعدم تحقيقها للمطلوب وأن ما حدث يعتبر منتجاً لمحاكاة الغرب. الرهان الذي يرتكز عليه حزب الإصلاح الآن موقف رئيس الحزب والذي يأتي في إطار سودان يسع الجميع في دولة عادلة ذات مؤسسية وفقاً لإستراتيجية وطنية لاستيعاب أي فرد سياسياً واجتماعياً ومدنياً والتي تحمل مؤشرًا واضحاً إلى أنه يقف في منطقة محايدة تماماً ليست مع الوطني ولا تقرب الشعبي. إلا اأن حديث القيادي بحزب المؤتمر الشعبي أبوبكر عبدالرازق صب في اتجاه آخر تماماً بإشارته خلال حديثه للصحيفة إلى أن د. غازي خرج من حزبه مفصولاً لا راغباً، ولا يستبعد أن تعود المياه لمجاريها لا سيما أن حزب الإصلاح ظاهرة سياسية فوقية تشمل نخبة وصفوة وليس لها من القواعد ما يُذكر ولهذا يصبح مجرد ظاهرة إعلامية، وقيمتها الحقيقية لها إدارتها لصراعها من داخل المؤتمر الوطني ولا يوجد لها ثقل خارجه لعدم تمتع شخصياته بالكاريزما وقدرة التأثير التي تفضي لانحشاد قاعدة من الجمهور له، وأرجع أبوبكر ذلك لاضطراب موقفه من التوحد مع الوطني وهو غير وارد في هذه المرحلة على الإطلاق، بل هو رهين بتكوين حكومة انتقالية بمقتضاها يولى الرئاسة شخص مهني تنفيذي غير الرئيس البشير، بعدها يمكن الحديث حول وحدة الشعبي والوطني، أما في هذه المرحلة فليس من أجندة الشعبي وفقاً لما قررته المؤسسات أن نبتدر حوارًا لوحدة الإسلاميين إطلاقاً، بل الأمر منصب على وحدة الأمة السودانية عبر برنامج انتقالي ودستور انتقالي ودستور جديد لمرحلة الانتقال تشمل كل الحركات المسلحة والقوى السياسية. إلاّ أن هذا الحديث دحضه محمد بشير عضو الإصلاح بقوله إن حزبه له بعد جماهيري على امتداد السودان والآن في طور ترتيب لانعقاد المؤتمر التأسيسي لتكوين مكاتبه على كل مستويات المحليات وأنه سيبدأ عمله السياسي وفقاً للقانون، خاصة بعد اكتساحه للعديد من المحليات بعقده للعديد من الندوات السياسية لطرح برامجه والتي وجدت قبولاً كثيفاً من المواطنين، وتأكيده إلى أن الحزب لم يضع تصورًا لأيهما الأقرب للإصلاح لأن الأخير يقود قيادة معارضة سودانية حقيقية في إطار الوحدة وعدم إقصاء الغير وعدم الالتقاء على حقائب وزارية مع الوطني. بالنظر لأجندة الإصلاح الآن نجد أن القضية الملحة متعلقة بكيفية المحافظة على وحدة السودان في إطار توافق وإستراتيجية وطنية يتوافق عليها الكل والالتقاء في رؤى واضحة لمؤسسات عادلة، وهي ذات الرؤى التي يتمسّك بها المؤتمر الشعبي، والتي قد تفسر اللقاء الذي جمع مؤسسي الإصلاح بقيادة العتباني بالأمين العام للمؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي عقب يومين من خطاب البشير بطلب من الأخير، والذي اتفقا فيه على التنسيق كما صرحوا آنذاك، وإكبار بعض قيادات الإصلاح لخطوة الترابي، على الرغم من أن العتباني كان من الذين لهم ضلع كبير في مذكرة العشرة التي كانت مقدمة لمفاصلة الإسلاميين، إلا أن الترابي حينها هو الذي بادر بطلب اللقاء، والتي رأى بعض المراقبين حينها أنها مقدمة للتوافق ما بين الحزبين في ظل الأحداث السياسية التي كانت تدور رحاها في الساحة السياسية، بينما ذهب آخرون إلى ضبابية موقف د. غازي من مدى عمق تقاربه من الحزبين في آن واحد. إذن، عدم الوصول للمقاطعة ما بين المؤتمر الوطني وحزب الإصلاح الآن، مع التأكيد على أن ما يحدث من تقارب بين النظام الحاكم والشعبي شيء ممدوح وليس مذموماً، والاتفاق على مرشح رئاسي موحد لكن شريطة اتساع الصدر، وإقامة حكومة وحدة وطنية أمر محمود آخر، إلا أن الأعناق تشرئب إلى المضي أبعد من التقارب لأجل تعزيز الإصلاحات في الدولة والتي يحملها د. غازي في حله وترحاله منذ انشقاقه عن الوطني لأجل ديمومة الاستقرار والسلام في السودان.