في الثاني والعشرين من ديسمبر نهاية العام المنصرم استضاف الأخ رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير بمنزله ببيت الضيافة قيادات اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل (الضباط الثلاثة) والمكتب التنفيذي ومجلس إدارة مشروع الجزيرة ومدير عام المشروع ووزيري المالية والزراعة الاتحاديين حيث دار محور النقاش والاجتماع في مشروع الجزيرة وتعهد الرئيس والتزم بتمويل موسم (2014م 2015م) داعياً إلى التنسيق بين مجلس إدارة مشروع الجزيرة وإدارة المشروع واتحادات المزارعين في أمر المشروع مع وضع خطة محكمة والمتابعة الشهرية ورفع تقرير شهري بذلك للرئيس مباشرة. هذا والمتتبع لهذا الاجتماع المهم جداً في تاريخ المشروع يجد أن رئيس الجمهورية قد وضع أربعة محاور ممثلة في التمويل وتأهيل قنوات الري والإرشاد والوقاية وتركيز الأسعار للمنتجات الزراعية. فأول المحاور هو المال وكما نعلم فالمال عصب الحياة ومشروع الجزيرة حمل جمل الشيل ومطمورة السودان ودخري الحوبة ولفترة قريبة كانت الدولة تعتمد عليه في كل موازناتها في كل الحقب السابقة بل قطن الجزيرة كان يتصدر القيادة والريادة والجودة في الأسواق العالمية كأحسن قطن على مستوى العالم خاصة العينة بركات طويل التيلة وكذلك محصول القمح الذي كان يتفوق على الإنتاج الأمريكي والاسترالي بجانب الفول السوداني ومحاصيل أخرى. ومشروع الجزيرة بعد الخراب والدمار الذي أحاق به وفي بنيته التحتية يستدعي في الوقت الراهن ضخ مزيد من الأموال بهدف توفير مدخلات الإنتاج وتحضير الأرض والري وتجويد العمليات الفلاحية برمتها.. وبدون المال لا يمكن لهذا المشروع أن يرفع رأسه وتدب العافية في جسده.. فالدولة إذا وفرت المال فسينصلح الحال وتعود البسمة إلى شفاه المزارعين المغلوب على أمرهم. أما فيما يتعلق بتأهيل القنوات فحدث ولا حرج فواحدة من البنيات الأساسية للمشروع تتمثل في قنوات الري.. والمتتبع لمسيرة مشروع الجزيرة يجد أن القنوات والمواجر والتُرع سدت تماماً بمئات الأطنان من الأطماء والحشائش التي أعاقت في معظم الأحايين عمليات انسياب المياه إلى أبو عشرينات (أبي عشرينات).. ففي السابق كانت هنالك مؤسسة الحفريات والتي كانت تمتلك أسطولاً ضخماً من الكراكات والآليات لحفر القنوات بل كانت تتعاقد مع إدارة المشروع في كل موسم لتطهير القنوات وإزالة الحشائش والطفيليات وذلك قبل وقت كافٍ من بداية انطلاقة الموسم الجديد.. ولكن بعد الخراب والدمار الذي لحق بهذه المؤسسة وتم تشريد العاملين بها وتوقفت الكراكات وأصبحت في خبر كان عندها ظهرت عيوب مشروع الجزيرة في جانب الري وظهرت لحيز الوجود قضية ومشكلة ومعضلة عطش المحاصيل وبدأت الكارثة من هنا وفقد المشروع المنظمات التي كانت تضبط عملية انسياب المياه من الترعة إلى الحواشة (البانكيتات) وامتلأت القنوات والترع والمواجر وسُدت بالأطماء والحشائش بل عملية تطهير القنوات تمت بصورة عشوائية وبدون إشراف فني الأمر الذي جعل الحفر يصل إلى عمق عميق وكما يطلق عليه أولاد جون (Over Digging) مما جعل هنالك صعوبة في انسياب المياه من الترعة إلى الحواشة.. ولتصحيح هذه الصورة المقلوبة لتعتدل الصورة لا بد من تطهير القنوات والمواجر والترع بإشراف فنيين متخصصين وفق المنهج والتخطيط العلمي السليم بعيداً عن شغل العنقالة وخبتو رماه هذا إلى جانب إعادة تأهيل المنظمات والبانكيتات وأبو عشرينات والدورانات لتسهل عملية انسياب المياه مباشرة من القنوات إلى داخل الحواشات وإلغاء نظام روابط مستخدمي المياه الحالي واستبداله بالنظام الإنجليزي القديم والمتمثل في الخفير والباشخفير والصمد والمفتش والباشمفتش والمدير. أما فيما يتعلق بالإرشاد والوقاية فالمشروع وفي ظل قانون (2005م) الذي همش دور المفتش والباشمفتش والمنظومة التي بني عليها المشروع مع إدخال كشكول من المحصولات ما أنزل اللَّه بها من سلطان وترك للمزارع الحبل على القارب ليزرع ما يشاء وكيف يشاء ومجموعة من المحاصيل مختلفة وفي مساحة واحدة دون مراعاة للآفات والحشرات التي تصيب كل محصول بمفرده ناهيك عن كشكول من المحصولات في حواشة واحدة أو في نمرة واحدة وهذا مما يسهل نقل العدوى من محصول لآخر مما ينعكس سلباً بضعف الزراعة وتدني الإنتاجية. أما المحور الرابع والذي يتمثل في تركيز الأسعار للمنتجات الزراعية فهذا شأن مهم وينعكس ايجاباً على استقرار الزراعة وتحفيز المزارعين لبذل مزيد من الجهد لتحقيق أعلى الإنتاجية. وعلى سبيل المثال لا الحصر فلو وضعت الدولة أسعاراً مجزية ومشجعة لزراعة القطن وجاذبة فإن المزارعين سيكونون أكثر ارتباطاً بالأرض كالفلاح المصري وإن لم توضع الأسعار المحفزة فإن المزارعين بلا شك سيلتجئون إلى خيار زراعة محاصيل أخرى ذات عائد سريع ومجزي كالبصل وغيره وكذلك في عدد من المحاصيل كالقمح والذرة والفول السوداني والبقوليات. والآن نستطيع أن نقول أن الكرة الآن في ملعب المزارعين بعد التزام الرئاسة بتمويل موسم (2014م 2015م) يبقى فقط العزيمة والإصرار وقبول التحدي والتشمير عن سواعد الجد واستنفار كل الطاقات والجهود مزارعين وإدارة ومجلس إدارة واتحادات والمالية والزراعة ورئاسة الجمهورية من أجل النهوض بمشروع الجزيرة وإعادته سيرته الأولى وهذا ليس على اللَّه ببعيد.