تحدَّث الناس كثيراً عن مشروع الجزيرة وعقدت الندوات والسمنارات والحلقات الدراسية والمحاضرات وجاء قانون عام 2005م الذي أجيز على عجل واستعجل الذين صاغوه وأظهروا جوانب وأخفوا ما يترتب على هذا القانون بعد أن يتم تطبيقه على أرض الواقع من سلبيات.. وبالفعل وعندما بدأ العمل بالتطبيق حدثت وظهرت الإخفاقات عياناً بياناً ودونكم روابط مستخدمي المياه والخصخصة التي حدثت للسكة حديد وللمحالج والهندسة حيث بيعت الأصول وفقد المشروع العقول المدبِّرة والصائبة وبدأ التخبط يضرب أطنابه، وسُدَّت المواجر والقنوات بالأطماء والحشائش «أم صوفة» وغيرها وبدأ الموسم الأول بعد إنزال القانون على أرض الواقع وفي عروته الصيفية وفي عجالة ومن غير تحضير متقن بل بدأ متأخراً عن مواعيده مما قاد المزارعين إلى أن يزرعوا كل المحاصيل في وقت واحد، الذرة والقطن والفول السوداني والخضروات الأمر الذي انعكس سلباً على هذه المحاصيل وذلك بانتشار الفيروسات التي فتكت بهذه المحاصيل بصورة عامة وعلى وجه الخصوص الخضروات.. كما كانت آفة تلك العروة الصيفية والتي تم فيها تدشين الموسم الأول لتطبيق القانون هي العطش. وعندما وقع الفأس في الرأس بدأوت التحركات في الزمن الضائع من غير جدوى والمزارع التعبان الغلبان يلوك الصبر ويفطر على القرض والحنظل.. وحتى عندما تم توفير جزء من المبلغ لتطهير القنوات وتم تسليم المبالغ لمؤسسات الحفر وحدث أن توقف جزء من كراكات تطهير القنوات عن العمل بسبب شح المال وعدم الإيفاء بالسداد مما أدى إلى تفاقم الأزمة وخروج جزء كبير من محاصيل تلك العروة من دائرة الإنتاج بسبب العطش وحتى المزارعين الذين زرعوا محاصيل تلك العروة ونجحوا في ذلك فهم قلة قليلة ومزارعين مستطيعين وميسوري الحال حيث دفعوا حق المياه من «جيوبهم». وكذلك من السلبيات فحتى القنوات التي تم تطهيرها وإزالة الأطماء والحشائش منها في معظمها لم يراعوا الجوانب الفنية إذ أن عمليات الحفر كانت أعمق من المستوى المطلوب مما صعَّب وصول المياه إلى الحواشات، أي الحواشات صار مستواها مرتفعاً ومستوى حفر القنوات منخفضاً، وحتى لو امتلأت هذه القنوات بالمياه فهنالك صعوبة في عملية انسيابها وفي وضعها الطبيعي لأبو عشرينات وأبو ستات ومنها لداخل الحواشات.. وكذلك ومن السلبيات التي تقف شاهداً على واقع الحال بمشروع الجزيرة أن قانون 2005م ترك للمزارع أن يتفنَّن وبمزاجه أن يختار التركيبة المحصولية التي يود زراعتها مما أدى إلى فوضى في الزراعة واختلط الحابل بالنابل الأمر الذي انعكس سلباً على تقليص المساحات المزروعة بمحصول القطن، هذا المحصول الإستراتيجي العالمي المهم الذي عُرِف به اسم السودان في المحافل الدولية واستُبدِلت مساحاته بكشكول من المحاصيل ما أنزل الله بها من سلطان ولا تُثمن ولا تُغني من جوع..